ازدواجية معايير القضاء الدولي في مقاضاة الزعماء
بإحالة الزعيم الصربي رادوفان كارجيتش على ما يسمى بمحكمة جرائم الحرب بلاهاي يكون هذا العالم البائس الذي يقع تحت رحمة الغرب بامبرياليته السياسية والعسكرية والقضائية والاقتصادية والثقافية … قد أقام على نفسه حجة دامغة تثبت ازدواجية معاييره خاصة في مجال قضائه عندما يتعلق الأمر بمقاضاة الزعماء ومحاكمتهم ، ذلك أن التهمة التي وجهت إلى رادوفان كارجيتش وهي جرائم الإبادة ضد مسلمي البوسنة هي نفس التهمة الموجهة للرئيس صدام حسين والمتعلقة بإبادة الأكراد والرافضة مع انتفاء الشبه بين التهمتين ووجود الفارق بين الحالتين كما يقال.
فالزعيم الصربي أباد مسلمي البوسنة لأسباب عرقية مرجعها اعتقاده الصليبي الحاقد وبتزكية من العالم الصليبي الذي وقف موقف المتفرج حتى أنهى هذا المجرم السفاح خطة الإبادة لمجرد أن الضحايا مسلمين ، في حين كان ما نسب لصدام حسين ضد الأكراد والرافضة عبارة عن رد فعل ضد مواطنين عراقيين خونة يدينون بالولاء للعدو الإيراني وقد حاولوا استغلال ظروف الحرب لتحقيق مصالحهم من خلال زعزعة استقرار العراق بما في ذلك محاولة اغتيال الرئيس لتقديم هدية مجانية للعدو الذي يشاركونه في العقيدة الفاسدة كما هو حال الرافضة أو يشاركونه في المصلحة كما هو حال الأكراد.
ولم يكن غزو العراق بسبب استصدار ما يسمى بالمجتمع الدولي لقرار توقيف الرئيس العراقي نظرا لسياسته مع الرافضة والأكراد ، وإنما كان الغزو بذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل المهددة لإسرائيل. ولو كان اتهام الرئيس العراقي واردا لظل كذلك منذ أن وقعت أحداث ما سكي بالدجيل أوغير الدجيل. أما كارجيتش فقد كانت تهمته منذ البداية هي جرائم إبادة مسلمي البوسنة.
ومع ذلك وبالرغم من التصريح بأن صدام حسين اعتقل على خلفية الأسر خلال حربه مع الغرب خصوصا الولايات المتحدة ، علما بأن الأسر بسبب الحرب يقاضى صاحبه على مسئوليته في المبادرة بشن الحرب ، ولم يكن صدام أول من بدأ الحرب على الغرب ، وإنما كان ضحية حرب شنت عليه.
وسرعان ما انتفت صفة أسير الحرب عن صدام فصار مجرد مجرم نسبت له جرائم ملفقة تتعلق بالزعم أنه أباد الرافضة والأكراد. وعوض تسليمه لما يسمى بمحكمة جرائم الحرب بلاهاي كما فعل برادوفان ، سلم لمحكمة الرافضة والأكراد المفتقرة للمعايير المطلوبة في القضاء وعلى رأسها معيار الاستقلالية المفقودة بسبب غياب السيادة العراقية. ومع وجود أعراف دولية تحضر تسليم من يدان للجهات المعادية فقد استثني صدام حسين من ذلك فكان من يقاضيه ممن سموا قضاة عناصر تعتبر أطرافا على صلة وثيقة بالتهم المنسوبة إليه مما يعني تسليم الرئيس العراقي لمن يتهمه ويجرمه. وقياسا على ما فعل بالرئيس العراقي صدام كان من المفروض تسليم رادوفان كارجيتش أيضا لمسلمي البوسنة لمحاكمته وتعيين قضاة ممن لهم علاقة باتهامه وإدانته ، وهو ما لم يحصل لوجود ازدواجية المعايير في ثقافة الغرب الذي يمارس الميز العنصري ضد المسلمين سواء كانوا متهمين أم ضحايا، ذلك أن المسلم دائما هو الخاسر في ثقافة الغرب .
