واجب العلماء تجاه غزة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه..
· العالم الجبان في أمة،عضو أشل، يؤود ولا يذود.
· إذا فسد التصور فسد التصوير.
و بعد: فلا أظن أن أحدا لم ير ولم يسمع ما يحصل الآن في غزة الأبية من مشاهد مروِّعة،حيث أشلاء أطفال متناثرة، وأطراف نساء متطايرة، ودماء شباب طاهرة، وصرخات شيوخ حائرة، وسط قطاع غزة ؛ إِثر الغارات الصهيونية الآثمة الغادرة والتي راح ضحيتها ما يقارب ألف شهيد والآلاف من الجرحى في أوحش وأنتن مجزرة ضد الإنسانية في القرن الحالي. حدث ذلك في أيام معلومات ومعدودات ؛ وسط ذهول إسلامي وعربي وعالمي، والذين لم يسمعوا من حكامهم مواقف حازمة وحاسمة ، بل إن بعضهم سكت ،ولكنه حينما نطق ، نطق كفرا كما يقال ،وكان عذره أقبح من صمته، حيث سوَّى بين الجلاَّد والضحية ،ولا عجبَ فهؤلاء قد باعوا أنفسهم وأمتهم ودينهم ، هؤلاء قاموا في عماية من الأيام ليجدوا أنفسهم ذيلا لغيرهم .
على أية حال هذه قضية باتت معروفةً للعام والخاص، ولكن الطامة والمصيبة الكبرى تكمن في هذا الصمتِ الذي لازم العلماء الذين لم يكن لهم دور فعال في هذه الاحتجاجات التي قام بها أبناء هذه الأمة على مختلف شرائحها بقيادة أبناء الصحوة الإسلامية. نعم ! لم نر العلماء في الصفوف الأولى في هذه المظاهرات الاحتجاجية،التي تعتبر أضعف الإيمان، ولم نسمع أصواتهم ضد هذا الذي يحصل ـ إلا من رحم الله منهم وقليل ما هم ـ !
أين هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لصغائر الأمور ودنيئها. ؟!.
نقول هذا إدراكا منا لأهمية منبر العالم الذي يعتبر حقيقة من أوسع الصحف انتشارًا، فإذا كان البعض يحرِّض على المقاومة،ويشكك فيها ،ويسفِّه مواقفها؛ويوازي بينها وبين الصهاينة الظالمين المعتدين ،بل يتمنى أن لا تنتصر المقاومة،ويبلغ هذا لأسياده كما سمعنا وقرأنا، ولعل ما يحصل الآن في المؤسسات العربية والإقليمية والدولية يسير في هذا الاتجاه، فإنه يجب على العلماء أن يردُّوا على هذه الأباطيل وأن يفنِّدوها قيامًا بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بكلمة الحق؛ فهذه هي رسالة العلماء التي أوكلها الله إليهم، ذلك لأن العالم قدوة للناس ، ومكون اجتماعي مهم في المجتمع ،يساهم في تشكيل شخصيات أبناء المجتمع، وبخاصة عندما يمتلك العالم القوة والشجاعة ،ويملأ الإيمان قلبه، فإنه يقود الأمة للنهضة والتحرر، وبذلك يتعلم الناس وتشتد عزائمهم وتعلو هممهم ، فيقومون بواجبهم تجاه إخوانهم المستضعفين.
ومن هنا فإن الأمة محتاجة حقا إلى علمائها ليقودوها نحو النصر والتمكين، فالمسلمون ـ عبر تاريخهم الطويل والقصيرـ يلوذون دائمًا بعلمائهم في الملمات ويسترشدون بهم. عندما أراد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ أن يحرر القدس اعتمد على علماء ألأمة ، فقاموا بواجبهم ،حيث انتشروا في أرجاء الوطن يدعون الناس إلى وحدة الصف وإلى تحرير القدس، فشكلوا عند الناس ثقافة المقاومة، فتجمع الرجال في جيش صلاح الدين، وتبرعت النساء .. وكانت النتيجة أن عاد القدس مرة أخرى إلى حظيرة هذه الأمة، وغيره من علماء الأمة وهم كثر، أمثال: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والعز بن عبدالسلام وابن تيمية،الذين ابلوا البلاء الحسن ، دون أن ننسى هبة علماء هذا البلد الذين كانوا يحثون وينطلقون من المساجد في مظاهرات واحتجاجات ضد المستعمر الغاشم،فأين علماء اليوم من أولائكم ؟
لذا علينا أن نتساءل: ما دور العلماء في هذا المصاب ؟ وهل قاموا بما يفرضه عليهم دينهم ؟ وفي هذا المجال أقول من باب التذكير « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُومِنِينَ » سورة الذاريات 55
على العلماء واجبات كثيرة ، لكن أهم هذه الواجبات في خضم هذه المحنة،أن يبينوا للناس ما يلي:
أولا: أن يؤكدوا للأمة أن ما يحدث في غزة جريمة منكرة، يُجمع عليها كل إنسان منصف وعاقل في الدنيا كلها، فالجريمة واضحة منذ الحصار الغاشم، ثم هذا الاعتداء السافر الواقع على أبناء غزة الصامدة الشامخة الثابتة، وأن يُشعروا الناس بمدى الأذى والألم الذي يتعرض له أبناء غزة .
