نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(5)
نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(5)
بقلم: د خالد عيادي
البنيوية التكوينية: التعريف والنشأة.
قبل الحديث عن المنهج الاجتماعي الذي تطور لاحقا إلى بنيوية تكوينية أو توليدية، أرى أنه من المفيد الحديث عن البنيوية باعتبارها منهجا أساسيا في البنيوية التكوينية. فالبنيوية عند خصومها([1]) هي مجرد « نظرية »، في حين أن مؤيديها يعتبرونها منهجا قائم الذات والأسس. فهي جملة من التصورات والمبادئ اللسانية والفلسفية الماركسية الجديدة لمقاربة النصوص الإبداعية من الداخل، إذ تؤمن باستقلالية اللغة ، العلامة، عن أي علاقة مادية خارج النص. فدلالة الدالات يحددها النص وحده، وهي علاوة على هذا تقول ب »موت صاحب النص »([2]).
يعتبر « رومان ياكبسون »(ت1982م) أول من استخدم هذا المصطلح في مؤتمر عقد عام 1929م([3]). على أن الذي حمله مفاهيم ذات طابع لساني وصوتي هو العالم « نيكولاي تروبيتسكوي »([4])(ت1939م). فنحن مدينون له باستعمالنا لمفهوم البنية من الناحية الفونولوجية. إذ حصر « تروبيتسكوي » مفهوم البنية في أربعة مبادئ هي:([5])
أولا: علم الأصوات الذي يدرس البنية السفلية اللاشعورية.
ثانيا: علم الأصوات ويدرس العلاقات.
ثالثا: اعتبار هذه العلاقات نسقا صارما.
رابعا: يسير هذا المنهج انطلاقا من نموذج للوصول إلى قوانين عامة. لأن البنيويين يهدفون عبر مشروعهم النقدي إلى وضع قوانين للإبداع.
والبنيوية مصطلح مأخوذ من « البنية »: صاحبة الجلالة،([6]) وسيدة العلم والفلسفة، بدأ من سنة 1966م. وبعد أن كان الفلاسفة حتى عهد قريب لا يتحدثون إلا عن الوجود أو الذات والإنسان والتاريخ. أصبحوا الآن لا يكادون يتحدثون إلا عن « البنية » و »النسق » و »النظام »..
والجدير بالملاحظة أنه في الوقت الذي يعلن فيه : « إبراهيم زكريا » أن البنيوية كانت هي صاحبة الجلالة والهيمنة سنة 1966م يعلن: « عبد العزيز حمودة » أن البنيوية في بلاد النشأة قد دفنت ووريت التراب منذ السنة نفسها على وجه التحديد([7]). وبالضبط بعد محاضرة « جاك دريدا ».. فكيف يفسر إذن هذا التضارب ؟!
إن « البنية » مشتقة من الفعل اللاتيني Structure بمعنى البناء والتشييد. وحين تكون لشيء بنية([8])، فمعناه أنه ليس بشيء غير منظم أو عديم الشكل. بل هو موضوع منتظم له صورته الخاصة به و وحدته الذاتية، والبنية في أصلها تحمل معنى المجموع والكل، وهذا المعنى سيبقى ثابتا وحاضرا في مقاربة النصوص عند البنيويين. فالنص الإبداعي عندهم كلية من مجموع أجزاء له وحدته ونسقه. والعمل النقدي البنيوي بالدرجة الأولى يكون في هذه المستويات. كما أن كلمة « بنية » في اللغة الألمانية Gostal جاءت بمعنى الكل المتضمن لأجزائه. وقد ظهرت في المعجم الفلسفي المعاصر عام 1928.
ولعل أصح تفسير وأكمله لمصطلح « البنية » هو ذلك الذي ذكره عالم النفس السويسري المشهور » جان بياجي »([9])(ت1980): «إن البنية لهي نسق من التحولات له قوانينه الخاصة باعتباره نسقا…علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق، أو أن تهيب بأية عناصر أخرى تكون خارجة عنه.»
وخلاصة القول في موضوع « البنية » أنه لا بد من أن تتسم بالخصائص الأربع: الكلية والتحولات والتنظيم الذاتي والعلاقات.وهذه الخصائص هي التي شكلت أسس التحليل البنيوي. فالناقد البنيوي يهتم بالأساس بطريقة تركيب النص الأدبي،ويبحث في العلاقات بين بنياته، ليتوصل إلى النظام والنسق اللغوي الذي يحكم النص الأدبي.إنه يدرس الأثر الأدبي من الداخل فقط. وذلك باكتشاف خصوصية النص الداخلية « باعتباره كيانا مستقلا .وخير وسيلة للتحليل الأدبي،هي التعامل المباشر مع اللغة في مستوياتها المختلفة »([10])
…………………………………………………………………………………………………………………….
([1]) البنيوية منهج أو محتوى. الزواوي بغورة عالم المعرفة
([2]) المرايا المحدبة عبد العزيز حمودة.
([4]) الرواية العربية الجديدة 1960- 1980 مقاربة سوسيولوجية وفنية رسالة نوقشت سنة 1985
([6]) مشكلات فلسفية مشكلة البنية. إبراهيم زكريا .
([7]) المرايا المحدبة د: عبد العزيز حمودة.
([8]) مشكلات فلسفية. مشكلة البنية: إبراهيم زكريا.
([9]) مشكلات فلسفية. مشكلة البنية: إبراهيم زكريا.
[10]) الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة- وجيه يعقوب السيد.
Aucun commentaire