المسجد و’الجامع’ للجميع
ما وقع في قطاع غزة مؤخرا من تَحَصُّن أحد الشيوخ مع أنصاره في أحد المساجد وإعلانه عن قيام إمارة إسلامية بمدينة رفح ورفعهم السلاح، وما نتج عن ذلك من اقتتال بين أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم وسقوط لعدد كبير من الضحايا والجرحى، لابد أن يشكل مناسبة لطرح النقاش حول قضية إقحام المساجد في الخلافات والصراعات الحزبية.
وبالمناسبة، أذكر أنني تناولت الموضوع في لقاء مع بعض الإسلاميين من خارج المغرب، حينما طلبوا التعرف على خصوصيات العلاقة بين الدعوي والسياسي في تجربة حركة التوحيد والإصلاح، فتوقفت عند علاقة التمايز في مجالات العمل وفي الخطاب وفي الرموز وخاصة الذين يمارسون الوعظ والإرشاد، حيث اتخذت الحركة قرارا يقضي بعدم ترشح أبنائها المشتغلين بالدعوة في المنابر العامة للانتخابات التشريعية أو الجماعية، والامتناع عن المساهمة انطلاقا من مواقعهم تلك في الحملات الانتخابية، والابتعاد الكلي عن استغلال أي من هذه المنابر في أي معركة انتخابية لمناصرة حزب معين على بقية الأحزاب، بما يحول دون إقحام المساجد في الأمور الحزبية.
وحركة التوحيد والإصلاح إنما تقصد من ذلك، التمييز بين الأمور السياسية الكبرى وقضايا الأمة الجامعة ، وبين الأمور الحزبية والخلافية، بما يعني أن يبقى المسجد حاضرا وبقوة في الاهتمام بقضايا الأمة، وفي مناقشة القضايا المصيرية والعمل على حماية مبادئ وثوابت الأمة والمجتمع، باعتبار أن ذلك جزءا أساسيا ورئيسيا لا يتجزأ من رسالة المسجد، ومن الدور المنوط بالخطيب والواعظ والمرشد، من توعية وتربية وغرس لقيم الوحدة والاتحاد وبعث لروح الغيرة على الأمة وعلى دينها وثوابتها ومصالحها.
وأذكر أن أحد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من قطاع غزة قد علق على المداخلة وثمن التجربة المغربية، واعتبرها حكيمة وذات بعد نظر، وذكر أنه من خلال تجربتهم في فلسطين، تبين أن ذلك أصبح مشكلة حقيقية مع مرور الزمن، حيث تحولت المساجد هناك إلى ما يشبه مقرات حزبية، وأصبحت تجد مساجد تابعة لحماس وأخرى تابعة لحركة فتح وأخرى لحركة الجهاد وهذه للسلفيين والأخرى لرجال التبليغ، وهكذا أصبح لكل تنظيم مساجده الخاصة التي تتبع له، بل أكثر من هذا أصبحت المساجد مكانا لإطلاق الحملات الانتخابية وعرض البرامج السياسية، وها نحن اليوم نرى أنها أصبحت ثكنات عسكرية يتحصن فيها البعض لحمل السلاح على البعض الآخر، ومقرات لإعلان الإمارات الإسلامية.
والشيء بالشيء يذكر، فإن مساجد الجاليات الإسلامية في أوروبا تعيش تقريبا نفس الوضعية، حيث أصبحت المساجد مصنفة ومقسمة على أساس البلدان الأصلية، فتجد مساجد المغاربة ومساجد الجزائريين وأخرى خاصة بالأتراك وهكذا، كما تجدها مصنفة، بحسب الاجتهادات الفقهية والمدارس الفكرية، وتجدها داخل كل توجه مقسمة حسب التيارات والجماعات، والمشكل لا يقف عند تقسيم المساجد الذي يضاف إلى الاختلاف في يوم الصوم ويوم العيد في نفس المدينة، ولكن المشكل في تمترس كل توجه وكل جماعة في مسجدها لتسفيه الآخرين والتهجم عليهم وتحقير أفكارهم والخوض في كل ما هو مختلف فيه، وإثارة الفتن والنعرات بين المسلمين في كل مناسبة وبغير مناسبة وعلى كل صغيرة وكبيرة.
ولذلك، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو كيف ننأى بمساجدنا عن الصراعات الحزبية وكيف نرقى بها إلى أداء رسالتها المنوطة بها، وهي الجمع وليس التفريق، وكيف نتعاون جميعا على أن نجعل المسجد والخطيب والواعظ للناس جميعا، يجمع ولا يفرق، يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمتنع عن الدخول في تجاذبات التنظيمات والجماعات والأحزاب.
وخلاصة القول؛ فلنجعل مساجدنا بيوتا لله تجمع المسلمين وتوحدهم لا بيوتا للأحزاب والجماعات لتجميع الأنصار والأتباع وتعبئتهم، ولنجعل منها بيوتا للدعوة إلى الخير لا قواعد لشن الهجمات على بعضنا البعض، ولنجعل منها أماكن لتأليف قلوب الأمة الواحدة.
Aucun commentaire