المناورة المكشوفة لتحويل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي إسلامي
بعدما أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة صمودها ضد العدوان الصهيوني الذي لم يعد يخيف الفلسطينيين ، وبعدما عجزت إسرائيل عن تغيير الوضع في غزة كما كانت تحلم لتحقيق أهدافها وعلى رأسها جدار بشري مدجن وعازل يحميها من سلاح المقاومة على غرار جدار الإسمنت عمدت الولايات المتحدة إلى أسلوب المناورة المكشوفة من أجل تغيير مسار الصراع العربي الصهيوني إلى مسار جديد من أجل تقديم هدية لإسرائيل تكون عبارة عن استراحة وتفرج على صراع إقليمي بين العرب من جهة وإيران من جهة ثانية . والغريب أن يتهافت العرب على المناورة الأمريكية ويسارعون إلى عقد اللقاءات بينهم من أجل تفعيل المناورة الأمريكية وإدخالها حيز التنفيذ في أسرع وقت ممكن.
ولقد استغلت الولايات المتحدة الخلافات الإقليمية لتمرير المناورة المكشوفة ذلك أن الخلاف بين إيران والإمارات العربية المتحدة مثلا حول الجزر الثلاث المتنازع على سيادتها كان كافيا لتحميس الإمارات لتستضيف اللقاءات التي تهيئ لتحويل الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي إيراني. والولايات المتحدة الأمريكية التي وعد رئيسها الجديد بتصفية الحساب مع إيران بخصوص ملفها النووي ترى الوقت مناسبا لقدح زناد هذه المناورة المكشوفة خصوصا وأن إيران تتعمد أسلوب استفزاز الغرب كما هو الشأن بالنسبة لظروف إطلاق القمر الصناعي الذي جعل الغرب يسارع لمناقشة ملف إيران النووي ، وقد وجد في قضية إطلاق القمر الصناعي الذريعة لتعجيل تنفيذ ما وعد به الرئيس الأمريكي ، وما تطالب به إسرائيل وهو تدمير إيران التي تقف مع المقاومة الفلسطينية.
فنجاح المقاومة بالصمود بالنسبة لإسرائيل معناه صمود العمق الاستراتيجي الذي يمد المقاومة بالدعم . وسارعت الدول الغربية أيضا لمناقشة موضوع تهريب السلاح إلى قطاع غزة، وهي التي لم تحرك ساكنا أمام المجازر التي ارتكبها الصهاينة في غزة وكأن حل مشكلة الشرق الأوسط تكمن في تهريب السلاح وليس في استرداد شعب لحقوقه .
وكما استفز الإيرانيون الولايات المتحدة و الغرب بالإعلان عن إطلاق قمرهم الصناعي فإن قيادة حركة حماس استفزت الغرب والعرب الموالين له بزيارة طهران وتقديم الولاء لقيادتها الدينية لهذا اندلعت التحركات الهادفة إلى إفراغ المقاومة من دلالتها الحقيقية وتحويلها إلى موضوع خلاف بين الغرب وبين إيران بخصوص ملف هذه الأخيرة النووي ، وهو ما يعني طمس معالم الصراع العربي الصهيوني ليحل محله صراع آخر لا يمس إسرائيل.
والخطير في المناورة المكشوفة أن تركيا التي وقفت موقفا مشرفا من قضية غزة والتي أقلقت تصريحات قادتها الغرب بالحديث عن الماضي العثماني يحاول الغرب توريطها في صراع إقليمي باعتبارها الدولة القادرة على مواجهة إيران لهذا يتم التقريب بينها وبين الدول العربية التي تتوجس من إيران من خلال عقد تحالفات قصد خلق وضع يساهم في صرف الأنظار عن إسرائيل التي أدانها العالم بسبب جرائمها. وكما توقع بعض الخبراء فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة عن طريق اختلاق صراع كبير في منطقة الشرق الأوسط يفضي إلى كارثة ودمار قد يساعد على بناء الاقتصاد العالمي كما كان الحال بعد دمار الحرب الكونية الثانية .
