حفظ الدين عند الأبناء
حفظ الدين عند الأبناء
لقد أناط الله ـ عز وجل ـ حفظ الدين عند أفراد الأسرة بمقتضى مسؤولية الرعاية، ولما كانت الأسرة اللبنة الأساس في الأمة، كان حفظ الدين أساس حفظه فيها، فلهذا أمرنا الله تعالى بأن نتقيه، وأن نقي أنفسنا وأهلينا جهنم فقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾([1]) وفي معنى الآية قال قتادة: » تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصيته، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية، قذعتهم عنها، وزجرتهم عنها. « ([2])
وإذا كان التوحيد الخالص في الأبوين شرطا لإتمام وصحة الزواج في الإسلام، فإن من مناط ذلك استنبات الولد في محاضن خالية من الشرك، عندما يكون نطفة أو علقة يربض في صلب أمه، وامتدادا لهذا المعنى كانت سُنّة الأذان في سمعه، عندما يرى الدنيا للمرة الأولى في حياته. فعن أبي رافع أنه قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ)([3]) وعن الحكمة من ذلك، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: » على أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي، المضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك التلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا. »([4])
فمسؤولية حفظ الدين عند أفراد المجتمع تقع أساسا على الأسرة وخصوصا الأبوين، فمن أَوْجَبِ حقوق الأبناء على الآباء التربية الصالحة. والذرية الصالحة بشرى في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ، أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى، مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ، وَسَيِّداً، وَحَصُوراً، وَنَبِيئاً مِّنَ الصَّالِحِينَ.﴾([5])
والذرية الصالحة من مطالب الأنبياء، وهي منة من الله تعالى، وهو ما يستشف من قول زكريا عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ، هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.﴾([6]) ومن لوازم هذه البشرى والمنة أن تنمو وتترعرع الذرية في جو إيماني، ومن ثم فإن عقيدة التوحيد ركن أساس في بناء الأسرة المسلمة، لذلك لا تحل مصاهرة المشركين والمشركات لقوله تعالى: ﴿وَلَأَمَةٌ مُّومِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ، وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُومِنُواْ﴾([7]) يقول الدكتور عبد الواحد وافي: » على الأسرة قسط كبير من واجبات التربية الخُلُقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الحياة. « ([8])
ولعل من أهم مسؤوليات الأسرة تعليم الطفل ما يتفق وسنّه من عادات وعبادات ومعاملات وتنشئة على حب الإسلام والتخلق بأخلاقه، على أن يكون ذلك بالأسلوب الذي يتفق ومرحلة نموه، وبالطريقة الحسية العملية المبسطة نظراً لمحدودية إدراكه وخبراته؛ فتقدم له أمثلة عن وجود الله سبحانه وتعالى وقدرته ورحمته، ونعمه على خلقه؛ كي يفتح الطفل عينيه على الإيمان بالله تعالى ومحبته.
فما أحوجنا ـ نحن المسلمين ـ أن نتعرف على دور الأسرة في التربية الإسلامية، وأن نعمل على بناء أسرنا في ضوء المبادئ والتوجيهات التي يدعو إليها الإسلام، فيكون الزوجان مقيمين لحدود الله في الأسرة، وعلى معرفة بالتربية الإسلامية؛ للتمكن من القيام بوظائفها التربوية، وهو ما نبهت إليه نصوص مواد ميثاق الأسرة في الإسلام، فقد جاء فيها: »الأسرة هي محضن الأفراد، لا برعاية أجسادهم فقط، بل الأهم هو غرس القيم الدينية والخُلُقية في نفوسهم »([9]) إذن فالعائلة ليست عشا جسديا للأولاد فقط، بل عشا نفسيا أيضا، يتعلمون فيه من الأبوين ويتربون بأخلاقهما وسلوكهما، يقول صلى الله عليه وسلم مبرزا مسؤولية الوالدين الدينية على الخصوص: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.)([10]). يقول النووي في معنى الحديث: » كل مولود يولد متهيئا للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً، استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين، جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا »([11])
فالإنسان يولد مسلما موحدا؛ لأن الإسلام ثابت في النفس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد. يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في هذا السياق: » فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ، وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا »([12]) ولما كان فاقد الشيء لا يعطيه، فلا مناص للزوجين من أن يكونا على معرفة بما توصل إليه علماء التربية المسلمون؛ لتوجيه الفطرة السليمة لدى الأطفال ورعايتها وصونها من الانحراف والزيغ، مع اليقظة والحذر مما لا يتفق مع شريعتنا؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها. ومن الثابت في الأدبيات التربوية والاجتماعية أن: » الأسرة منذ بداياتها الأولى وحتى اليوم، كانت لها آثار دينية وخلقية وتربوية، فهي التي كانت تضع النظم الخلقية، والقواعد السلوكية، وتفصل أحكامه، وتوضح مناهجه، وتقوم بحراسته، وهي التي كانت تميز الخير من الشر والفضيلة من الرذيلة، وترسم مقاييس الأخلاق. « ([13])
([2]) تفسير ابن كثير – ج4- ص 352- تحقيق الشيخ خالد محمد محرم- المكتبة العصرية- بدون ط – 2003م
([3]) سنن الترمذي- ج 4- ص97 – كتاب الأضاحي – باب الأذان في أذن المولود- وقال: « حديث حسن صحيح »
([4]) تحفة المودود بأحكام المولود- ص 31- تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط – مكتبة دار البيان – دمشق – ط1- 1971م
([6]) آل عمران/ 38 – اُنظر: ابراهيم /42
([8]) الأسرة والمجتمع- ص 20 – مطبعة العالم العربي – القاهرة – 1971م
([9]) ص5- الباب الأول- مبادئ وقيم ومفاهيم عامة- الفصل الأول: رسالة الإنسان الربانية: حفظ التدين – المادة 20
([10]) صحيح مسلم – ص 1318 – كتاب القدر- باب معنى كل مولود يولد على الفطرة – الحديث: 2658 – دار الرشيد – القاهرة – بدون ط- بدون ت
([12]) تحفة المودود بأحكام المولود- ص 139
([13]) الأسرة وأثرها في تحقيق الأمن الفردي والمجتمعي- ص 6 – د. إبراهيم بن مبارك الجوير- ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425هـ
Aucun commentaire