مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(5)

بقلم: د – خالد عيادي

من الملاحظات العجيبة ، أو على الأقل المثيرة للانتباه، وأنت تقرأ هذه الرسالة الطبية الطيبة، ذلك البناء الهيكلي البيداغوجي، أو التربوي للمعلومات حول ذلك الطاعون الذي أباد خلقا كثيرا، كما شهد بذلك شاهد القرن الثامن « ابن خلدون.ف »ابن الخطيب » يستهل مقالته بتسهيم تعليمي منطقي.وأنا ناقل إليك بعض العبارات لتكون ،أيها القارئ، على مقربة من تلك الرسالة النفيسة، التي تضمنت جوانب طبية، ونصائح غذائية ، و توجيهات اجتماعية، وتحقيقات دينية،فالبناء الهيكلي للمقالة جاء على هذا الشكل المتدرج:

• أولا حقيقة أو ماهية المرض قال: « لما كان الحكم على الشيء فرعا عن تصوره، وجب أن نبين حقيقة هذا المرض، فنقول هو مرض حاد، حار السبب، سمي المادة، يتصل بالروح بدءا بواسطة الهواء، ويسري في العروق فيفسد الدم، ويحيل رطوبات إلى سمية، وتتبعه الحمى، ونفث الدم، أو يظهر عنه خراج^([1]) من جنس الطواعين… « ^([2])
• ثانيا: أسباب المرض قال: « وإذ ذكرنا حقيقته فلنذكر سببه »^([3]) .وهنا يرى « ابن الخطيب » أن هنالك سببين: »سبب أقصى: »حسب ما يزعمه أرباب صناعة النجوم »^([4]) متعلق بالأمور الفلكية من القرانات التي تؤثر في النفوس و الأحوال والمجتمع و العالم. وتأثير الأفلاك والكواكب والنجوم، ثقافة قديمة قدم الحضارات البشرية ، ثم انتقلت إلى الثقافة العربية،فقد ورد في كتاب « ابن أصيبعة » أن الرئيس « ابن سينا » تنسب إليه قصيدة فيما يحدث من الأمور والأحوال السيئة عند قران « المشتري » و »زحل » في برج « الجدي » ببيت « زحل »، وهو عند المنجمين أنحس البروج^([5]). وأول تلك القصيدة:

                        احذر بني من القران العاشر***وانفر بنفسك قبل نقر الناقر

         نعم كانت تلك ثقافة سادت في الثقافة العربية والإسلامية،ثم في الثقافة الغربية إلى غاية القرن التاسع عشر.ثم ذكر المؤلف سببا أدنى ووضحه بأنه: » فساد الهواء الخاص بحل ظهوره ابتداء أو انتقالا. »^([6]) وفي العبارة الأخيرة إشارة « تقدمية » من الكاتب باعتقاده بخطورة العدوى.

• ثالثا: أعراض المرض قال: »وإذ ذكرنا سببه فلنذكر أعراضه .. »^([7]) فقال بأن تلك الأعراض كلها متعلقة ب: »الحمى الوبائية أو المحرقة بجميع خواصها، ثم نفث الدم أو ظهور الخراج فيما خلف الأذنين أو الإبطين أو الأربيتين^([8]) أو غير ذلك. »^([9])
• رابعا: علاج المرض قال: »وإذا ذكرنا أعراضه فلنذكر العلاج »^([10]). ثم ذكر العلاج الذي قسمه إلى ضربين الأول: »التحرز منه قبل وقوعه »^([11]).وهذا النوع من العلاج قسمه أيضا إلى قسمين هما أولا: »استفراغ المادة الزائدة »^([12]) ويحصل هذا في الطب القديم بالحجامة أو القيئ أو جريان البطن.ثم يضيف القسم الثاني – في سياق التحرز- بإشارته إلى : »إصلاح الأغذية باختيارها.. وإصلاح الأهوية والمجالس بالطيوب الباردة والرياحين. »^([13]) .أما الضرب الثاني فقال بأنه هو الأنفع والأجدى في اجتناب ذلك الوباء قال: » والثاني وهو الأجدى والمتمثل في :اجتناب مظان الفساد من المريض والميت، أو ثوبه، أو آنيته، أو آلته، أو سكنى محله، أو مجاورة البيت البيت الذي فشا في أهله. »^([14])

………………………………………………………………………………………………………………………..

) الخراج في اصطلاح الأطباء المسلمين هو الورم الذي اجتمعت مادته المتفرقة في ليف العضو الوارم إلى تجويف واحد.[1]

)  مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- تحقيق وتقديـم- حياة قارة.ص:65.[2]

) المرجع نفسه:ص 65[3]

)  مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- تحقيق وتقديـم- حياة قارة.ص:65.[4]

[5] )  الملاحم بين اللغة والأدب-  محمد شوقي أمين – عالم الفكر- المجلد- 16- العدد-1- (ابريل- مايو- يونيو)-1985- ص229.

) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- ص:65[6]

) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- ص:66[7]

) الأربية أصل الفخذ أو موضع طي الفخذ. [8]

)  مقنعة السائل عن المرض الهائل – ابن الخطيب- ص:66[9]

[10] ) المرجع نفسه66 .

) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب-ص:66[11]

) المرجع نفسه66 .[12]

) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب-ص:66[13]

) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- ص:67[14]