ولعل الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية التي ترتزق بها العديد من الجهات من أجل تصفية ملفاتها العالقة مع الغرب أو فيما بينها في منطقة الشرق الأوسط . لقد استطاعت تركيا بفضل قضية غزة أن تتخلص من عقدة الصمت أمام الغرب فوجدت الفرصة سانحة للتهديد بالماضي العثماني إذا ما رفض الغرب انتماءها لسوقه وهي قضية سوف فيها الغرب طويلا لخوفه من عودة الماضي العثماني بعد انضمام تركيا لسوق الغرب . وركبت إيران قضية غزة للالتفاف على خلافها مع الغرب بخصوص ملفها النووي فإقلاق صواريخ المقاومة للصهاينة وللغرب هو ورقة ضغط تستغلها إيران لصرف الغرب عن التفكير في مهاجمتها ذلك أن العجز أمام صواريخ المقاومة معناه العجز أمام الصواريخ الإيرانية التي بات مداها يصل على الأجواء العليا ، وهو مدى الأقمار الصناعية . وركبت الدول العربية قضية غزة كل دولة على طريقتها من أجل الالتفاف حول الغضب الجماهيري بسبب الكرامة المجروحة بسبب مجازر غزة ، وهو غضب يخشى أن يقدح زناد التذمر الشعبي بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة يتوقع أن تحدث انهيارا شاملا في صيف سنة 2009 . ولا يعدم الغرب وسيلة إضرام نار الصراع وهي متوفرة بامتياز من خلال الخلاف العقدي بين إيران الشيعية وجاراتها العربية السنية خصوصا وأن إيران استغلت الغزو الأمريكي للعراق فخدمت مصالحها السياسية من خلال التسويق لعقيدتها بين العراقيين الذين برروا قبول الغزو الأمريكي عن طريق الانتقام العقدي ضد نظام حكم صدام حسين.
وقد خدم قبول العراقيين الشيعة للغزو الأمريكي الطرح الإيراني بحيث ساهموا في مساعدة المحتل الأمريكي ضد المقاومة العراقية السنية بشكل أو بآخر و بدافع الخلاف العقدي معها. والصراع العقدي ورقة كورقة غزة يستغل بشكل بشع حيث تبرر الدول المنتسبة للعقيدة السنية تحالفها مع الغرب وتطبيعها مع إسرائيل بخلافها العقدي مع إيران ومن ينتسب إليها عقديا ، كما أن إيران تستغل خلافها مع الغرب لتسويق عقيدتها بين الشعوب العربية الناقمة على التطبيع مع إسرائيل والتحالف مع الغرب. فلا الأنظمة المنتسبة للعقيدة السنية ، ولا إيران الشيعية ومن معها في عقيدتها الشيعية صادقون في الدفاع عن القضية الفلسطينية ، وإنما يركبونها لتحقيق مصالحهم ، والغرب على علم بذلك ، وهو بدوره يوظف خلافهم العقدي للتمويه على حقيقة الصراع بين العرب وإسرائيل التي فشلت في تحقيق أمنها بقوة السلاح ، فعمدت إلى قوة الكيد والمكر والمناورة كما هو دأبها بمساعدة الغرب الذي يتبناها.
وأخيرا لا بد أن ننبه بأن المناورة المكشوفة باتت مفضوحة ، و أنه لا مفر من الالتفاف حولها إلا بتصالح الأنظمة العربية مع شعوبها ، وتجاوز المنتسبين للإسلام عربا وعجما عقدة الخلاف العقدي الذي تعايش لقرون ، والذي لم ينس التاريخ فترات استغلاله المؤلمة التي دمرت العالم الإسلامي بما فيه ساحته العربية والأعجمية.
2 Comments
إذن من كانوا يزعمون بأن هناك صراعا بين الشيعة و السنة يشكل خطرا على الأمة فهم واهمون و كل من سار في ركبهم – عن قصد أو من دون قصد- فهو يخدم مصلحة الصهاينة و من معهم .. و نحمد الله ان الأخ الشركي تفطن إلى أن الحل هو الشيعة و السنة و ليس السنة من غير الشيعة أو العكس.. فحمدا لله
إلى الأخ احميدة الحموتي كلامي السابق عن فساد عقيدة الشيعة لا يجب أن يفهم منه أنه تأييد للطرح الصهيوني أو الأمريكي لقد أدنت الشيعة الذين جاءوا إلى العراق على ظهر الدبابات الأمريكية وأعدموا صدام حسين بدافع التعصب لعقيدتهم عندما التقت مصلحتهم مع مصلحة المحتل . ولقد أربك البعض توزع نفس الاعتقاد الشيعي بين مؤيد لنفس العدو في العراق ومعاداته في لبنان فكيف يكون الشيعة الإمامية في نفس الوقت أعداء لأمريكا وإسرائيل وحلفاء لهما ؟ وإدانة الموقف الشيعي الخائن لا يعني القبول بالموقف السني الخائن كما يعتقد البعض أرجو أن تكون الفكرة قد توضحت بالنسبة إليك