مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(10)
مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(10)
بقلم: د – خالد عيادي
إن قيل ما باله يتفاحش في النساء والصبيان؟ قلنا لوفور الرطوبة التي هي متعلق الحرارة، وبمنزلة الدهن لنار السراج. و إلى هنا انتهى بنا الكلام بين ما هو في المقالة من باب الوجوب، وما هو من باب الكمال. ويشفع في (ك15) الجميع تقييده في(ح6و) ساعة إملاء من غير تفرغ إليه، و لواهب العقل الحمد بلا نهاية.([1])
قد أتينا على نهاية هذه المكاشفة السوسيوثقافية لرسالة طبية من أحد أعلام السياسة والأدب والفقه في المئة الثامنة من الهجرة. وقد ألمحت إلى عدة لمح امتزج فيها التفكير العلمي ، بالتفكير الفقهي و الأدبي . ومن مستهل تلك المقالة إلى آخر كلامه منها، لم يزل نفس الكاتب العلمي والتربوي متواصلا بهمة عالية،على الرغم من أن الكاتب أملاها من حفظه لضيق أوقاته و لكثرة انشغالاته السياسية و أعباء الوزارة . وانظر إلى كلام « ابن الخطيب' » وهو يجيب عن سؤال: « إن قيل ما باله يتفاحش في النساء والصبيان؟ » وتلك كانت منه نظرة علمية فاحصة قائمة على الملاحظة و تتبع حالات المرض واستقصاء تجلياته. و نحن قد لا يهمنا صواب الجواب، بقدر ما يهمنا التفكير العلمي المبني على أساس الملاحظة الدقيقة التي هي من أهم أسس المنهج التجريبي. وأنت تلاحظ معي كيف جمع » ابن الخطيب » كل البيانات المتاحة في عصره من أجل صياغة نظرة حول طبيعة المرض « الهائل » واختبارها والتوصل إلى استنتاجات طبية ،وسبل وقائية وأخرى علاجية. لقد استفرغ الكاتب وسعه في جمع البيانات باستخدام وضعه الاجتماعي والسياسي الذي يتيح له الاطلاع على بعض الوثائق التاريخية كرحلة « ابن بطوطة » واستثمارها في بيان مصدر المرض الهائل.
ملامح العقلانية واضحة في تفكير « ابن الخطيب » وبالنظر إلى السياق التاريخي والجغرافي للكاتب يمكن التغاضي على بعض التفسيرات الطبية المستقاة من الطب اليوناني التي عفا عليها الزمن. والتي كان بوسع « ابن الخطيب » أن يجتهد فيها أو يتجاوزها . و يشفع له إحساسه بالتقصير أن هذه الرسالة أملاها على عجلة من أمره. لكن الكاتب كان شديد الوضوح في مسألة « ثبوت العدوى » الخلافية. حيث نجد الكاتب قد حسم في الأمر من وجهة نظره التي قد أملاها عليه وضعه الاجتماعي والسياسي . فهو يثبت العدوى ويقطع في المسألة بما لا مراء فيها.
لهذه الرسالة الطبية فوائد تاريخية وابستيمولوجية لا تخفى على الباحث. فهي إلى جانب كونها وثيقة طبية، فهي أيضا وثيقة تاريخية تمتزج فيها عدة طبقات معرفية. و إذا تناولناها من جانب تطور المعرفة الطبية، أو جانب التحسيس بخطورة الأوبئة، فهي قد تحتل موقعا متقدما بحيث تصير نموذجا متكاملا من بين سائر النماذج التوثيقية.
…………………………………………
[1] ) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- ص:81.
Aucun commentaire