هولوكوست غزة يمنع عنترة من حب عبلة
الغارة الأولى على غزة أعادتني إلى رملي..
أعادت القول إلى رعشته الخالصة، وأعادت الآلهة إلى رقصتها الأولى في بساتين بني كنعان، وأعادت نبض العرب إلى وتيرته الموزونة المقفاة.. فعادت اللغة إلى منابتها تفاديا لأي عطب مرتقب من شأنه أن يربك عمود الشعر.. والتمعت فلسطين في الدم..
حتى أنني وددت تقبيل القنابل عندما هطلت..
فهل ستظل الصحراء وفيّة لنا نحن الذين نحمل أبعادها في أعماقنا ؟ هل سنستنهض كثباننا لتحارب في صفنا، نحن الذين كلما استنهضنا حِمَمَنا خاننا نفرٌ منا ؟ هل سيحمينا السحاب من وحوش السماء، نحن الذين علّمنا النخيل النظر إلى الأعلى ؟ هل استطاع أبو جهل أن ينتقل في رمشة ذل من حادي عيس إلى حادي لطائرات العدو ؟ هل غادر الشعراء من متردّم ، ليمنع هولوكوست غزة عنترة العبسي من استجلاب مهر عبلة، ويمنعه من قطع صحرائه نحو الشمال، بدعوى أن مهر عبلة ( ألف ناقة حمراء) قد قصفته الطائرات خطأ.. طائرا مفتولة القذائف إسرائليات..
هل غادر الشرفاء من متردم // متفائلن متفائلن متفائلن
متفائل من وجوب عودة المسلمين ثانية إلى فتح مكة..
متفائل من رحابة القلب العربي الذي يلهج بعروبته أينما أضاءت.
متفائل من تلك الفرقة النصوح التي أصابت جامعتنا العربية..
نعم افترقنا فرقة صادقة، خافضة، رافعة ، بعدما لم نجن من وحدة كاذبة غير الخيبات..
نعم أنا فلسطيني وعندي لوعة ..
نعم، كان كل شيء قد أعدّ على مقاس انتكاسة جديدة ، قاصمة، كي يمر شعب الله المختار جدا في أمان إلى مناسكه في آبار النفط المقدسة، وكي يعلن البنتاغون أنه جاء ليحمي أوثانه في المنطقة، فاقتضت حكمة النافطين أن يدشنوا طلعة التتر الجديدة من غزة، كي يدخلوا تاريخ الخيانة من بابه القاصف لشعوب العرب، واقتضت حكمة الخارجين من كامب ديفيد أن يعودوا إلى نفس الكامب على أكف أياديهم، واقتضت ديبلوماسية القائلين بالتوازن الاستراتيجي أن ينتظروا حتى تضع أمريكا على قبضاتهم قفازا نوويا بديعا ليخرجوا إلى هضبة الملاكمة، واقتضت خضرة الثائر الأكبر أن يدافع كل ثوري عن صورته لا عن كرامة العرب.. وخرج الشعب العربي إلى عناق غزة فيما خرج البعض إلى البكاء على تل أبيب.
الغارة الأولى على غزة أخرجت الصديد من مفاصل التاريخ العربي..
الضربة العاشرة على مدارس ومساجد غزة .. وغزة تمعن في الصمود.
رفح تضيء..
القطاع برمته يضيء، كي ترى إسرائيل وحشيتها على مرآة التاريخ العاكسة، ويرى الخائن نعشه يطفو على سطح النفط، ويرى العالم قاطبة كيف تنهار قيم حضارته إزاء نزوة إمبريالية جامحة، وكيف تغوص مكتسباته العظيمة في رمال العرب، وكيف يدافع البنتاغون عن الحياض وليس عن الرياض كما يدافع الذئب عن فريسته، وكيف تسقط فلسفة الغرب دفعة واحدة في بئر نفط.
إنهم هنا ليذبحوا الحلم العربي قربانا لإسرائيل.
إنهم هنا ليذبحوا الأمل العربي من غزة إلى بغداد..
إنهم هنا بطائرات مفتولة العضلات ، ليدكوا ذاك الرمق الأخير ، فبتنا جميعا تحت القصف فلسطينيين.
نعم كلنا في القصف غزة.. غارات على شعب فلسطين وغارات علينا، فهل يراد للعربي أن يكون تابعا حتى في طرح سؤاله ليقول: هل أساند غزة ؟ لا هذا ليس سؤالنا، سؤالنا السديد اليوم هو : كيف ننخرط في المعركة ؟.
Aucun commentaire