ثانيا: أن يبيِّنوا للأمة ماذا يجب على المسلم أن يقوم به دفاعا عن دينهم وأراضيهم وأعراضهم؛ في ظل هذه المأسة التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني بصفة عامة والشعب الغزاوي بصفة خاصة. فإذا كان حال الكافرين مع بعضهم كما يقول القرآن »وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (الأنفال: 73)؛ فمن باب أولى أن ينصر المسلمون بعضهم بعضًا، وإذا نصر المسلم أخاه فسينصره الله في موقفٍ يكون محتاجا فيه إلى نصرة الله.
ثالثا: على العلماء أن يظهروا حقيقة هذا الصراع وعلى أنه صراع عقدي؛ وأن هؤلاء يريدون حربًا لا سلامًا، وأنهم يريدون محو الإسلام من الأرض. وهذه هي الحقيقة التي تثبتها حركة التاريخ، فالقضية في عمقها هي ضد الإسلام، وأن السبب الحقيقي من استهداف حماس إنما هو مشروعها الإسلامي، لأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة شرعيا وتاريخيًّا وواقعيًّا؛ باعتبار ما يمثله القدس في وعي هذه الأمة.
رابعا : على العلماء أن يُثيروا في الشعب حميَّة الإسلام وعزة المؤمن، » وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ » ) سورة المنافقون ( 8 « مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ » (فاطر 10) ،هذه العزة التي لا يمكن أن تستمد إلا من الله ،إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى ، فلا تستعزن بعز يفنى،نعم ! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .
خامسا: أن يبينوا للناس أنه لا سلام مع اليهود؛ لأنهم أناس لا يعرفون شيئا اسمه السلام،نعم، هم يريدون الاستسلام،يريدون سفك الدماء،ومن هنا على العلماء توضيح أن السلام معهم خديعة كبرى لا ينبغي على الأمة الإسلامية الانجرار خلفها. « كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (المائدة: من الآية 64
سادسا: على العلماء أن يبينوا أن هناك مشروعين في المنطقة:
1. مشروع الصمود والعزَّة، ويمثِّله رجال المقاومة، الذين ينافحون ويكافحون في سبيل الله على أكناف بيت المقدس،نيابة عن الأمة كلها من أمثال « حماس » و »الجهاد الإسلامي »وغيرهما من الحركات الجهادية.
2. مشروع الانبطاح والاستسلام والتطبيع والهرولة، الذي يريد من الأمة ألاستسلام للصهاينة بحيث يصبحون لعبة بأيديهم، ورقمًا هامشيًّا، لا قيمة له ولا وزن له!
على العلماء أن يعطوا المثل في قول كلمة الحق ، وأن يسلكوا مسلك سلفهم من العلماء الذين كانوا يقودون الأمة من قبل، وهذا هو دورهم الحقيقي، وليس دورهم في المآثم وحفلات تحفيظ القران؛أو الفتاوى التي تستصدر منهم لتبرير موقف ما؟ فأَوْلى بهم أن يقودوا الأمة.
وأخيرا هل يرضى علماء الأمة بملازمة الصمت الذي يخيم اليوم على من هرول نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ؟
إن الأمة تنتظر منكم أيها السادة العلماء، أن تهُبُّوا لنصرة المُحاصَرين في غزة، وتحثُّّوا الأمة على نصرة أهاليهم وإخوانهم في فلسطين، فماذا أنتم فاعلون؟!
اللهم لا تجعل عزنا إلا بك وخوفنا إلا منك ورجاءنا إلا فيك وعملنا إلا لك وانصر عبادك المستضعفين .
Aucun commentaire