Home»International»صاعقة 11 شتنبر وسقوط الأقنعة

صاعقة 11 شتنبر وسقوط الأقنعة

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

صاعقة 11 شتنبر وسقوط الأقنعة

بقلم : عبد المجيد بن مسعود

إذا قلنا: إن 11 شتنبر 2001، أو يوم « الثلاثاء الأسود » كما راجت تسميته في وسائل الإعلام، خلال فترة أعقبت وقوع الواقعة، إذا قلنا إن ذلك التاريخ يعتبر حدّاً فاصلا بين مرحلتين من تاريخ الإنسانية، فإننا لا نعدو الحقيقة أو نجانب الصواب. فمع انهيار مركز التجارة العالمية بنيويورك، انهارت أحلام ضخمة، ومع تصاعد دخانه وأبخرته الكثيفة الداكنة إلى عنان السماء، تصاعدت عواطف جياشة، وتصدعت لهول الصدمة أبنية وأنساق فكرية وفلسفية، كانت تزعم لنفسها الثبات والخلود، من أمثال، نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما، وارتفعت أسهم نظرية صدام الحضارات لصمويل هنتجتون في بورصة الأفكار.

لقد كان العالم يبدو قبل 11 شتنبر مائجا بالحركة الدائبة التي لا تكاد تضبط دواليبها، أو تحصر إيقاعاتها، ولكن استرجاع صورة ذلك العالم بعد الذي وقع في ذلك الثلاثاء المشهود، تظهره في وضعية الكيان الجامد الراكد، لا لأنه كان كذلك بالفعل، ولكن لأن حركة العالم بعد 11 شتنبر تسارعت بشكل مذهل، وليس الجديد في الأمر منحصرا في تسارع الإيقاع بشكل غير مسبوق، ولكن – وهذا هو المهم ومناط التأمل ومعقد الاعتبار – لأن قوة الارتجاج الناتجة عن الصدمة كانت خليقة بإسقاط أقنعة كثيرة، طالما أعمت الكثيرين عن رؤية الوجوه الثاوية وراءها، وبالسماح بملامسة حقائق دامغة، طالما تنكر لها كثير ممن كانوا يشككون فيها، حفاظا على انسجام منطقي موهوم داخل نفوس تعيش في أعماقها تمزقا مريعا لا شفاء يرجى منه، بغير المصالحة مع الحقيقة ومواجهتها بشجاعة ومروءة، مهما تكن درجة مرارتها.
سأحاول فيما يلي أن أستنبط بعض الآليات التي كانت تتحكم في علاقة أغلب الأنظمة العربية والإسلامية بالولايات المتحدة، قبل 11 شتنبر، مقارنة لها بما أصبحت عليه بعد ذلك التاريخ.
لقد كانت آليات العلاقة حريصة دوما، على تفاوت في الدرجة، عبر مراحل ما بعد الحرب الباردة، على توفير حد أدنى من احترام – أو بالأحرى محاولة الظهور كذلك – ما يسمى بقرارات « الشرعية » الدولية، وبالمحافظة على جملة من القيم والمعايير المنسوبة إلى « المنتظم الدولي »، مما يتعلق بالسلم والحرب. غير أن صدمة 11 شتنبر طوحت بذلك الحد الأدنى على علاته، وأسفرت عن وحش كبير يشهر كل مخالبه ويفتح فاه ليلتهم كل شيء تحت ذريعة موهومة اسمها « محاربة الإرهاب »، وشعار زائف، هو « الدفاع عن الحرية الراسخة ». وإذا كانت هجمة الولايات المتحدة الأمريكية الشرسة على شعب أفغانستان المثخن بالجراح أصلا، قد اندرجت في ذلك الإطار الذي حرصت على إضفاء صبغة الشرعية عليه، فإن الذي كشف زيف دعاوى أمريكا وجرّدها من جميع أدوات المناورة والتبرير، هو تعاملها مع قضية فلسطين، بحيث انسلخت من جميع تعهداتها والتزاماتها « كراعية » للسلام، وراحت تلقي بكل ثقلها المعنوي والمادي إلى صف آلة الغدر الصهيونية التي راحت تخرج ما في جعبتها من مخزون الحقد السادي على شعب فلسطين الأعزل والمكبل.
لقد كان هذا التحول من طرف أمريكا المتمثل في التنصل حتى من ذلك الحد الأدنى من التظاهر بالضغط على إسرائيل، ومن محاولة الوفاء « بالتزاماتها كراعية للسلام »، عبر مبادراتها المتعددة الأسماء، ، فلقد كان ذلك التحول بمثابة قاصمة الظهر التي عصفت بإمكانيات التعايش بين العرب والولايات المتحدة. لقد هللت أغلب الأنظمة العربية والإسلامية للوعد الذي لوّح به جورج بوش في غمرة إغارته على شعب أفغانستان، ومفاده أنه عندما يفرغ من حملته تلك، سيتفرغ بجد لحل المشكل الفلسطيني على أساس من العدل والإنصاف. ولكن عندما تطورت الأحداث على هذا الوجه المأسوي، شكل ذلك إحراجا كبيرا لمن كانوا يتوجهون بالشكوى إلى راعية السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، بما فيهم سلطة الحكم الذاتي المتضرر الأكبر من هذا الانقلاب، الذي أصبح فيه خطاب بوش صدى لخطاب شارون ومن تتابع بعده من قادة الكيان الغاصب، اللهم إلا من بعض الرتوش التي لا تغير من جوهر الأمر شيئا.
إن المرء يتساءل عن السر الكامن وراء هذا التحول الخطير، هل كان وراء ذلك اعتقاد أمريكا بأن ما وقع لها يوم 11 شتنبر 2001، كان بسبب دعمها اللامشروط للكيان العنصري في فلسطين المحتلة؟ أي كان لا بد من معاقبة فلسطين بإطلاق يد شارون ومن ساروا على دربه؟ وفي هذه الحالة يصدق عليها (أمريكا) قول من قال: «وداوني بالتي كانت هي الداء».
لقد كانت الأحداث – إذن – كفيلة بإزاحة الأصباغ والمساحيق التي أريد لها أن تحجب قبح وجه القوى المعادية للإسلام. وقد تمثلت تلك الأصباغ والمساحيق في نسق من الطقوس ومن ألفاظ المجاملة والمداراة التي تندرج تحت مسمى الدبلوماسية.
فالحق أن الذين يمثلون الطرف الضعيف ضمن العلاقة بين الشرق والغرب كانوا يتمنون من أعماق أنفسهم أن لو استمرت الأوضاع العالمية على ما كانت عليه من ركود ومراوحة، لأن ذلك يسمح بالاستمرار في ممارسة اللعبة الزائفة التي تظهر أنشطة الطرفين وتحركهما ومساعيهما، في صورة إيجابية توحي للبعض بأن هناك جهودا جادة ومعقولة في اتجاه حل الأزمة، وإيجاد تسوية عادلة للقضية، كما توحي بأن الطرفين يقفان على صعيد واحد، على قاعدة من المساواة والندية. والحقيقة أن كل واحد من الطرفين يعرف موقعه وحدود مناورته، على ما هنالك من تفاوت في هامش المنارة وإمكانيات المبادرة إلى خرق الحدود والإخلال بشروط اللعبة.

