تجديد الرؤية اللغوية من منظور نظرية كراشن : الجزء 7
تجديد الرؤية اللغوية من منظور نظرية كراشن :
نحو درس لغوي عربي حديث بمقاربات متعددة
– جزء7-
5- مقاربة معجمية:
إن »التعليم ليس مجرد أعمال تقنية؛ لمعالجة المعلومات التي تدار بشكل جيد ، ولاتطبيقا لنظريات التعليم في غرفة الدراسة، أو باستخدام نتائج التحصيل المرتكزعلى الموضوع ،بل هو إجراء معقد لملاءمة الثقافة مع احتياجات أفرادها، وطرق معرفتهم لاحتياجات الثقافة. »(20) ،ولن تتحقق الملاءمة التي يدعو إليها « برنير »،إلا بربط تعلم اللغة بالثقافة المجتمعية وحضارة العصر؛ لأن : »وعي الفرد بهويته الشخصية يلعب دورا مهما في الاستعمال اللغوي، فاللغة تجسيد للواقع الثقافي، تتمتع بقدرة على التقاطع، تساعد على الاستكشاف ،والاندماج، والتفاعل »، كما يحث على ذلك « الشويرخ (21).
لهذا لابد، أن ينفتح الدرس اللغوي على نادي المهارات الحياتية والمهنية والدراسية؛ ليدبج نصوصا انطلاقية قريبة من اهتمامات المتعلمين ، حول شعب الدراسة ،و مهن المستقبل، وحاجيات حياتية :كالصحة والمطبخ، والترفيه والثقافة ، والتسوق والسفر ،والهجرة والإعلام ،والتراث المحلي والبيئة، والفنون كالمسرح والسينما التربوية والخط ، والقراءة والأعمال الاجتماعية ،والمناسبات والأنشطة العلمية والتطوعية، والنقاش المجتمعي ورأي العامل في صاحب العمل ،وتقديم شكاوى أو اعتذارات ، والبحوث والسؤال عن المعلومة، والتعليقات الإذاعية والتلفزية ، والنصوص الهاتفية ورسائل التواصل الاجتماعي، مع الشركاء عن طريق الوسيط الرقمي…
وكذا لابد أن يستعين الدرس اللغوي، بلسانيات المدونات أو المتون والذخائراللغوية، فهي تبحث في المعجم وتجري إحصاءات، وجرودا للكلمات المستعملة والكلمات المهملة، بواسطة كشاف السياق، والمتصفح الأبجدي، والمصاحب اللفظي ؛ لرصد الترددات ولاستخراج المصطلحات وتيسيرالترجمة ، وأيضا تبحث في النحو والتداول والدلالة والخطاب (22) .
والمدونات بحق، هي دراسة « اللغة من خلال الخطاب » (23) ،كما يرى » توبيرت « ، وهي كذلك تحليل للظاهرة اللغوية محل البحث، انطلاقا من معطيات لغوية مأخوذة من مدونات محوسبة، تمكن من دراسة ميدانية قائمة على أساس أمثلة من الاستعمال الحقيقي للغة في الحياة، حسب « ما كينري »، و »ويلسون » (24) ، ويقوم منهجها على ملاحظة ترددات التراكيب اللغوية وصياغة فرضيات التحقق ثم استنساخ الأحكام لتعميمها (25) ،ورغم تشكيك شومسكي في لسانيات المدونات واعتبارها مصدر المعرفة اللغوية في الحاضر فقط ووسيلة فقيرة لتصوير الملكة اللغوية (26)، فإن » براون كوبيس » زاوج بين الحواسيب والمدونات لإحيائها فانتشرت على يد « بواس » و »سابير » نيومان » و »بلومفيلد « و »بايك « على شكل صناديق كرتونية مليئة بقصاصات ورقية قبل أن تتطورإلكترونيا مما ساعد » جان آرتس » على ضبط مفهوم المدونة : » مجموعة من العينات لنص متواصل ويمكن أن تكون النصوص إما شفهية وإما مكتوبة أو بينهما كما يمكن أن يكون للعينات أي امتداد « (27) ، بينما « ليتش » يعدها : » مجموعة نصية لهدف معين في الذهن وكثيرا ما تجمع لتكون تمثيلية لبعض من اللغة أو لنوع نص ما « (28).
من هنا فالمدونة كما يرى « سينكلار « : » مجموعة من نماذج اللغة ،يكون انتقاؤها وترتيبها، وفقا لمعايير لغوية واضحة؛ بغية استعمالها كعينة اللغة. » (29).
ومن هذه التوصيفات، نوقع عدة معاييرللمدونة : كالتجميع والأصالة ،والتمثيلية وأخذ العينات، والتوازن والمقروئية الآلية، ومعالجة اللغة الطبيعية(30) .
ومنطلق هذه المدونات كلها ،هو »الشبكة العنكبوتية » التي تعتبر بحق مدونة لغوية بكل المقاييس ، بالنسبة « لكيلغاريف » و »غرينفنستيت »،
كما أن المدونات قد تكون يدوية أو محوسبة ،ومن سماتها :
1- صيغة النص: نص مطبوع ،ومكتوب، شفوي ، وكتابي.
2- نوع النص: مقال، بحث، اختبار، رسالة، محادثة، مقابلة ،عرض …
3- مجال النص : أكاديمي عام، وخاص.
4- لغة النص:تنوع لغوي: لهجة، فصحى.
