محرقة غزة والتواطؤ البشع
محرقة غزة والتواطؤ البشع
د. عبد المجيد بنمسعود
لقد أمعنت آلة الحرب اليهودية العنصرية الحاقدة في شعب غزة المنكوب فتكا وحرقا وتدميرا، وسفكا لدماء الأبرياء الآمنين، معبرة – من جهة عما تختزنه أرواحهم الشريرة السوداء من حقد وحسد وظعينة لكل من عاكس المشروع الصهيوني الاستيطاني البغيض القاضي بتهويد فلسطين، وطمس معالمها، وانتزاعها من جوهرها الإسلامي الأصيل، ومن جهة أخرى عن استخفاف اليهود بكل ما يسمى أعرافا ومواثيق أو منظمات دولية، أو ما سوى ذلك من المسميات التي أصبحت غير ذات معنى، وأصبح لوكها بالألسنة والتمثل بها مجرد لعبة عبثية لا تقدم ولا تؤخر، في سياق مجرى الأحداث الرهيبة التي تحصل في العالم، والتي يسعى اليهود بكل ما أوتوا من مكر واحتيال إلى أن يكونوا سادتها والممسكين بأزمتها. فواضح أن بني صهيون لعنة الله عليهم إلى يوم الدين، قد استفردوا بالقرار الدولي، ولم يتركوا أي هامش لأي كان، مهما كان موقعه، ومهما بدا عليه من مظاهر القوة والنفوذ، الأمر الذي يؤكد، بما لا يدع أي مجال للشك، بأن خطة هؤلاء الملاعين في استحمار قطاع عريض من أرباب السياسة والثقافة والفكر والفن، ومن خلالهم جماهير واسعة في عالم اليوم، قد آتت أكلها المسموم والبغيض، وتحول معها هذا العالم البائس إلى مجرد مزرعة كبيرة يرتع فيها أحفاد القردة والخنازير، ويمتصون خيراتها كما يمتصون دماء العاملين فيها بكل وحشية وشراهة وقسوة، ويلقون إليهم بالفتات، ويشركون بعضهم في الريع الحرام، بحسب بما تقتضيه قوانين اللعبة الشيطانية التي يتقن اليهود قواعدها.
لقد ثبت بألف دليل ودليل في هذا الزمن الصعب، أن اليهود، هم رأس الحربة في كل ما يجري في العالم من فساد وتخريب وظلم وطغيان، هذا بالنسبة لغير المسلمين، أما بالنسبة للمسلمين، فإن كتاب ربهم قد كفاهم مؤونة الاحتكام إلى التجربة في معترك الصراع والتعامل مع اليهود، فليست هذه إلى مصداقا لما جاء في القرآن الكريم من بيان شاف عن طبيعة هؤلاء المناكيد الذين ابتلي بهم الجنس البشري، فما من رذيلة إلا واستجمعوها في نفوسهم المريضة السوداء، فهم قتلة الأنبياء ونكثة العهود، وأكلة السحت (الربا)، وأكلة أموال الناس بالباطل، منذ أن وجدوا على ظهر هذه الأرض، وهم مصدر الحروب المشتعلة في أطرافها، ومصدر الفساد الذي ينخرها ويسري في عروقها وأوصالها، بتعبير واحد يفهمه كل الناس، إنهم ورم سرطاني بالغ الخطورة والسوء، يتربص بالجسم البشري على وجه العموم، يمتص حيويته وطاقاته، يقول مارتن لوثر في وصف طبائع اليهود: « لقد لقنهم آباؤهم وحاخاماتهم، منذ نعومة الأظافر الكراهية السامة لكل غريب عن ملتهم، لا يدين باليهودية، وما برحوا حتى يومنا هذا يمضغون، دون كلل، تلك الكراهية المجسدة في كل فرد منهم، حتى إن الكراهية تغلغلت، كما جاء في المزمور 109 في أجسادهم ودمائهم فسيطرت عليهم، وغلفت عظامهم وأدمغتهم، فغدت منهم وفيهم (…) وكما أنه يستحيل عليهم أن يتخلوا عن طبائعهم المتأصلة فيهم، كالتكبر والغرور والجشع والحسد، لذلك لا مفر لهم من بقائهم على ما هم عليه: طماعون، حاسدون، مرابون، إلى أن تحل الساعة التي يبيدون فيها أنفسهم بأنفسهم، أو تقع المعجزة » (اليهود: 9-10) إعداد زهدي الفاتح (1972).
