اليوتوب… صوت المكلومين
إشتدت المنافسة بين القنوات التلفزية والإذاعات من جهة والمنبر الجديد الذي شق طريقه قدما في الساحة الإعلامية ليضاهي بذلك الجزيرة والبي بي سي وغيرهما من القنوات والشبكات الإعلامية العالمية، فما سر
سُطوع نجم هذا المُنافس الجديد على حساب باقي
القنوات؟ وما الذي يميزه عن غيره؟ وما التعامل
الذي حظي به من طرف الجهات الحكومية في شتى الدول؟
شبكة عالمية…
إن إلتزام الحياد والتوفرعلى شبكة عالمية لتغطية للأحداث والوقائع شرطان محوريان لنجاح أي مؤسسة إعلامية، إلا أنه يعتبر من الصعب الجمع بين هاتين الخاصيتين إلى جانب خصائص أخرى
خصوصا أن تغطية كل بقاع العالم أمر مستحيل بالنسبة
للمؤسسات الإعلامية باختلاف توجهاتها الإعلامية المتعارف عليها لأن المشكل المطروح هو مشكل مادي بالأساس لأنه لا يمكن التعاقد مع مراسل في كل مدينة أو جهة لأنه في غالب الأحيان لا تكتفي المؤسسة بالتعاقد إلا مع بضع مراسلين والإكتفاء بالبؤر الساخنة أو النشيطة فقط لأن زيادة
المراسلين تعني زيادة في المصاريف وبالتالي زيادة
في ميزانية هذه المؤسسات، كما أن التوفر
على شبكة واسعة من المراسلين والمتعاقدين يقتضي وجود كفاءات مهنية ذات معايير وضوابط محددة لأنه يمكن للمؤسسات الإعلامية التعاقد مع أي كان، ثم إنه رغم الجهد الكبير الذي تبذله هذه الأخيرة في نقلها للوقائع بصبغة من الحياد والموضوعية فإنها تبقى عاجزة أمام ذلك لأنها دائما مُكتفة بخطوط حمراء
معينة وتُمارس عليها ضغوط من أيادي مُتخفية، وبالتالي
لا يمكن الجزم أن هناك مؤسسة إعلامية تجمع بين الخاصيتين السابقتين بنسبة كبيرة.
لكن هناك منبر جمع بين كل خصائص الحياد الإعلامي من قبيل نقل الرأي ونقيضه وفتح حوار بدون قيود أو خطوط حمراء كما معالجة جميع
المواضيع والقضايا إلى جانب تغطية واسعة للأحداث. لقد حقق موقع « يوتوب » انتشارا عالميا
منقطع النظير فحسب آخر الإحصائيات فإنه يحتل المرتبة
الأولى عالميا من حيث عدد الزيارات كما أن عدد الفيديوات المدرجة به يفوق الملايين وعدد التعليقات عليها أكبر بكثير، كما أنه أصبح مرجعا إعلاميا بامتياز وذلك لتوفره على الشرطين الأساسيين اللذين أعتبرهما شخصيا مفتاحا للنجاح الإعلامي وهما التوفر على شبكة إعلامية واسعة وإلتزام الحياد في نقل المعلومة وتحليلها.
بالنسبة لمسألة التغطية الإعلامية الواسعة فقد فاق عدد مراسلي موقع يوتوب مجموع عدد مراسلي المؤسسات الإعلامية العالمية
مُجتمعة ودون أن يكلف ذلك أدنى مصاريف للمشرفين على الموقع حيث بإمكان كل مواطن يتوفر على أداة تصوير من أي
نوع الإلتحاق بصفوف شبكة مراسلي « يوتوب »
وبالتالي فالتزايد المستمر للهواتف النقالة ذات
آلات التصوير والكاميرات المدمجة
يعني تزايدا مستمرا في عدد مراسلي هذا الموقع، إذن فالرهان المرفوع
ليس مراسلا في كل مدينة بل هو مراسل في جيب كل مواطن، كما أن مسألة اللاموضوعية في طرح القضايا ومناقشتها غير مطروحة بالنسبة
له لأنه دائما هناك حيز مخصص لصوتك فما يكفيك إلا التسجيل والبدء برفع فيديوهاتك والتعبير عن وجهة نظرك وإيصال صوتك للعالم.
