في دلالة التوشيح الملكي لثلاثة من ممثلي الديانات السماوية بفرنسا.. إبراز للوجه المشع للتعايش الديني في المغرب
في دلالة التوشيح الملكي لثلاثة من ممثلي الديانات السماوية بفرنسا.. إبراز للوجه المشع للتعايش الديني في المغرب
الملك محمد السادس نصره اللهفي إشارة لافتة تبرز الوجه المشع للتعايش الديني في المغرب، قام جلالة الملك بتكليف الأميرة للا مريم بتسليم أوسمة ملكية لثلاثة من ممثلي الديانات السماوية بفرنسا ” الاسلام والمسيحية واليهودية” ، وهكدا تم توشيح كل من خليل مروان إمام مسجد إيفري وميشيل سرفاتي حاخام ريس أورانجيس وميشيل دوبوست أسقفإيفري بوسام العرش من درجة ضابط .
في دلالة هدا التوشيبح تأكيد على أن المغرب كان ومايزال أرض التسامح الديني وتالاقح الحضارات بامتياز تعايشت فيه الأديان بشكل قل نظيره في أرض المعمور، ولم يعرف المغاربة في تاريخهم عدوانا على مسجد أو كنيسة أو كنس يهودي، ولم يسمعوا عن فظائع الإقتتال الديني إلا في ما يتناهى إلى أسماعهم من روايات خارج حدودهم، وحتى عندما علا نجم الكنيسة زمن الاحتلال الفرنسي للمغرب استمرت هبة المساجد وقدسيتها، وروعيت حرمة الكنائس اليهودية والمسيحية .
بل إن المغرب وبموقف صلب من الملك محمد الخامس طيب الله ثراه انتصب سدا منيعا في وجه طوفان العنصرية الدينية وعداء اليهود الدي أغرق أوروبا وفرنسا منها زمن النازية الألمانية وحكومة فيشي الفرنسية، فتحطمت موجة إضطهاد اليهود القادمة من أوروبا على صخرة أسوار المغرب القوية بالقيم الراسخة والتقاليد الثابتة .
وفي المنعطف الحضاري الدي يعيشه عالم اليوم وبسبب شيوع التعقيدات والتوترات في العلاقات الدولية والصراعات بين الأمم والأديان ، ظل المغرب الوجه الناصع في تعايش الأديان الثلاث وقد نجح المغرب في تسويق صورة مشرفة عن التعايش والتسامح الديني .
ويمكن القول بكل ثقة أن سر هدا النجاح والتألق المغربي في تجربة التسامح الديني وريادته الدينية العالمية والحضارية يجد تفسيره الفكري والثقافي والعقائدي والمؤسساتي في إمارة المؤمنين التي طالما استطاعت أن تجسد دلك الوجه الناصع والصورة المتألقة في استيعاب كل الأطياف الدينية والمدهبية على مر التاريخ، كما جسدت إمارة المؤمنين بالمغرب دلك التوازن الدقيق والصعب في النهج والسلوك السياسي والديني في الجمع بين منافع الفكر الانساني والخصوصية الدينية لكل من الاسلام واليهودية والمسيحية، ودلك من خلال النهل من التجارب الدينية المغربية العريقة التي تعكس السلوك الاجتهادي لمؤسسة إ، مارة المؤمنين ومرجع هدا التوازن والتألق في التجربة المغربية يعود الى مؤسسة البيعة التي شكلت على الدوام تلك الرابطة الروحية الدينية المتينة التي جمعت بين المغاربة وملوكهم ، دلك أن المواطن المغربي سواء كان مسلما أو يهوديا أو مسيحيا يستشعر فيها ويستحضر دلك العهد المقدس والولاء المكين والحب الصادق والرباط القوي على مدى أجيال وقرون، وقد اعترف بهده الحقيقة باحثين ومفكرين ومستشرقين غربيين منصفين، فهدا روملاندو ” أحد المستشرقين الفرنسيين” يؤكد في إحدى دراساته أن الأسرة الملكية بالمغرب كرست تاريخيا مفهوم الدولة الوطنية المستندة إلى الشرعية الدينية من خلال التفاعل بين الدين والتاريخ ، فالسلطان في المغرب يعتبر زعيما سياسيا كما أنه الزعيم الروحي للأمة، وهدا المعنى الأصيل والعميق والتاريخ العريق للدولة المغربية هو الدي جعل هده الاخيرة تحافظ على استقلالها عن المشرق رغم قوة النفود الديني والعسكري للإمبراطوريات التي حكمت هدا المشرق باسم الإسلام .
ان هدا التفاعل بين الهوية الدينية والهوية السياسية هو الدي مكن المغرب أكثر من أي عامل آخر لكي يصبح أمة لها ميزاتها الحضارية الخاصة التي تجمع بين مكوناتها الروحية من جهة، والانفتاح على الفكر الانساني من جهة أخرى . وهو التفاعل الدي يشكل اليوم المرجع الأعلى الدي يحمي الدستور ومؤسسات الدولة المغربية ويمنحها ريادة دينية و تلك الرؤية الثقافية والحضارية التي تستند عليها في إطار العلاقات الدولية في وقتنا الراهن .
خالد الزاوي
Aucun commentaire