جاء في أحد مصادر اليهود: « يعتبر طيبا إذا أحرق كل يهودي أو دمر معبدا للأغيار، أو أي شيء يخص هذه المعابد أو يلوذ بها، ثم على هذا اليهودي أن يذري في الجهات الأربع أو في الماء ما أحرق، والأهم من ذلك، هو أن من واجب كل اليهود العمل على تحطيم أسس كل معبد للأغيار، وينعته بأسماء ملعونة » (نفسه 167).
« منازل الأغيار حظائر حيوانات » (ص 168).
« من يسفك دم غير يهودي، فإنه إنما يقدم قربانا للرب » (ص 170).
« إذا قتل غير اليهودي رجلا يهوديا أو غير يهودي، فهو مسؤول وتجب محاكمته، أما إذا قتل يهودي رجلا غير يهودي، فهو غير مسؤول ولا يحاكم » (نفسه 170).
إن هذه الأقوال التي تقطر سما وتنضح بما تختزنه نفسية اليهودي من نزعة للإجرام وسفك للدماء، تمثل بالنسبة له دينا وملة، ومنهج سلوك لا ينفك عنه قيد أنملة، لأنه بمثابة الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه.
وإن ما يسلطه الكيان اليهودي الغاصب على أهلنا في غزة ليعتبر نموذجا تطبيقيا خالصا لتلك التعاليم الشيطانية الخرقاء، التي لا ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة.
إن اليهودي يضمر الكيد والشر لكل الناس، ولكن القسط الأكبر من ذلك يرصده لأهل الإسلام والإيمان، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} ولن يحوز رضا اليهود إلا من سار في ركابهم ودار في فلكهم، مصداقا لقوله جل وعلا: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى} (البقرة)
ولو كان في وسع اليهود أن يسالموا أحدا، لسالموا أعظم الخلق الذي أعطاهم الأمان ورعى ذمتهم وأحسن جوارهم، ولكنهم لم يكونوا أهلا لذلك، فدسوا الدسائس وتآمروا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم والحال أنهم كانوا يعيشون في ظل الدولة القوية في المدينة، وأقاموا حلفا بغيضا مع أهل الشرك والكفر من قريش، فتنكروا لكل جميل، وكانوا بئس الجار وبئس العشير، فما كان من رسول الله الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام إلا أن حكم عليهم بالخروج والجلاء، لأنهم غير أهل لمساكنته، فهم أهل غدر وخديعة، لا يأمن جانبهم إلا ذو غفلة مخدوع.
إن المصل الواقي من السرطان اليهودي العاتي إنما هو التحصن بالإسلام وما يفرضه من يقظة تجعله قادرا على التعامل الحكيم مع كل من يتحرك في محيطه، وهذا هو السر الكامن من وراء كراهية اليهود لكل ما هو مسلم، لأنه متمنع ضد مكايدهم، ولا يمكن أن تنطلي عليه خدعهم، وذلك بحكم شخصيته المتشبعة بحقائق القرآن الكريم، وتعاليمه الخالدة، وبوقائع السيرة العطرة وهديها النير.
