(عندما اعترف فولتير و هيكو بعظمة النبي محمد (ص
واقعة » شارلي ابدو » – المدانة أخلاقيا ودينيا – والتي عاشتها فرنسا يوم 07 يناير 2015 , أعادت إلى الأذهان المواقف الايجابية لبعض كبار الأدباء والمفكرين الفرنسيين من الدين الإسلامي وشخصية النبي محمد (ص) , وسأقتصر على اثنين من هؤلاء العمالقة الذين بصموا الأدب الفرنسي ودخلوا تاريخه من بابه الواسع وهما فولتير و فيكتور هيكو .
فرنسوا ماري أرويت المعروف بفولتير (1694-1778) , كاتب وفيلسوف فرنسي من رواد عصر الأنوار في القرن 18 يحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية الفرنسية و العالمية , وهو المناهض للتعصب الديني من خلال مؤلفاته في الأدب و الشعر والمسرح …الخ , كما اعتبر من رواد الثورة الفرنسية إلى جانب جان جاك روسو .
في البداية كانت أفكاره معادية للإسلام وألف سنة 1742 مسرحية حول شخصية الرسول محمد (ص) تضمنت الكثير من الانتقادات الغير مبنية على أسس علمية دقيقة بل مستوحاة من أفكار كنسية مدسوسة هدفها الإساءة للإسلام ونبيه , حتى أن الإمبراطور نابليون صرح بأنه لا يحب هذه المسرحية لأنها عبارة عن كاريكاتير .
وهذه الانتقادات هي التي دفعت فولتير لتعميق أفكاره حول الإسلام , بأبحاثه الشخصية بعيدا عن المصادر الموروثة عن العصور الوسطى , وقد حدث تحول عميق في فكره وقناعاته جعلته يشيد بالنبي محمد (ص) ويهاجم المسيحية معتبرا إياها ديانة أكثر تفاهة وأكثر عبثية والأكثر دموية لم يسبق للعالم أن ابتلي بمثلها ( رسالة إلى فريدريك الثاني ملك بروسيا بتاريخ 5 يناير 1767) , وعكس ذلك مدح الديانة الإسلامية التي تقوم على وحدانية الله والإيمان بمحمد رسول الله و أركان الإسلام الخمس , رافضا الكاريكاتير والشرك بالله مؤكدا على التسامح والصدق الذين يميزان الشريعة الإسلامية التي جاءت لنشر مبادئ التضامن والتازر, وبفضل ذلك استطاعت في اقل من قرن من الزمن من غزو إمبراطورية الرومان الشاسعة الأطراف ونشر تعاليم الديانة السمحة التي جاءت رحمة للعالمين .
ويضيف بان محمد (ص) أعظم شخصية عرَفها التاريخ، وأكمل رجل عرفته الإنسانية على الإطلاق فقد أرسى أركان الدولة الإسلامية ولعب دورا
كبيرا في تثبيت دعائمها وغير وجه جزء من العالم منتصرا في المعارك التي خاضها ضد جيوش يفوق عددها عشرات المرات عدد جيوشه وزلزل أركان الإمبراطورية الرومانية وكان مشرعا لآسيا وإفريقيا وجزءا من أوروبا .
هكذا يكون فولتير الذي ارتبطت اللغة الفرنسية باسمه قد انتصر لنبي الإسلام (ص) , مؤمنا بصدق رسالته ومكارم أخلاقه , قبل ا ن يأتي زمن يتطاول عليه الأقزام من دعاة حرية الرأي المفترى عليها والتي تقوم على سياسة الكيل بمكيالين ولا يحتج بها إلا عندما يتعلق الأمر بالإسلام ورسوله وكأن الهولوكست أصبح أكثر قداسة منه كما ورد في مقال للصحفي عبد الباري عطوان .
وفي نفس السياق عبر فيكتور هيكو (1802-1885) احد اكبر كتاب اللغة الفرنسية و الذي لعب دورا هاما في السياسة والأدب خلال القرن 19 عن إعجابه بشخصية الرسول سيدنا محمد (ص) في قصيدة شعرية نشرت سنة 1858 في ديوانه » أسطورة القرون » ضمنا بعضا من صفاته (ص) كالتواضع والعدل و الحكمة والحلم والتسامح رغم انه أوذي وكان ضحية الكراهية والحسد , الشيء الذي لم يمنعه من مواصلة حمل الرسالة السماوية ولم يتراجع على حد قوله حتى ولو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره , وبعد صمود دام أربعون سنة جاءت ساعة الوداع وعلى لسانه شهادة لا اله إلا الله محمد رسول الله , خاشعا في صلاته وفرحا بلقاء ربه .وقد ختم هيكو قصيدته بالأبيات التالية ..
