رسائل القاهرة 13- مشهد بسيط غني بالدلالات( يكتبها عزبز باكوش )
عزيز باكوش
رسائل القاهرة 13- مشهد بسيط غني بالدلالات، يظهر سيدة من الطبقة الدنيا بالمجتمع المصري تعرض وهي في كامل أنوثتها منتوجا فلاحيا من الخضر الطرية المجلوبة من الطبيعة والبيئة الخالصة، وقد علبتها مع ابتسامة فرعونية الملامح بإتقان في أكياس شفافة بمدخل ميترو أحد أنفاق القاهرة ،وتحديدا الشارع 9 من منطقة المعادي بمدينة القاهرة الشاسعة الأطراف،مشهد يوحي بأنفة وكبرياء الإنسان المصري،وكفاحه من أجل حياة كريمة وشريفة عبر التاريخ الصورة أثارت الكثير من الفضول وحركت داخلي طوفان من التساؤلات،محورها العلاقة بين نظام التغذية والتيكنولوجيا في بلد الكنانة مصر المائة مليون نسمة فما فوق
.
ففي وقت تجتهد فيه الصين ودول نمور شرق آسيا في اختراع آلاف الأجهزة الإلكترونية وغيرها ، وطرح بدائل و الابتكارات في الأسواق لتخفيف العبء وتسهيل مأمورية سيدات المطبخ أثناء إعداد الوجبات الغذائية، لا سيما منهن الموظفات ، تعمد هذه السيدة المصرية البسيطة، إلى طرح ابتكار شعبي أرقى وأسهل عبارة عن إعداد أكياس خضر مقطعة وجاهزة ،يمكن اعتبارها الأنجع وبأقل تكلفة والأفيد صحيا وبيئيا بعيدا عن صداع الآلة وهدير المحركات
والحقيقة أن على المرأة المصرية العاملة أن تقدم لمواطنتها غير الموظفة جميل الشكر والعرفان ، ليس لأنها أعفتها من أشغال إضافية ووفرت لها ما تحتاجه من خضر طرية متنوعة جاهزة وفي المتناول فحسب ،بل وجزأتها قطعا متراصة بدقة وعلبتها داخل أكياس نظيفة وشفافة، وتعرضها بأثمان ما بين 10و20جنيها للكيس المتنوع ، بات يحتاج فقط للتحريك أثناء الطبخ.
فمنذ عصور مضت ، أدرك المصريون أهمية نهر النيل العظيم، فأبدعوا واجتهدوا في ابتكار طرق محلية في الحياة تهدف إلى الاستفادة من مياه النيل . فزرعوا أكبر المساحات الممكنة ، ونوعوا منتوجاتهم الفلاحية من الخضر والفواكه ، ما مكنهم من سد حاجتهم ماديا واجتماعيا ولن نبالغ إذا قلنا ، أن النيل هو أساس الحياة في مصر قديما وحديثا بل هو الحياة ذاتها على مر العصور والأزمنة .
لكن تقريرا دوليا سيعكر صفو المزاج ،ويفسد الطرح ، ويلقي بالكثير من الالتباسات برصده لظاهرة تلازم « البدانة » السمنة والجوع في أنظمة الغذاء في الدول العربية قاطبة . والأخطر من ذلك يصنف مصر البلد الأسوأ تغذية في العالم العربي .وهنا يحق السؤال : كيف لبلد يحظى بالنيل العظيم وثروته المائيةو الغذائيةأن يصنف ضمن أسوإ نظام عالمي للتغذية ؟
في تقرير لليونيسيف يحدد أسباب سوء التغذية في مصر معتبرا ضعف الحصول على نظام غذائي متوازن لدى الشرائح الأفقر من المجتمع (أو بعبارة أخرى انعدام الأمن الغذائي)، إضافة إلى العادات الغذائية ونمط الحياة السيء، ونقص الوعي الغذائي بين السكان حول الغذاء المتاح. وسوء التخلص من النفايات ،وهو ما يشير إلى أوضاع بيئية سيئة « .