غير أن ما وقع في ذلك الثلاثاء، بأمريكا، مطوحا برموز القوة في بعديها الاقتصادي والعسكري، بعثر أوراق اللعبة بشكل عنيف، ومزق الأقنعة، وجعل جسد كل من الطرفين في العراء، وبالخصوص جسد الطرف الضعيف لأن إحراج أمريكا إنما مرده إلى تشويه الصورة المعنوية التي ظلت حريصة على الظهور بها، باعتبارها راعيا للسلام وممثلا لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يضير أمريكا في شيء على المدى القريب والمتوسط، أن تسقط تلك الصورة وتتلاشى من أذهان الناس. فأمريكا منتشية بسطوتها، مزهوة بقوتها وصولتها، وهي لا تأبه أبدا بما يكال لها من النقد والتجريح، سواء من بني جلدتها، أو من ضحايا سطوتها، لأنها في مأمن من العقاب بحسب ما هو متصور لديها في أناها المتضخمة، وذلك على العكس تماما من موقف الأنظمة العربية والإسلامية التي حرمت من الغطاء الدبلوماسي، فأصبحت أمام موقفين لا ثالث لهما: فإما أن تختار الطريق الصعب وتستبدل بالقاموس الدبلوماسي القائم على الموادعة والمهادنة، قاموسا جديدا قائما على المصارحة والنقد الجريء الذي يسمي الأشياء بأسمائها ويضع الأمور في نصابها، وإما أن يختار الاستمرار في النهج السابق، نهج المطاوعة والمداراة، حرصا على إرضاء أمريكا وتجنب إغضابها على كل حال.

وهذان الأمران أحلاهما مر. وأما مرارة الموقف الأول، فتكمن في كونه يعرضها لعواصف عاتية من غضب أباطرة ما بعد العولمة الذين يشعلونها حربا شعواء على كل من يسيء الأدب بقول لا، أو حتى برفع عقيرته بالشكوى وتعابير التذمر والامتعاض.
ولعل مما هو من الوضوح بمكان، أن هذا الموقف هو أحمد عاقبة وأحسن مآلا، لأنه يمثل حفاظا على مقتضيات العقد، ويستتبع لأجل ذلك تحقيق تماسك الكيان المجتمعي وقوة مناعته، وتعميق إحساس الأمة بوجودها وإذكاء آليات المقاومة والتصدي لديها، بما يستدعيه ذلك من إعداد القوة وتحصين الذات وتعبئة الطاقات.
أما مرارة الأمر الثاني فتكمن في انعدام مصداقية الأنظمة أمام شعوبها وتجريدها من الحد الأدنى من رصيد السيادة والكرامة الذي تتلاشى بتلاشيه مببرات قيام الدولة ككيان يقوم على تعاقد مقدس بين القيادة والجماهير، تترتب عنه حقوق والتزامات على الجانبين.

وما أجدر الأمة العربية والإسلامية بالأخذ بالموقف الصعب الذي تحمد عقباه، ويبقيها عزيزة الجانب موفورة الكرامة، ويكفيها شرفا أنها في اختيارها لهذا الموقف لن تظلم أحدا ولن تجني على أحد..، وإنما هي باحثة عن حقها في الكرامة والوجود، ولا أحد ممن يعقلون، يعترض على هذا الحق الأصيل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *