العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة : الرؤية المغربية في التدين تتوخى ما يجمع ولا يفرق
سمير بنحطة
وجدة – قال العلامة مصطفى بنحمزة إن الرؤية المغربية في مجال التدين انتهت إلى ما يجمع ولا يفرق، إذ اصطفت المذهب السني، كغطاء عقدي، والمذهب المالكي كسلوك فقهي وعقيدة، والمذهب الأشعري الذي عالج قضايا فكرية وعقدية، أهم خصائصها أنه لا يكفر أحد من أهل الملة بذنبه.
وأوضح السيد بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الاختيار المغربي جاء نتيجة علم بالتيارات والأفكار والمذاهب، التي حاولت أن تستأثر بالحياة الدينية في المغرب بعد دخول الإسلام إليه، “فكان ضروريا أن تلتقي الأمة على شيء واحد، لأن القبول بالفرقة والتشتت والخلاف يعني أن الأمة لن تنجز شيئا في مستقبلها”.
وتابع أن المغرب اصطفى المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية منهجا، والتي لا تكفر الناس بذنوبهم، وهو ما فتح المجال واسعا لإشاعة قيم التسامح والتعايش، بعيدا عن التكفير ذي التداعيات الخطيرة في الخصومات.
العلم الشرعي.. ضرورة حياتية
وأبرز المتحدث، أن المغاربة استطاعوا بفضل هذا الاختيار أن ينصرفوا إلى البناء، فكانت جامعة القرويين التي لم يعرف عنها شذوذ ولا خصومة ولم تزرع خلافا، لأن تلك المقومات الجامعة كانت حامية، وقد كان الناس مقتنعين بذلك، ولم يكونوا أبدا مجبرين.
وألح العلامة المغربي على أن جانب الحفاظ على الاستقرار هو المقصود من هذه التوليفة التي تشكلت، مشددا على أن الوحدة والاجتماع وسلامة وأمن الناس، وأن يصلوا في مسجد واحد، هي المقاصد السامية لهذا النموذج المغربي، إذ “ليس في المغرب مسجد للشيعة وآخر للسنة وثالث للخوارج”.
وفي السياق ذاته، قال بنحمزة “حين أسمع عن حقوق الأقليات يزعجني هذا الكلام .. الأقلية يجب أن يكون لها حجم لتكون أقلية، أن يوجد شخص هنا وشخص هناك لا يجعل منهما أقلية. وأن تكون لهذا الشخص ارتباطات لا يجعل منه أقلية. هذه أشياء تريد تفكيك هذه الوحدة. إن الوطن يجب أن يحافظ على وحدته وسلامته وعلى أمن الناس، لأن سلامة البلد مقدمة على كل شيء”.
وفي رده على سؤال حول الأدوات الكفيلة بتمنيع الشباب من السقوط في مهاوي التطرف، قال عضو المجلس العلمي الأعلى “يجب أن نتفق أن النموذج المغربي في التدين مفيد. ثم يجب أن نفسح له المجال في التعليم”، قبل أن يتساءل “من يدرس الأشعرية مثلا في المدرسة المغربية؟ ومن يدرس المذهب المالكي في شساعته؟”.
وتابع “لا يمكن أن ترجو غلة شيء لم تزرعه. الزراعة هنا هي التمكين لهذا النموذج. يجب أن لا نعبث بالزمن وأن نكون جادين وصادقين. إن النموذج المغربي في التدين يتسم بالرصانة والناس أصبحوا يأتون إليه، وكأنهم ملوا من النزاعات وخافوا على مستقبلهم ولم يعودوا يسمحون بالمجازفات”.
وشدد على أنه “لا يمكن أن يتم التعاطي مع ظاهرة إنسانية قوية بهذا النوع من الإغضاء. أي أن يفعل الناس في الدين ما يشاؤون”، وأن “الدين واقع إما أن نضبطه أو يضبطه آخرون”.
وأضاف بنحمزة “يجب أن نأخذ الأمر بجدية، أن نأتي بالأئمة ونعيد تكوينهم أمر بالغ الأهمية في هذه اللحظة، لكن يجب أيضا أن تكون عندنا مؤسسات علمية لتعليم الشريعة الإسلامية واللغة العربية في باريس مثلا، على غرار ما تقوم به الديانات الأخرى”، ملحا على الحاجة إلى التمكين للعلم (الشرعي) في المدرسة والثانوية والجامعة (..) حتى في كليات الطب ومعاهد الهندسة يجب أن يتعلم الناس الشريعة، لتمنيع الشباب من السقوط في براثن التطرف”.
التراث الديني: قراءات متعددة
وهنا، تثار قضية قابلية النصوص الدينية لقراءات متعددة. ويؤكد رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة، في هذا الصدد، أن قراءة النص الديني يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية. “ينبغي أن لا نفعل الشيء ونقيضه”، يضيف المتحدث، قبل أن يوضح أن هناك متطرفين يقدمون قراءات خاطئة في التراث الديني، وهناك آخرين يقولون أشياء متطرفة بزعم الجرأة والحرية في التفكير، وهم يفككون وحدة هذه الأمة، هؤلاء الذين يتحدثون في المسائل الدينية، في الإرث والصلاة وعن الإمام البخاري!”.
وتساءل بنحمزة “ألا يكف هؤلاء؟ (..) ومنهم من يبرز في الإعلام وليس من أهل الاختصاص ولا صلة له بهذا العلم (الشرعي)”، داعيا إلى إقامة ندوات للنقاش تقوم فيها الحجة على من لا برهان له.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان ذلك يعني أن ثمة قراءة واحدة للنص الديني، ألح العلامة المغربي على أن ثمة قراءة علمية للنص تحتكم إلى الضوابط الشرعية وهناك قراءات غير علمية.
وأكد أن اللغة، مؤسسة مجتمعية لا يعبث بها الناس. “فعند التواصل، يتفاهم الناس لأنهم يحتكمون للغة واحدة، وإلا صار كل واحد منهم كأنه في جزيرة معزولة لا يستطيع إلى التفاهم مع الآخرين سبيلا”.
وشدد على أن الحرية مسؤولية، وتأتي بناء على وعي، لافتا إلى أن الحرية، بهذا المعنى، متاحة ولكن بعد بذل الجهد في الدراسة وأخذ الدين من مصادره.
وألمح عضو المجلس العلمي الأعلى، في هذا السياق، إلى أن ما كتبه المتخصصون في علم أصول الفقه استفادت منه المدارس الغربية، مستغربا أن يعمد إلى هدم النص من “لم يشم رائحة” أصول الفقه، ذلك أن سمة العلم هي الدقة. وإن من يسعى -بحسب بنحمزة – إلى صناعة لغة غير دقيقة، إنما يتوخى صناعة لغة غير علمية، بل لغة فوضوية، حتى إذا قال القائل “إجلس”، على سبيل المثال، كان لك أن تفهم منها “قف” أو “نم” … !
العلماء.. أهل الاختصاص
وبالعودة إلى التراث الفقهي ومنهجية التعاطي معه، يؤكد بنحمزة أن الحديث عن سند البخاري، وما كتب فيه، يستغرق ساعات طويلة، فقد روى عنه كتابه تسعون ألفا من الرواة. “ونحن المغاربة لدينا روايات خاصة. أصح رواياته وآخر من أخذ عنه هو الفربري، ونحن أخذنا بروايته، وهي أصح الروايات وأوثقها. كما أخذنا الموطأ من آخر رواته وهو المغربي الأندلسي يحيى بن يحيى الليثي. ولذلك علومنا موثقة”.
وقال إن “كل من يتحدث في الإسلام بغير علم فهو فوضوي .. لابد أن يكون له علم بالشريعة وعلوم القرآن، فكيف يعقل أن يتحدث في الدين من يخطئ في كل آية ثم يزعم أنه مجتهد؟.. إنه لأمر عجيب، أن يدعي بلوغ مرتبة الاجتهاد من لا يقيم الآية على لسانه، مع أن العلم بالقرآن شرط لا غنى عنه لمن يصبو إلى ذلك المقام”.
وتوقف العلامة المغربي، في هذا الصدد، عند “الحسبة في العلم” التي كانت قائمة في ما مضى، مشيرا إلى أن المحتسب كان يمر بالمساجد ويسأل من يتحدث إلى الناس عن مشيخته (عن من قرأ)، فإن علم أن له مشيخة أجازه وسمح له بأن يجلس على الكرسي (ويقال له صاحب كرسي)، وإذا لم يجده كذلك وكان يحفظ شيئا من القصص، قال له تعظ الناس إن شئت، في جانب من المسجد “واقفا”، ولذلك كان الفرق جليا بين العالم والقاص.
واستنادا إلى هذه الرؤية، يؤكد مصطفى بنحمزة أن تفكيك خطاب التطرف، في جانب الفهم العنيف للدين وجانب التحلل من الروابط الدينية، يكون بالعلم، وبلا تعنيف ولا خصومات، لا سيما من خلال برامج علمية يتحدث فيها العلماء في موضوعات محددة، غير الوعظ والإرشاد، من قبيل الجانب التربوي والجانب المالي والسلوك العام في الإسلام وغيرها.
إن الدين، وفق هذا المعنى الجامع، علم ومعرفة ويقظة وموقف يكون له أثر إيجابي في المجتمع. والمواطنة هي جزء أساسي من فهم الدين. لأن المواطنة هي وفاء للأرض، والدين هو أصل الوفاء. إنها ليست مجرد شعارات، لأن الحياة المواطنة الصادقة مرتبطة أساسا بالدين، وهي تقوم على الصدق الذي هو جزء من الدين، بحسب ما يرى العلامة المغربي.
Aucun commentaire