لقد قال أحد عتاة اليهود (رابين): إن الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت، وقد عبر رابين عن أمنيته، أن يفتح عينيه ذات صباح ويجد غزة وقد ابتلعها البحر، ولم يكن قرار الجلاء عنها إلا لبأس أهلها واستعصائهم على التذويب والتهجين. ولكن اليهود الصهاينة المجرمين، لا يمكن أن يهدأ لهم بال أو يقر لهم قرار وهم يرون أهل غزة يعيشون في أمن وأمان، يبنون مجتمعهم في منأى عن المنافقين والخونة ممن باعوا أنفسهم للشيطان ورضوا بمقعد مهين في أحضان يهود، فكان لا بد أن يهجموا هجمتهم الشرسة على أهل غزة بقصد إبادتهم واستئصالهم والاستراحة مما يصدر منهم من إزعاج.
إن الفصل الدموي الرهيب الذي يشهده أهل غزة الصامدون، على يد آلة الغدر التي يركبها الجيش الصهيوني الجبان، لتؤكد للغافلين جملة من الحقائق التي باتت من الجلاء، بحيث لا يماري فيها إلا متواطئ مرتاب.
أولى هذه الحقائق أن ما يطلق عليه الشرعية الدولية ليست إلا شرعنة للظلم والطغيان والبغي والعدوان، وأن ما يسمى بمجلس الأمن ليس إلا مجلسا للخوف والغبن. فما قيمة وما جدوى مجلس يترصد قراراته الفيتو الأمريكي، لينقضها وينسفها بكل عنجهية واستكبار؟ هذا إذا صدرت وتم التصويت عليها، أما إذا لم يسمح لها حتى بعرضها كمشاريع للتصويت عليها، فذلك هو منتهى الخزي والعار، لمجتمع يسمونه مجتمعا دوليا، وما هو إلا مسخ من المسوخ، وإن هو إلا إطار فارغ أو قربة فارغة يسخر بها من الضعفاء والمغفلين، وهذه الحالة هي التي وقعت مرارا مع مشاريع قدمها الحكام العرب لمجلس الغبن، وآخرها ذاك الذي طالب فيه العرب، ليس بمعاقبة « إسرائيل »، وإنما فقط بإيقاف الحرب الهمجية المسعورة التي حصدت أرواح أهل غزة الأبرياء، فقد ردّ ممثلو العرب في اجتماع مجلس الأمن، الذي عقد بعد لأي على أعقابهم خائبين، فكانوا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وهذه هي الحقيقة الثانية التي يمكن استخلاصها من هذه المأساة الرهيبة، فهل بعد كل هذا الاستهتار، وكل هذا الاحتقار، يصح من الدول العربية أن تظل مدينة بالاحترام والتقديس لمجلس مزيف، هو مطية ذلول لأمريكا و »إسرائيل »، تتصرفان فيه بكل طلاقة وبمنتهى الصلف والجنون؟ وهل دول لا تحترم نفسها وشعوبها، وتفشل حتى في التوصل إلى موقف مجمع عليه، ترحل به إلى مجلس محصن بتعنت أمريكا وإسرائيل، يمكن أن تحظى بأدنى احترام من مجلس اللئام؟
إن دولا وأنظمة تحافظ على سفراء دولة « إسرائيل » الباغية على أراضيها، رغم المذابح التي أوقعها اليهود بشعب غزة المظلوم بعد الذي عاناه من حصار وتجويع وحرمان من أبسط مقومات الحياة، لهي أنظمة خائرة، بل إن بعض هذه الأنظمة قد غاصت من رأسها حتى أخمص أقدامها في المجزرة، بمشاركتها في الحصار، وتقييدها للضحية وسد أي منفذ يمكن أن ينفس عنها ما هي فيه من عناء، أما أصوات التنديد الخرساء، التي لا تتجاوز الهمس، فهي لا تجدي فتيلا بالنسبة لشعب يذبح وتسيل دماؤه أنهارا، وتتعرض كل معالم الحياة فيه للخراب والدمار.
