في ظل استفحال الفقر والحرمان وغلاء المعيشة: جزائريون يبيعون حوائجهم في أسواق الخردة لتامين قوت العيش اليومي
عبدالقادر كتــرة
عاشت الجزائر الشقيقة خلال هذه السنة التي توشك على الانقضاء (2020)، على وقع وضع مؤلم وغير مسبوق، حيث تزامنت أحداث مثيرة مع احتفالات الأمة الإسلامية بعيد الأضحى، فاندلعت النيران في غابات البلاد وانقطعت المياه عن كبرى حواضر البلاد وفرغت خزائن البريد من السيولة ولم يجد الموظفون والمتقاعدون رواتبهم في الوكالات، وأصاب محولات الكهرباء عطل فانقطع التيار عن مدن بأكملها وتضررت المستشفيات والمؤسسات العمومية بالأعطاب التقنية…، إضافة إلى صدمات سياسية ودبلوماسية تلقاها النظام العسكري الجزائري بعد قيام القوات المسلحة الملكية المغربية بتطهير معبر الكركرات من قطاع الطرق التابعين ل »بوليساريو » وافتتاح عدد من التمثيليات الدبلوماسية بعاصم لصحراء « العيون » ولؤلؤتها « الداخلة » واستقالة « خواكيم شوستر » كبير أصدقاء القضية ورئيس « المجموعة المشتركة للصحراء الغربية » واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه والاستعداد لفتح تمثيلية دبلوماسية في لؤلؤة الصحراء المغربية « الداخلة » ودعم مجلس التعاون الخليجي بالإجماع في قضية وحدته الترابية، حيث أكد مجلس التعاون في الفقرة 108 على أهمية الشراكة مع المغرب ودعمه أيضا التحرك العسكري في الكركرات من أجل الحفاظ على الحركة التجارية….
لم يدخر النظام العسكري جهدا ولا مالا ولا دبلوماسية ولا خططا ولا استراتيجية ولا شراء الذمم من سياسيين ومسؤولين وإعلاميين وقنوات إقليمية ودولية ومنظمات للنيل من استقرار المملكة المغربية الشريفة ووحدتها الترابية منذ أكثر من 50 سنة، واختطف مغاربة صحراويين وحجزهم في مخيمات الذل والعار بتندوف وداوم على المتاجرة بهم…
سلح مرتزقة ومكنهم من المال والعتاد وصرف من عائدات المحروقة من ميزانية الدولة الجزائرية وقوت شعبها أكثر من 500 مليار دولار تضاف إلى سرقة ما يعادلها وتهريبها إلى الخارج…، نتج عن كلّ هذا تفقير الشعب الجزائري وحرمانه من المواد الغذائية الأساسية وحقوقه الأساسية في العيش الكريم من الصحة والشغل والسكن…، افتقد المواطن الجزائري لكيلو بطاطا وكيلو دقيق و »شكارة » حليب من نصف لتر وادوية بسيطة والتهبت أسعار اللحوم البيضاء والحمراء والخضر والفواكه.. في ظل انهيار العملة الجزائرية « الدينار » وضعف الأجور والمعاش ، تضاف إلى جفاف السيولة المالية وتراجع أسعار البترول والغاز..
وعرفت العديد من المواد الغذائية بالجزائر ارتفاعها صاروخيا حيث تشتكي الكثير من العائلات تدني المستوى المعيشي، وتراجع القدرة الشرائية. ومست الزيادات الحاجيات الضرورية للجزائريين، كالمواد الغذائية العامة، واللحوم، والخضر الفواكه، فمثلا أسعار البرتقال و »المندرين » تتراوح سعرها بين 130 إلى 250 دينار جزائري، والجلبانة وصل سعرها إلى 300دينار جزائري، وغيرها من الخضر التي عرفت زيادات وصلت إلى 20دج أو أكثر أحيانا (1درهم المغربي = 15دينار الجزائري، مع العلم أن الحد الأنى للأجور بالجزائر هو20000 دينار أي ما يعادل حوالي 1350 درهم حوالي 170 دولار، وأجر معلم يصل إلى 40000 دينار أي ما يعادل 2700 درهم وحوالي).
وفي ما يخص المواد الغذائية ذات الاستهلاك العام فإن الحليب المسحوق، عرف زيادة وصلت إلى 40دج، وسعر علب القهوة بـ3دج إلى 5دج، وقارورات الزيت بـ10دج إلى 15دج. كما سجلت أسعار العجائن ارتفاعاً يراوح ما بين 30 إلى 50 في المائة. وفاجأت هذه الزيادات المواطن، خصوصاً أن العجائن تمثل وجبة أساسية من الغداء اليومي لشريحة كبيرة من الناس..