وليست محاكمة رادوفان سوى مجرد ذر للرماد في العيون للتمويه وصرف الأنظار عن زعماء مجرمين حقيقيين من حجم المجرم شارون الذي أدبت المحكمة البلجيكية لمجرد تفكيرها في توجيه تهمة إبادة الفلسطينيين إليه ، ومن حجم المجرمين بوش وبليير ومن شاركهما حرب الإبادة في العراق وأفغانستان ، وكذا الإعداد والتحضير لمحاكمة زعماء عرب ومسلمين بنفس التهمة ليحاكموا في محاكم فاقدة للمشروعية والمصداقية القانونيتين ، وليسلموا للطرف الخصم للتنكيل بهم ، ويكون التبرير والذريعة هو أن العالم الغربي يتبنى محاكمة الزعماء الذين تنسب لهم تهم الإبادة مع ازدواجية في المكيال والمعيار حيث يحاكم من كان على ملة الغرب بشكل يصون كرامته حيث جلس كارجيتش خلف منصة في محكمة بمواصفات المحكمة دون وجود من يقذفه بنعت مشين من الحضور ، بينما كان صدام حسين يوضع في قفص من حديد والقيد يقيد يديه ورجليه في حيز لا علاقة له بمواصفات المحكمة ، ولا يسلم من شتائم الرافضة والأكراد الحاضرين خلال كل فصل من فصول مسرحية محاكمته.
إن محاكمة كارجيتش بهذه الطريقة تعتبر إهانة للمسلمين ، وقد صدقت أم مسلمة بوسنية فقدت أبناءها عندما قالت : ما قيمة محاكمة المجرم رادوفان الذي يستفيد من ظروف عيش في سجن لاهاي تفضل حياة مسلمي البوسنة ضحايا مذابحه ؟
لقد نقلت وسائل الإعلام الجلسة الأولى لمحاكمة المجرم الصربي ، وظهر قاضي ما يسمى بمحكمة جرائم الحرب وهو يخاطبه بكل احترام وتقدير بينما كان قاضي صدام كالكلب المسعور يهر ويسيء الأدب معه كل دقيقة ، ويتعمد إظهار التقزز على سحنته القردية للنيل من كرامة رئيس الجمهورية الشرعي.
إن هذه النازلة تثبت أن العالم بالمنظار الغربي الحاقد عبارة عن منطقتين : منطقة يسكنها الآدميون ، وأخرى يسكنوها من صودرت آدميتهم بسبب عقائدهم المخالفة لعقيدة الغرب. فالزعماء العرب والمسلمون المناهضون للغرب يقاضون ويحاكمون في محاكم ابتدعها الغرب وجعلها بيد عملاء وخونة قلدهم لعب دور الضحايا. وبموجب هذا التصور لا يخلو زعيم عربي أو مسلم من أن يكون عرضة لهذا النوع من المحاكمات التي لا تختلف عن ممارسات العقوبات الهمجية المعروفة في التاريخ ، من قبيل إلقاء المدانين للسباع الضارية إمعانا في تعذيبهم والتنكيل بهم إن هم شقوا عصا الطاعة على الغرب الذي يجعل زعماءه فوق القضاء مهما كانت جرائمهم ، أو يهيئ لبعضهم المحاكمة الصورية التي توهم بعدالة تسوق بين سذج وعوام هذا العالم البئيس.
3 Comments
احالة كل مجرم على أي محكمة هو مكسب للانسانية، و للعلم فالمحاكم الوطنية لها الأسبقية على المحكمة الجنائية الدولية، خلافا لمحكمتي يوغوسلافيا و رواندا اللتان لهما الأسبقية على المحكمة الوطنية.
كلامك صحيح وهو عين الصواب اما تعليق حسن ب فارى انه مجانب للصواب . فالعدالة عند المجرمين عدالتان او قل الفا. يخرجون النوع الذي يخدم مصالحهم . فالشهيد صدام قدمته عدالة امريكالاعدائه الحاقدين عليه وعلى الاسلام الصحيح لينتقموا منه . اما مجرم الحرب الصربي عدو الاسلام والمسلمين فقد اهدت له محكمة لاهاي لتحاكمه وتلاطفه وتعامله معاملة الرؤساء والابطال هذه هي عدالة امريكا والغرب .
لا أدري ما الذي قلته مجانب للصواب يا أخ متتبع، فأنا لم أخض في قيمة العدالة الدولية أو حياديتها أو فاعليتها، و لم أناقش حتى هذا الموضوع، لان المجال لا يتسع لذلك، بل ربما حتى مقال كالذي كتبه الأستاذ الشركي قد لا يكون كافيا، لأنني لا أعتبر الأمور بهذه السهولة، غرب حاقد علينا يحاكمنا و يظطهدنا بمحاكمه، و لا أقول أن العدالة الدولية نزيهة و بعيدة عن السياسة، بل كل ما قلته هو أن المجرمين يستحقون العقاب و لو كانوا قادة عرب، و أما فيما يخص الأسبقية بين المحاكم فالأمر يتعلق بتطور العدالة الدولية و سيرورتها التاريخية، فلن تجد بعد المحكمة الجنائية الدولية محكمة دولية لها الأسبقية على المحاكم الوطنية.