الحقيقة الثالثة: هي أن من غرائب الأمور أن يجد أهل غزة بعض من يغضب لهم من حكام غير مسلمين لا زالت فيهم بقية من فطرة وإحساس، أهلتهم لاستنكار ما سلط عليهم من بغي وعدوان، وقد بلغ مستوى رائعا في ذلك رئيس فنيزويلا هيغو شافيز، الذي وصف هجمة الصهاينة بالنازية وسارع إلى طرد سفيرها من بلده، أليس مخجلا أن يغضب هوغو شافيز ولا يغضب العرب؟
ثم أليس من العار أن تشتم حماس في عقر دار رئيس عربي، المفروض فيه أن يكون في طليعة المدافعين عن غزة وأهل غزة، وتحمل مسؤولية ما يجري، وتوصف إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية كبرى في الشرق الأوسط.
ألم يؤمن هؤلاء بعد بأن الكفر ملة واحدة؟
الحقيقة الرابعة: هي أن أهل غزة قد أدوا ويؤدون ما عليهم وإن دماءهم وأرواحهم في ذمة كل العرب والمسلمين، وإن أي مقصر عما يستطيع في نجدة إخوانه، سوف يكون حسابه عسيرا غير يسير.
إنه لا مناص من أن يتحمل كل فرد من العرب والمسلمين، على جميع الأصعدة والمستويات، مسئوليته كاملة غير منقوصة، إذا أريد لهذه الأمة أن تلملم جراحها وتنهض من كبواتها، بل وتخرج من هذا النفق المظلم الذي يبتلعها، وتبرأ من هذه الآلام المبرحة التي تكتنف جسدها المنهوك.
لا بد من إرساء مناخ دائم من اليقظة الدائمة التي لا تفتر ولا تلين، وأن تتأسس على وعي حاد بطبيعة المعركة المفروضة علينا من الحلف الشيطاني البغيض الذي يتزعمه الكيان الصهيوني العنيد، ويشكل رأس حربته، فليس من المقبول بتاتا من أي كان،أن يقف موقف اللامبالاة أو الذهول مما يجري،إلا أن يكون ذلك الموقف تعبيرا عن ممالأة للأعداء.
إن أقل ما يمكن اتخاذه من أفراد الأمة، إسهاما في المعركة المقدسة، هو محاربة العدو اقتصاديا بمقاطعة بضائعه،وتجميد كل العلاقات والمبادلات معه في سائر المجالات، وتجفيف كل منابع الولاء له، إلى أن يرضخ ويعود إلى رشده مكرها، تحت ضغط حاجاته ومصالحه، فيعامل إذ ذاك بحذر على أساس الندية التي لا تفرط في الكرامة قلامة ظفر. وغير خاف أن تحقيق هذا المطلب الحضاري، لا بد فيه من تضافر الجهود بين الأوساط الرسمية والأوساط الشعبية التي ينبغي أن ينتظمها إطار موحد،وتوجهها إستراتيجية محكمة.
إننا في هذا السياق لا بد أن نذكر بإجلال وإكبار الموقف المشهود لذلك الرجل العظيم الذي لقن الغرب الصليبي الحاقد درسا لا ينسى في حرب رمضان، إنه موقف الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز تغمده الله بواسع رحمته،الذي عرف بحنكته وبصيرته النافذة من أين يؤتى الغرب، فقدم نفسه قربانا لربه، وفداء لقضيته المقدسة، وارتقى شهيدا إلى ربه، ولكن تلك القدوة الرائعة، للأسف الشديد، لا زالت لحد الآن لم تجد من يقبس من لهبها المقدس وشعاعها الوضاء على مستوى قيادات آثرت الدعة والخمول،وزهدت في معالي الأمور ورضيت بالدون. غير أن النموذج البطولي الرائع الذي قدمه أهل غزة الأبرار، بما وفروه من رصيد جهادي ثمين، هو دماء الشهداء والمكلومين،سيكون له عطاؤه المبارك ولو بعد حين، على مستوى تحضير الأمة الشاهدة للمعركة الفاصلة مع أعداء الله.
1 Comment
بارك الله فيك أستاذنا، نريد المزيد من هذه المقالات العميقة وباستمرار حتى نعيد لأبنائنا الوعي الضروري بالتحديات الحقيقية وننقذهم من عملية غسل الدماغ التي يتعرضون لها يوميا.