ولم يجد إعلام الجزائر للحديث عن هذه الوضعية إلا الاعتراف بالمعيشة الصعبة للمواطن حيث عنونت إحدى الجرائد المقربة من النظام العسكري الجزائري ب »جزائريون يبيعون أشياءهم الثمينة في أسواق الخردة »، مشيرة إلى سوق باردو بعاصمة الشرق الجزائري بقسنطينة الذي أصبح، في زمن كورونا وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر من اجتياحها العالم والجزائر، فضاء تحج إليه الطبقة المحرومة الجديدة التي طفت على السطح من الذين فقدوا أعمالهم فقرّروا أن يبيعوا أشياءهم الغالية على قلوبهم ووجدوا من يشتريها.
غالبية من يبيعون أشياءهم بعد أن أثقلت كاهلهم جائحة كورونا، هم من كبار السن أو من يزيدون عن الستين سنة، وهم في الغالب ليسوا من هواة الفايس بوك، لأجل ذلك لا يعرضون أشياءهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهم يتّبعون الطرق التجارية الكلاسيكية والتقليدية في البيع، ويعودون في الغالب خائبين بسبب ما يقدم لهم من أسعار لأشياء كانت غالية على قلوبهم…
يتشوق غالية المواطنين الجزائريين لطبق من « السردين » الذي كان إلى عهد قريب « غذاء الفقراء » في الجزائر لأن أسعاره كانت دوما في متناول معظم الناس، غير أن هذا النوع دخل بدوره في قائمة المأكولات البحرية المحظورة على المواطن البسيط وأصبح حكرا على الأغنياء بعد تجاوز ثمنه 800 دينار للكيلو (أكثر من 60 درهم).
وهذا السعر يعني أنّ سمكة واحدة من السردين، ما بين الـ 20 الى 30 دينارا وأكثر (درهم ونصف ودرهمان)، وفي ظلّ الظروف والأوضاع التي يعيشها الجزائريون، بسبب تضرّر الدخل المادي بالنسبة للكثير من العائلات، فانّ السردين باتت حرام على معظم الجزائريين فيما أصبح « لحم » الطبقة الثرية التي في متناولها جميع المواد والمنتوجات الاستهلاكية.
وشهدت أسعار الخضر ارتفاعا مفاجئا خلال الأسبوع الأخير، ليبلغ بعضها أعلى مستوياته منذ بداية السنة، حيث وصل سعر الكوسة إلى 220 دج للكيلوغرام الواحد في سوق التجزئة، وبلغ سعر الطماطم 100 دج، ووصل سعر الفلفل الحلو ـ120 دج، كما ارتفع سعر الفاصولياء الخضراء إلى ما بين 130 دج و150 دج، والخس بـ100 دج للكلغ، كما ارتفع سعر الكلغ من الباذنجان إلى 70 و80 دج للكلغ، والجزر ما بين 70 دج و80 دج للكلغ في سوق التجزئة، فيما ارتفع سعر اللفت ما بين 90 دج و120 دج في التجزئة.
والمتوسط الوطني الجزائري لأسعار الخضر والفواكه، حيث بلغ كيلو من الموز 200 إلى 230 دينار أما الخوخ بلغ سعره ما بين 350 و450 دينار للكيلو، فيما تراوح سعر المشمش ما بين 150 إلى 170 دينار جزائري للكيلو غرام الواحد.
وتوفي شخص يبلغ من العمر 75 سنة، كان في طابور بمكتب البريد لحي الكرز وسط مدينة تلمسان وهو يرتقب حصوله على معاشه بعد إصابته بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، لتؤكد هذه الحادثة أزمة السيولة المالية التي تشهدها وكالات البريد واحتقان وتذمر زبائن البريد الذين أقدم بعضهم بالبريد المركزي على غلق الطريق العمومي للمطالبة بأجورهم ومعاشاتهم.
وتسببت أزمة نقص السيولة بمكاتب البريد في تشكيل طوابير كبيرة في العديد من الولايات، إلى حد لجوء بعض المواطنين إلى المبيت في العراء أمام مكاتب البريد، رغم إجراءات الحجر الصحي وتعليمات التباعد الاجتماعي للوقاية من وباء فيروس كورونا.
ولجأ بعض الشيوخ إلى المبيت أمام مكاتب البريد وتشكيل طوابير منذ صلاة الفجر يوميا، أملا في تموين مكاتب البريد بالنقود من بنك الجزائر للحصول على مستحقاتهم. استمرار الأمر لعدة أشهر دفع هؤلاء للاحتجاج وغلق الطرقات ومكاتب البريد، مطالبين بتوفير السيولة في أقرب الآجال.
اعتمادا على ما سبق يستنتج أن قفة مملوءة بجميع المواد من الخضر والفواكه لمدة أسبوع لأسرة متوسطة عدد الأفراد قد تتجاوز 10000 دينار أي نصف الحد الأدنى للأجور).
ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات النفط التي تمثل 93 بالمائة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، حيث سجلت ، خلال أبريل الماضي، أسعار النفط في العالم انخفاضا حادا، وسط زيادة فائض النفط في السوق، بسبب قلة الطلب العالمي، مع استمرار أزمة جائحة كورونا.
Aucun commentaire