5- مكان النص: دولة، مدينة.
6- زمان النص :قديم، نهضوي، حديث (31).
لكن » نسلهاف » تشترط أربعة مقاييس لنص المدونة اللغوية تتمثل في :
– نص طبيعي كامل.
– نص منتج مدرسيا أو تعليميا.
-نص منتج من خلال مهام مراقبة.
– برنامج قصصي ذي سيناريو محدد(32).
هذا وخضعت المدونات اللغوية لعدة تصنيفات لضبط مفهوم « الأبنية الجاهزة »، و »المتلازمات اللفظية »، و « العبارات الاصطلاحية »، التي تنطوي على تعبيرات بلاغية عن أفكار بطريقة معينة، لاتخلو من التشبيهات والاستعارات، والمجاز والأمثال الشعبية والأقوال المأثورة ،تتميز بخاصية التواضع بمعنى الاصطلاح، وعدم التأليف أي عدم النظم والجمود ، بعدم الاستبدال والتغيير النحوي. إنها بعبارة أكثر دقة : » اجتماع كلمتين أو أكثر كوحدة دلالية لايتعلق معناها بأحد أجزائها لأنها تخضع لنظام عدم التأليف فلا يمكن التنبؤ بمعناها فهو تعبير متواضع عليه لايتحدد معناه من معنى أجزائه »(33)، من قبيل تصنيف « فرانك بولز » وريتشارد جاك » و »لويس » و »ناتينجار »و »ديكاريكو » و »كيمز » و »إيرمان وارين » … حيث تنقسم المدونات إلى عدة أقسام منها :
1- العامة :
وقد أنشئت لأغراض مختلفة ،وتتضمن نصوصا متباينة من مدونة مرجعية ، ومواد لغوية بدون هوية أجناسية نصية ،كمدونة اللغة العربية، ومدونة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض ،ومدونة مكتبة الأسكندرية ،ومدونة المعهد العالي السوري ،ومدونة صخر، ومدونة المعجم المدرسي.
2- الخاصة:
وتشتمل على نصوص أصلية منسجمة، من حيث النوع والموضوع والوظيفة التواصلية، كالنص الديني، أو الشعري، أو النثري، أوالسردي، أو العلمي، أو التقني…أو نصوص تتعلق بالبلد، أو المدينة…أو بمؤلف معين، كمدونة القرآن، ومدونة الحديث النبوي…
3-المقارنة :
تتضمن نصوصا من لغتين مثلا،عربية /فرنسية ،أو عربية/ أنجليزية ،أو عربية /أمازيغية،تساعد على الدراسة التقابلية(34) .
4- الرصد:
ذات نهاية مفتوحة ،حجمها يزيد بسبب الإضافة ، تشكل أساس صناعة المعاجم(35).
5-التربوية:
تتضمن كتبا مدرسية، وكتبا للمطالعة ،وأشرطة تربوية.
6- التاريخية :
تضم نصوصا من عصور مختلفة.
7-المتعلم :
تشتمل على قاعدة بيانات لنصوص محوسبة، تتضمن معطيات لوصف لغة التعلم: « اللغة القياسية » (36) .
8-إلكترونية للترجمة :
تساعد على التعرف على خصائص اللغة ،وحل المشكلات، وبناء المعاجم ؛لأن الترجمة تفكير بصوت مرتفع، واستبطان للنص من الداخل ،حسب الدكتور سامح الأنصاري(37).
إن لسانيات المدونات تعتبر اللغة نسيجا من الأبنية الجاهزة وحدتها المعجم « (38)، والمتعلم يمكن أن يجمع في إطار التحزيم، سبع وحدات من المعرفة المعجمية في ذاكرته القصيرة، زمن التعلم، حسب » جورج ميلر ». بينما « إيرمان وارين »، فحدد البناء المعجمي الجاهز : »في تركيب مكون من كلمتين على الأقل »(39) … لهذا دمج كراشن المعرفة المعجمية بالمعرفة اللغوية لبناء المعنى وإنتاج نص متداول(40) ،اعتمادا على نظرية شومسكي الجديدة : »برنامج الحد الأدنى » ،حيث ربط بين ملكة اللغة والإدراك والفكر؛ لأن » النحو والمعجم مظهران للغة « حسب « ويليس »، و »اللغة تقوم على معجم خاضع للنحو، وليس نحوا تخدمه المفردات، وأن النحو كبنية تابع للمعجم. » (41)، كما أكد على ذلك » لويس ، » ما دامت الكلمات تأتي لامحالة قبل البنى النحوية « (42) ،كما يرى « ليتل ».
وكان هذا التوجه إيذانا بظهور المقاربة اللغوية البريطانية ،بواسطة « سينكلار » وفريقه، حيث عد اللبنة الأساسية للمقاربة المعجمية، ليس تعلم القواعد والتواصل، والوظائف اللغوية والمفاهيم المرتبطة بها، وإنما المعجم وشرح المفردات، بالإحالة على الأشياء في الواقع، أو الصورأو الربط بالأفكار،مع توظيف تقنية الترديد، والتصريف، والإبدال. لهذا إذا ركز المدرس كثيرا على النحو، فإنه يمكن لعملية توليد المعنى أن تتأخر »(43)، فمن المنطقي « أن تكون نقطة البدء من المعجم، وأن النحو ما وضع لخدمة الكلمات، وليس العكس » (44).
Aucun commentaire