سبق إعلامي من
قلب الحدث…
من الأمور التي جعلت موقع اليوتوب يتميز عن باقي المؤسسات الإعلامية هو تفرده بالسبق الإعلامي في العديد من المحطات البارزة مثل: أحداث سيدي يفني بالمغرب، أحداث أعراس الشواذ بالمغرب، الأحداث التي عقبت الإنتخابات الإيرانية، وتجاوزات حقوق الإنسان بمصر إلى جانب عدد كبير من الأحداث الأخرى التي كان المؤسسات الإعلامية آخر من يعلم بها أو آخر من ينشرها إن صح القول لأنه حتى لو علمت
بها فلا تتمكن من نشرها وذلك لضغوت تمارس عليها فمثلا متابعة مدير مكتب الجزيرة بالمغرب عقب بثها لأخبار عن
أحداث سيدي يفني إلى جانب المتاهة الطويلة
التي قادت العديد من المؤسسات الإعلامية بسبب بحثها عن السبق الإعلامي،
كل هذه التداعيات تجعل من موقع « يوتوب » موقع السبق الصحفي
بامتياز لأنه يتيح فرصة كبيرة للهروب من نفوذ السلطة لأنه في غالب الأحيان تُنشر هذه الفيديوات تحت أسماء مستعارة.
إن النهج الذي تتبعه إدارة الموقع من خلال فتحها الباب أمام جميع الراغبين في نشر ما تلتقطه عدساتهم زاد في عدد الناشرين فيه وبالتالي زاد في نسبة الحصول على سبق صحفي لأن المؤسسات الإعلامية لا يمكنها دائما نشر خبر محدد أو حتى الوصول إليه في العديد من الحالات لأنها لا تتوفر على تغطية لجميع بقاع العالم كما انه هناك بعض التظاهرات التي تمنع فيها وسائل الإعلام من التغطية، كما أن سياسة الباب المفتوح جعلت لكل رأي مكانه الواسع فانت
تجد الإسلامي والشيوعي والإباحي والإلحادي وكل ما قد
يخطر على بالك بين طيات اليوتوب، وبما أن كل الأراء معروضة على صفحات الموقع فإن لكل رأي جمهوره الخاص وعرض جميع الآراء ووجهات النطر يعني كسب جميع فئات الجمهور.
منبع للقلق…
وسط التعتيم الإعلامي والرقابة المتشددة التي تمارسها الحكومات العربية بشكل خاص على القطاع الإعلامي لدرجة إحتكارها له في العديد من الدول الشيء الذي يعني عدم وصول المعلومة كاملة في بعض الأحيان ومُحرفة في أحيان أخرى هذا إن لم يتم التستر على العديد من
الحقائق التي قد تخدش صورة الدولة أو الفئة الحاكمة داخل
الحدود وخارجها.
إلا أنه ومع التزايد المستمر لإنتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الأقطار العربية كان من الضروري أن يبحث المكلومون عن وسائل جديدة للتعبير عن آرائهم المُحاصرة وقضاياهم المُعتم عليها وإيصالها للعالم بأسره ولسوء حظ الظالمين تزامنت هذه الأحداث مع ظهور
العديد من مواقع النشر وعلى رأسها « اليوتوب » الذي
شكل منبرا حقيقيا لما لا منبر له، ولأن النشر فيه في متناول الجميع كان الملاذ الأول للشعوب المقهورة للتعبير
عن رأيهم ونقل الأحداث القمعية التي يتعرضون لها، وبما أنه يبث ويروج لما تريده بعض الجهات أن ينشر كان من الضروري أن تعمل هذه الجهات على مواجهة هذا الموقع
لأنه يشكل منبع قلق وخوف لها، كما أنه يشوه صورتها في
المحافل الإقليمية والدولية لأنه يروج لوجهها الآخر الذي ليس في مصلحتها ظهوره للعالم.
إن طريقة التعامل مع ما ينشر في موقع « اليوتوب » اختلفت من دولة إلى أخرى فبعضها ينكر ما ينشر فيه من فيديوهات ويدعي
أنها مجرد تشويه للحقائق وآخرون تواطؤوا مع شركات
الإتصال وقاموا بحجبه في غيرما مرة، إلا أن بعضهم
أرادوا أن يجاروا التيار واستغلاله للتشويش عن الحقائق وانتشارها.
تعتبر الشبكة العنكبوتية بشكل عام خطرا كبيرا يهدد « أمن » و » استقرار »
العديد من الدول التي تدعي حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة إلى جانب إحقاق الحق
وتطبيق القانون لانها تعتبر وسيلة
تواصلية لا يمكن الحكم فيها وإحداث الرقابة عليها بسهولة،.
إننا الآن أمام مشارف عهد جديد تُلغى فيه كل القيود والحدود ليكون بذلك عهد الحريات والتعبير الحر عن الرأي، إلا أنه يبقى دائما سؤال جوهري يطرح نفسه باستمرار: »إلى أي مدى تتمادى الأنظمة الحاكمة في ظلم شعوبها وسط هذه الإمكانات الهائلة لنشر المعلومة
وفضح التجاوزات؟؟«
Aucun commentaire