قتل النفس في ميزان المصلحة
بسم الله الرحمن الرحيم
قتل النفس في ميزان المصلحة
يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 32 من سورة المائدة » مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا » ويقول عز من قائل في الآية 151 من سورة الأنعام وفي الآية 33 من سورة الإسراء « ولَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ »، مما يتبن معه أن قتل النفس على الإطلاق أمر عظيم وخطير لا يجوز إلا بالحق المتمثل في القتل أو الفساد في الأرض. ودون أن أتطفل على ذوي الاختصاص الذين لهم الصلاحية في تحديد طبيعة الحق وطبيعة الفعل الذي يُمكن إدراجه في خانة الفساد الذي من أجله يُحكم في الإسلام على النفس بالقتل، فإني أريد الإشارة فقط إلى طبيعة التعامل مع قتل النفس من زاوية الدين الإسلامي ومن زاوية المواثيق الدولية في قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي، إذ يبدو أنه لا الإسلام ولا المواثيق الدولية تم احترامها، ذلك أنه كان من المفروض أن يُحاكم طبقا لهذه المرجعية أو تلك، ومن ثم يتم إصدار الحكم المناسب لهذه المرجعية أو تلك. وإذا اعتبرنا أنه مواطن ينتمي إلى بلد مسلم فإنه يُفترض في الحكم أن يكون مناسبا لدرجة إفساده في الأرض، إلا أن قتْله بهذه الطريقة يدل على أن مُحاكمَتَه ومن ثم الإفصاح عن الحيثيات التي تؤدي إلى قتله أو حبسه ليست في صالح قاتله أو قاتليه. كما أن الضجة الإعلامية المكثفة التي أثارتها مجموعة من الدول الغربية تدل على أن الأمر يتعدى تشدق مسؤولي هذه الدول بالدفاع عن حقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في الحياة كما تنص على ذلك المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلى حسابات سياسية وصراعات المواقع من أجل الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الحساسة لكل بلد من البلدان المتدخلة في الموضوع.
إنَّ مَن يُلاحظ الوضعية المزرية لحقوق الإنسان في عدد كبير من بلدان العالم والتي تلعب فيها الدول الغربية دورا كبيرا من خلال تزويد الأطراف المتعاركة بالسلاح، والتدخل العلني وغير العلني كما هو الشأن بالنسبة لسوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها كثير، لا يمكن أن يُصدِّق لحظة واحدة أن الأمر يتعلق بضمان حقوق الإنسان ولا حتى بضمان حقوق الصحافيين، لأن صحافيين كثيرين قُتلوا في البلدان الغربية نفسها، كما تدل على ذلك إحصائيات منظمة مراسلون بلا حدود التي تشير إلى أن اغتيال الصحافيين يتم بمعدل صحافي واحد كل يوم، من بينهم الصحافية البلغارية Victoria marinova التي اغتيلت بتاريخ 6 أكتوبر 2018، ولم تقم هذه الدول ولا صحافتها بما هي الآن بصدده في شأن خاشقجي. ولتفسير هذه الازدواجية أزعم أن قضية حقوق الإنسان والقوانين الدولية هي بمثابة غطاء يتدثر به الغرب ومن والاه لابتزاز كل من خالفه بصفة عامة وفي أمرين أساسيين على الخصوص هما: الأول يتعلق بكل ما يمكن أن يشكل عائقا أمام مصالحه المادية الذي يمكن للسعودية أن تَدخل ضمنه إذا ما وجدت لذلك سبيلا من خلال الامتناع عن تزويدها بالبترول أو حتى الزيادة في سعره بما لا يخدم هذه المصلحة المادية، ومن خلال الامتناع عن استيراد الأسلحة والمواد الأساسية؛ أما الأمر الثاني فيتمثل في الاختراق الثقافي للمجتمعات التي لا تدين بثقافتها، وما مسألة قيادة المرأة السعودية للسيارة، وهرولة هيئة الترفيه إلى توفير ما سمي ببيئة ترفيهية يشهدها الجمهور للمرة الأولى على شكل عروض موسيقية وغنائية ومسرحية، وكذا فتح دور السنيما و…إلاَّ مؤشرات على هذا الاختراق الذي أُريدَ له أن يقفز على مقومات الأمة الإسلامية من خليجها إلى محيطها، علما على أن المجتمع السعودي رغم كل التجاوزات التي يمكن إحصاؤها لدى مسؤوليه، كان وسيبقى من الحصون الإسلامية التي يصعب على الغرب اختراقها على عكس عديد من الشعوب الإسلامية الي استعمرت في السابق والتي أصبحت شبه فاقدة للحصانة الذاتية مما جعلها ترتمي في أحضانه ارتماء الفريسة في أحضان المفترس دون أدنى احتراز.
ختاما أتصور أن القاتل معروف ومكان الجثة معروف لدى المعنيين، وأن الدول الغربية لا يمكن أن تتخلى على صفقات بيع السلاح لا للسعودية فحسب ولكن لكل البلاد التي تعاني من ويلات الحروب الداخلية والخارجية على السواء، وكل ما في الأمر أن الأطراف المعنية بصدد إعداد صفقات ابتزاز النظام السعودي على جميع الأصعدة وربما الترتيب لجرائم أخرى لإدامة هذا الابتزاز إلى ما لا نهاية، أما مسألة حقوق الإنسان فلا تعدو أن تكون جزءا من التغطية على هذه الصفقات التي لا بد للنظام السعودي أن يدفع فاتورتها على حساب الشعب السعودي وعلى حساب الأمة الإسلامية وثوابتها، وإلا سيكون هو نفسه جزء من هذه الفاتورة التي لا تزيد إلا ارتفاعا حتى تبتلعه، شأنها كشأن الرمال المتحركة التي تبتلع الواقع فيها بقدر حركته غير الموزونة والمحسوبة العواقب. ومن ثم فقيمة النفس عند هؤلاء لا يمكن أن تتجاوز ولا أن تعلو على قيمة المصلحة التي تجلبها، وما عدى ذلك فهو غسل للدماغ لا أكثر ولا أقل.
الحسن جرودي
Aucun commentaire