Et l’Ange lui dit : » Dieu désire ta présence.
– Bien « , dit-il. Un frisson sur les tempes courut,
Un souffle ouvrit sa lèvre, et Mahomet mourut.
والقصيدة مترجمة إلى لغة الضاد يمكن للمهتمين الاطلاع عليها في المواقع الالكترونية عبر محرك البحث كوكل .
و لفيكتور هيكو قصيدة أخرى في مدح الخليفة عمر بن الخطاب لا يسع المجال لسبر أغوارها .
ونستشف مما سلف بان الرسول (ص) حضي بالتوقير والاحترام والثناء من طرف كبار الكتاب والمفكرين الغربيين في زمن كانت فيه أوروبا تعيش عصورها الوسطى ومحاكم التفتيش وبيع صكوك الغفران , ولم يحل ذلك دون إحقاق الحق على لسان كبار فلاسفة عهد الأنوار ورواد الفكر والسياسة المنظرين للثورة الفرنسية وثقافة حقوق الإنسان والحريات العامة .
فهل نعتبر ما يحدث حاليا بفرنسا انتكاسة أوأزمة في المفاهيم والقيم عندما يؤاخذ المسلمون عامة على أفعال فئة دفعتها ظروفها الاجتماعية ومعاناتها من الفقر والبطالة والتهميش والعيش في الغيتوهات إلى طريق التطرف بتأطير من طرف عناصر شربت من معين الفكر الراديكالي البعيد عن الدين الإسلامي ومبادئه التي تدعو للتسامح والتعايش ونبذ العنف وهي فئة وفرت لها الدول الغربية ومنها فرنسا اللوجيستيك والحماية تحت غطاء العلمانية وحرية المعتقد , وها هي اليوم تكتوي بنيرانها بعد أن تشبعت بايديلوجيا القاعدة وداعش وفتاوى شيوخ الظلام وقنوات البتر ودولار وغيرها من الخوارج , فهي ماركة غربية مسجلة ولا صلة لها بالأمة الإسلامية التي يطالب منها اليوم الاعتذار بعد حادثة شارلي ايبدو و متجر الكاشير اليهودي , نحن ضد الإرهاب والقتل لأي سبب من الأسباب , ولكن لا تحملونا ذنب أشخاص – ساهمتم في صنعهم – فلا تزر وازرة وزر أخرى . وهل اعتذرتم انتم عن ما ارتكب من مجازر في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واللائحة طويلة ؟ وقبله إبان الحقبة الاستعمارية الغاشمة كم قتلتم في الجزائر والمغرب وتونس وباقي الدول المستعمرة ؟ انه غيض من فيض بما طفح به الكيل من اهانات بعد مسيرة النفاق العالمي التي شهدتها عاصمة الأنوار غداة الاعتداء الإجرامي والتي أصر المشاركون فيها وفي مقدمتهم نتنياهو و ليبرمان مجرمي حرب غزة على الاستمرار في اهانة المسلمين , و لكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين , وقد كان موقف المغرب موقفا شجاعا ومشرفا بعدم المشاركة في هاته المهزلة العالمية بعد تقديم واجب العزاء كما يحث على ذلك الدين الإسلامي الحنيف .
أما الأسبوعية الساخرة التي كانت على حافة الإفلاس و التي عادت لرسوماتها الكاريكاتورية للرسول (ص) لزيادة مبيعاتها مستغلة الظروف الحالية فان دل ذلك على شيء فإنما يدل على انحطاط مستوى القائمين عليها ومن يقف وراءها , وان تجارتهم تجارة بائرة , فرسولنا الكريم لن تنال منه سخريتهم فقد طهره الله واصطفاه على العالمين , كما انه أوذي في حياته على يد الكفار وتحمل الأذى , ولن تضره ترهاتهم اليوم أو غدا , فالعصمة لا تكون إلا لنبي .
كما أن الإسلام دين رقي سلوكي وأخلاقي , والمسلمون الحقيقيون لن يسقطوا في فخ الاستفزاز وردود الأفعال .
جمال مصباح
1 Comment
لقد كان فولتير في عصره ويعتبر اليوم واحدا من فلاسفة الأنوار الذي تصدى للفكر الديني الظلامي وحارب التطرف الديني بكل ما اوتي من قوة فكرية