مذكرة توقيف الرئيس السوداني دليل فاضح على قانون الغاب في عالم اليوم
من المعلوم أن قانون الغاب تحكمه القوة ، فمن كانت القوة بجانبه كان صاحب القانون . والطرف المسحوق في الغاب هو من لا حول له ولا قوة. وقد كنا نتسلى كثيرا بحكاية الحيوانات المرضى بالطاعون التي عالج فيها صاحبها قضية قانون الغاب حيث ردت حيوانات الغاب سبب نزول مصيبة الطاعون بها إلى أضعف الحيوانات بعد تبرئة ساحة الضارية منها والمعتدية.
والبشرية تردت عبر العصور إلى مستوى الحيوانات في سلوكات مخزية سجلها التاريخ بل من النماذج البشرية من نزل إلى مستويات دون الحيوانات كما جاء في الذكر الحكيم في قوله تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل وأولئك هم الغافلون ) .
وكان من المفروض والبشرية تتبجح بالحضارية الراقية خاصة في شمال الكرة الأرضية أن تنأى بنفسها عن سلوك الحيوانات ، وأن تتنكب منطق الحيوانات المرضى بالطاعون الذي هو مهزلة يتندر بها.
فمنطق مذكرة تسليم الرئيس السوداني لمحاكمته بتهمة جرائم الحرب ضد الإنسانية في إقليم دارفور هو بمثابة تقديم أضعف حيوان للمحاكمة بسبب لعنة الطاعون التي أصابت حيوانات هذا العالم . فأي منطق سيقبل مذكرة من هذا النوع وفي الدنيا من أقترف أضعاف ما اقترف الرئيس السوداني ـ إن صحت التهمة وثبتت ـ. فلو أن العالم » المتحضر » أصدر مذكرات اعتقال في حق الرئيس الأمريكي المجرم بالحجة والدليل الفاضح وأعوانه ، ورئيس الوزراء البريطاني السابق الذي صار بقدرة قادر حمامة سلام بعدما كان صقر حرب ، وقادة إسرائيل العسكريين المتعطشين للدماء لجاز أن يسلم الرئيس السوداني للمحاكمة ولن يكون فوق مسطرة قانون يعلو ولا يعلى عليه . أما أن ينصرف مجرمو الحرب بدءا ببوش ومرورا ببلير وانتهاء بأولمرت ومن معهم من قتلة ، وتقوم دنيا الغرب ولا تقعد لمذكرة اعتقال الرئيس السوداني فهذا من قبيل الهزل المضحك .
ولا زال العالم لم ينس كيف كالت الحضارة الغربية بمكيالين في قضيتين صنفتا نفس التصنيف وهما قضية الزعيم الصربي الذي حوكم فيما يسمى المحكمة الدولية ومات ميتته الطبيعية قبل صدور الحكم في حقه ، بينما سلم الرئيس العراقي صدام حسين المجيد لطائفة الرافضة الحاقدة نكاية فيه وشماتة . فالمنطق أن يسلم الرئيس الصربي للبوسنيين لمحاكمته ، وأن يسلم زعيم الخمير الحمر للكمبوديين ، وأن يسلم بوش وبلير للعراقيين والأفغان ، وأن يسلم أولمرت ولفني وباراك للفلسطينيين ، وحينئذ يطالب بتسليم الرئيس السوداني لأهل دارفور. وأنا أراهن على أنه لو قدر لأهل دارفور أن تكون لهم الغلبة العسكرية لسلم الغرب البشير لهم كما فعل بصدام نكاية به وشماتة أيضا .
وفضلا عن هذا كم توجد من قضايا دارفورية في كل أقطار العالم العربي والإسلامي لم تصدر في حقها مذكرات اعتقال وتوقيف في حق من ارتكب فظائعها ؟ وهل توجد جرائم أكبر من مجازر غزة وكل فلسطين وجنوب لبنان ، والعراق وأفغانستان ؟ وهل توجد مخازي أكبر من سجون العدو الإسرائيلي وسجون أبي غريب وقندهار وكونتنامو ومعتقلات المخابرات الغربية ؟
إنه منطق قانون الغاب، فالقوي لا ذنب له، والويل كل الويل للضعيف.
والمؤسف أن يسكت المنتسبون للقيم الر وحية عن هذا القانون الجائر الذي يهوي بالإنسانية إلى درك ما بعد الحيوانية . فهذا البابا يعتزم زيارة فلسطين المحتلة أو ما سماه » إسرائيل المقدسة » في ذكرى قيام الكيان الغاصب لوضع إكليل الزهور على رمز المحرقة اليهودية الوهمية مقابل التنكر للمحرقة الفلسطينية الحقيقية التي تابعها على شاشات الفضائيات بأم عينه .
وها هو يفتي بتجريم من ينكر الهولوكست ، ويخرس لسانه عن فتوى لا تزيد عن لوم مجرمي الحرب الصهاينة.
وها هو الترابي رجل الدين والدعوة يا حسرتاه، وهو يغادر مقر اعتقاله الذي لم يرضه له أحد يزكي مذكرة اعتقال صديق وحليف الأمس غضبا لنفسه وليس غاضبا لله عز وجل كما كان يقول في محاضراته الدينية. لقد انسلخ من جلد الدين ولبس جلد السياسة على طريقة رافضة العراق الحاقدة التي ضحت صبيحة العيد برئيسها إرضاء للمحتل الذي انتهك حرمتها ودنس شرفها على طريقة هولاكو. فلن يتردد الترابي وأتباعه في شنق البشير صبيحة عيد وهم يضجون كما ضج الرافضة باسم العار والشنار.
فمتى ستغادر البشرية مراتب الحيوانات ويحل قانون الحضارة الحقيقية محل قانون الغاب ؟ ومتى تفيق قطعان البقر الوحشي من غفلة تنسيها أن السباع الضارية أخطر على وجودها من بعض ثيرانها الجامحة ؟
Aucun commentaire