كما يعتبر سوء التغذية السبب الرئيسي في وفاة ثلثي وفيات الأطفال بمصر ، مصنفا بلد الكنانة ضمن 32 بلداً يتركز فيها 90 ٪ من عبء سوء التغذية العالمي. وذلك على الرغم من الانخفاض الملحوظ في وفيات الأطفال في مصر ،حيث لا تزال معدلات سوء التغذية مرتفعة خاصة بين الأطفال دون الخامسة.
المفاجأة حملها استمزاج أجراه موقع « راديوسوا » لبيانات نشرتها مؤسسة « أوكسفام البريطانية » عن « أفضل وأسوأ مكان في العالم لتتناول طعامك » التقرير كشف أن مصر تظل الدولة العربية الأسوأ أداء من حيث التنوع الغذائى و(احتلت الموقع 109 من بين 125 دولة على مستوى العالم). » كما أبرز التقرير ذاته أن بعض العرب أشد سكان العالم جوعا، وبعضهم الآخر أشد سكان العالم معاناة من أمراض التخمة. »
وتظهر المقارنة عمق التناقضات التى يعيشها النظام الغذائى العربي.
حيث جاءت أغلب الدول العربية في ذيل دول العالم ،عندما يتعلق الأمر بـ »المستوى الصحي » للغذاء، فالكويت فيها أعلى نسب البدانة في العالم، ثم تأتى مصر والسعودية، وفيهما يعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص من البدانة السمنة ، وكذلك الأمر في الأردن وسورية والعراق.وكانت السعودية أيضا هي أكثر دول العالم انتشارا لمرض السكرى (18 في المئة من السكان)، وجاء الأردن في الموقع الثاني عالميا، والكويت في الموقع التاسع غير بعيد عن تونس .
واستخدم تقرير أوكسفام أربعة مؤشرات لتصنيف دول العالم من حيث جودة الغذاء، والمؤشرات الأربعة مصاغة على شكل أسئلة هي: هل يحصل السكان على ما يكفيهم من الغذاء؟ هل بإمكان الناس تحمل التكلفة المالية للغذاء؟هل نوعية الغذاء جيدة؟ إلى أي درجة تنتشر الأمراض الناتجة عن نوعية الغذاء؟ وبدمج هذه الإجابات جميعها، يظهر أن هولندا تتربع على قمة دول العالم تتبعها فرنسا ثم سويسرا. وكانت تشاد أسوأ بلدان العالم، حيث يباع طعام غير ذى قيمة ومعد فى ظروف غير صحية بأسعار مرتفعة. »
قال مؤشر الغذاء العالمى لمنظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية، إن « مصر هى الأسوأ عربيا، وتحتل مرتبة متدنية عالميا، من حيث التنوع الغذائى المتوفر للسكان، مضيفا أن « مصر هى الأعلى عالميا فى الإصابة بأمراض سوء التغذية، مثل السكر والسمنة (42% من السكان).
إلى ذلك ، وزيادة التوعية بأهمية التغذية السليمة وتقليل الفاقد والهدر في الغذاء، أطلقت وزارة الصحة المصرية في عام 2019 برنامجا للكشف عن الأمراض المرتبطة بسوء التغذية بين أطفال المدارس مثل أمراض السمنة والأنيميا والتقزم، على أن يتم العلاج عن طريق تحويل الطفل إلى التأمين الصحي للمتابعة وتلقي العلاج بالمجان، وقد استهدفت هذه الحملة نحو 11.5 مليون طالب في أكثر من 22 ألف مدرسة. إجراء عدد من حملات التوعية للحد من هدر الطعام وأهمية التغذية السليمة التي تقى من الإصابة بالأمراض المزمنة خاصة بين الفئات الأكثر تعرضاً للأمراض المرتبطة بسوء التغذية. »
Aucun commentaire