قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 12 يتبع بقلم عمر حيمري
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
إن تصرف يوسف عليه السلام بهذا الشكل وهذه الصورة ، كانت وراءه بدون شك حكمة إلهية وتدبير من الله ، هي لمصلحة كل من يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه وأهليهم أجمعين ، فهو تدبير من الله لجمع شمل الأهل . ثم فمن ناحية الحكمة والعقل ، لا يمكن أن يتم جلب الأهل بشكل طارئ ومفاجئ ، فلا بد من التخطيط والتدبير أولا ، لأن ذلك سيثير انتباه خدام القصر وأعوان الملك والعشائر المحيطة به والمسندة له ، فيغيضوا صدر الملك على يوسف ويدسوا له عليه السلام الدسائس عند الملك بفعل الحسد والبغض والكراهية والمنافسة على المنصب والتقرب من الملك ، الشيء الذي سيجعل الملك حتما يفقد ثقته بيوسف ويسيئ الضن به ، وهو الذي قربه إليه من قبل وأحسن إليه وجعله على خزائن الأرض ، فهل يعقل أن يفعل يوسف أمرا كهذا يكرهه الملك أو يثير سوء ضنه وهو المشتهر والمعروف عنه بالوفاء والإخلاص لسيده الذي اشتراه وقد تحمل في سبيل ذلك الوفاء عذاب السجن وقهر السجانين . هذا احتمال وارد يمكن أن يكون يوسف عليه السلام قد فكر فيه مليا وادخله في حساباته ، ومن جهة أخرى ، ربما خاف يوسف عليه السلام من إخوته أن يكيدوا له ولأخيه من شدة حسدهم المعروفون به ، وهو الذي خبرهم وعلم بمكرهم وعاش محاولة قتلهم له بإلقائه في البئر لولا لطف الله ، وتصوروا معي شعور يوسف عليه السلام تذكر صراخه واستجدائه لإخوته وهم يصدون عنه دون شفقة ولا رحمة . كما يعرف عليه السلام جيدا ويقدر ما يمكن ويستطيعون فعله من إساءة وشر ضده وضد أخيه وحتى ضد أبيهم إن لزم الأمر . ثم هناك احتمال آخر وهو التريث وعدم التسرع والاستعجال ، لخطورة الوضع ، حتى يتدبر الأمر ويكسب الوقت الكافي لتهيئ كل ما يلزم لاستقدام أهله وربما فكر في انتظار الوقت المناسب ليكلم الملك في أمر جلب أهله ، حتى لا تحدث المشاكل بينه وبين الملك فيستغلها قوم آخرون ، وبدون أن يثير النعرات بين أهله وبين من يتربص بهم وبيوسف الدوائر ودون ان يثير ضغائن وحسد الحاسدين وما أكثرهم ، الذين يتصيدون دائما الفرص لينقضوا على يوسف عليه السلام . ولا بد أيضا أن يبحث عن طريقة يجلب بها أهله بصورة مشرفة تليق بهم وبمقام نبوة أبيه ، وهناك رأي آخر لابن عاشور رحمه الله أورده في التحرير يتمثل في قوله : { وإنما لم يكشف يوسف عليه بحاله وبأمرهم ، بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين ، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك ، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو بسيئ ظنه .} ( كتاب التحرير تفسير الآية 58 ) .
المهم أن يوسف عليه السلام اعتمد التخطيط والتدبير في الوصول إلى أرقى المناصب بالدولة وهو منصب عزيز مصر وفي انقاذ أهل مصر من المجاعة المحققة ودفع آثار القحط عنهم والوصول إلى حاجات الناس ، وفي إبقاء أخيه عنده وفي جلب أبويه وإخوته وأهله أجمعين . من هذه التدابير والتخطيطات التي قام بها يوسف عليه السلام : رفض مقايضة البضاعة التي جاء بها إخوته وإرجاعها إليهم حتى يضطروا للعودة والرجوع مرة أخرى إلى مصر [ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهليهم لعلهم يرجعون ] ( يوسف آية 62 ) ومن هذه التدابير أيضا تلك التي قام بها لإبقاء أخيه عنده وهي إخفاء صواع الملك بين أمتعة أخيه ، وهو الذي يعلم أن العرف والقانون القبلي آن ذاك يستعبد السارق ومع ذلك وبدون شك بعد تفكير طويل وتخطيط محكم ، أقبل على هذا الفعل الذي سيؤدي في النهاية إلى استعباد أخيه : [ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] ( يوسف آية 70 ) إن هذا التدبير الذي يبدو في الظاهر أنه من تخطيط يوسف عليه السلام ، لم يكن كذلك ، بل هومن الله بالتأكيد ، لأنه ليس من العقل ولا الحكمة ولا الرأي السديد ، أن يأخذ يوسف عليه السلام أو أي إنسان آخر عاقل أخاه في دين غيره أي يستعبد أخاه لصالح غيره ، ولكن الله سبحانه وتعالى كاد ليوسف عليه السلام لكي لا يغتر هو ومن ورائه كل الناس بعلمه وبعرفته للتأويل وبالقدة على استقراء المستقبل ، فمهما تعلمت وحصلت على العلم تبقى محتاجا للمزيد من العلم والمعرفة ، لأن علم الإنسان نسبي وليس مطلقا يحتاج باستمرار للتصحيح والتعديل وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة [ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ] ( يوسف آية 76 ) .
في تقديري إن يوسف عليه السلام كان على صواب لما لم يرد أن يكشف شخصيته لإخوته لأنه كان يتوقع منهم الشر وان طبيعتهم الشريرة المتأصلة والمتجذرة في نفوسهم ، ما زالت ملازمة لهم ولم تفارقهم ، وها هم قد أثبتوا له ذلك بالتهامه بالسرقة اتهاما كاذبا باطلا إذ قالوا ما سجله القرآن الكريم على لسانهم [ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكان والله أعلم بما تصفون ] ( يوسف آية 77 ) ولكن يوسف عليه السلام ضل مصرا على إخفاء شخصيته عن إخوته رغم سماعه الاتهام بالسرقة المنسوبة إليه وضل صابرا ولم يرد عليهم لكي لا يتعرفوا عليه ، واكتفى بحديث نفسي داخلي كشف الله سبحانه وتعالى عنه [ قال أنتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون ]
حاول الإخوة إنقاذ أخاهم من الأسر العبودي ودخلوا مع يوسف في مفاوضات وطلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكانه ولكن يوسف اعتبر ذلك ظلما فرفض رفضا قاطعا رغم توسلهم بأبه وبكونه شيخا كبيرا لا يصبر على ابنه وبأنهم يتوسمون في الخير والإحسان [ قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ] ( يوسف آية 78ـ 79 ) . إن يوسف عليه السلام كان يعلم صدقهم وكان بالإمكان أن يتنازل لهم عن أخيه وخصوصا أنه يعرف أن ذلك سينزل على الأب كالصاعقة وسيسبب له ألما كبيرا وحزنا شديدا ولكنها حكمة الله وأمره وقدره .
لم يكن بدا لإخوة يوسف إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف ومن خلال تدبري للآية الكريمة يبدو لي والله أعلم أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة لأخذ أخيهم لكي يفوا بما بالميثاق الذي اخذه أبوهم منهم
Aucun commentaire