الرمز بين التميز و البيصارة
الرمز بين التميز و البيصارة
كثيرة هي المواقف التي غدت تاريخية لما حملته من رمزية سطرتها الصحف و الكتب
و تدارستها العقول. مواقف تلون أصحابها بين سياسيين و علماء و فنانين و رياضيين و مشاهير و مواطنين عاديين. مواقف كانت صنيعة اللحظة فتجردت من الصناعة و التصنع مواقف « بيو » طبيعية دون ملونات و لا نكهات تعبر عن مشاعر خالجت أصحابها و أفكار تملكتهم. مواقف كان الغرض منها تغيير واقع أعوج أو موقف أعرج. لكن بالمقابل انزوى بعضهم في ما يشبه العجز و التقليد الذي لا يمكن أن يأتي بجديد يتقمص سلوكيات و أفعال علها تدخله التاريخ فتفرد له الجرائد صفحاتها تنويها و إشادة ففقد الموقف رمزيته
و عوضت الصنعة الطبيعة فغلب الطبع التطبع.
و لسنا هنا للدفاع عن الرمزية و الإيحاء كمذهب فلسفي بل نعرض مجموعة مواقف دأبت الصحافة رصدها غير ما مرة فكانت مدعاة للتفرد و التميز لدى أشخاص كثر كما هو الحال لرئيس أوروغواي العجوز الذي يحتفظ بسيارة تفوقه عمرا و يأبى بيعها بمليون دولار لشيخ عربي يقيم كل شيء بالمال و يحسب المسكين أن ما لا يبلغه الرجال يدركه المال.
و يدفع أمير عربي آخر نصف مليون دولار لأجل أن يجلس ربع ساعة لا غير بجوار الممثلة كريستين ستيوارت و تقبل الأخيرة العرض لا لمجالسة الأمير و تجاذب ملح الحوار برفقته و لكن لجمع تبرعات لضحايا إعصار ساندي فأين أخلاق الأمراء بين الاثنين؟
القذافي على ما اعترى حكمه من طرائف و حماقات كما الفظائع فعلها ذات مرة و صنع ما تمناه العديد من شخصيات هذا العالم و مزق ميثاق الأمم المتحدة كناية في من سطروه
و بين في حركة رمز ما لم تبينه ملايين الكلمات أن دستور العالم لا يمكن أن تكتبه بضع دول انتصرت في حرب قتلت الملايين. همجية رآها البعض و حماقة أخرى تضاف إلى رصيده المثقل بقلة العقل يقول الآخر لكن من يتريث لوهلة و يحكم عقله سيتبين أن ما قطعه القذافي لا يعدو أن يكون دستورا حاكته أيد طاغية لتحكم به العالم بتعلة أنها هي من دكت جيوش هتلر.
صدام رحمة الله عليه رغم ما قيل عنه من ماض أسود يبقى موته و بتلك الطريقة دافعا جعل العدا قبل الصحب يسلمون بقوة الرجل و بأسه و يقفون احتراما للرجل الذي عاش أسدا و مات أسدا و كان بحق رمز العروبة الذي ذبح وسط تضارب مصالح الغرب
و الشرق .
غاندي و إن كان الشخص في حد ذاته رمزا و لا يحتاج إلى مواقف لتميزه أطلق ثورةالملح فكانت مسيرة حتى الاستقلال ألفت بين الهنود ضد عدوهم الأوحد الإنجليز.
علال رمز « ولد الحومة » الذي اشتقنا لصولاته و حكاياته. علال الذي أنقذ حيا بكامله بعد أن غطس وسط الأوحال و المياه الجارفة ليتمكن البطل في زمن الأنانية و الجبن من فتح المجاري و تلافي غرق الساكنة كما الديار.
فكان جزاءه أن قلدته صحافتنا الموقرة بوسام القادوس ليموت الرمز و البطولة وسط إعلام المجاري كما يلقبه إخواننا.
بيد أن ما يفعله ساستنا و مشاهيرنا الآن هو رسوم و صور من قبيل السيلفي يتباهى بها على صفحات الفيسبوك و تويتر و هلم جرا.
و حتى الجرائد التي تعمد إلى تناقل هكذا أخبار ترويجا لهكذا سلوكات هي إما ضالعة في الانحطاط و الضحالة أو ساعية وراء سبق اصفر أو ناقمة تبغي الهزء و السخرية.
فمن بني علمان و مهرجان القبل الذي و إن تراءى لأصحابه أن ثمة رمزية له فهو ليس سوى خروجا على المألوف الذي لا يرفع صاحبه بقدر ما يجعل منه يغرد خارج السرب
و لتعذرنا العصافير. هي مناشدة للاختلاف مهما ضلعت الطريقة في الابتذال و حمق و سفه من نوع آخر يجسد عدم قدرة على الانضباط و التعامل مع مجتمع تحكمه ضوابط و قوانين يحترمها الجميع
إلى سياسيين شاخوا و ترهلت أكاذيبهم و حيلهم فصاروا يلتقطون الصور تلو الصور بمعية أطفال يقدمون لهم الهدايا و اليوغورت… و نعم التضامن و التآخي الذي يخرص بمجرد أن يخرص صوت آلات التصوير. و آخرون متحلقون حول مائدة و قد توسطتها أكلة البيصارة و لسان حالهم يقول أن الاستوزار لم يقتل فيهم شعبيتهم و تقاسمهم و المواطن البسيط الآلام و « البيصارة » كما الآمال و « الكروفيت ». و لنسلم فرضا أن البيصارة موضوع الحديث كانت معدة للأكل لا للتصوير فقط فما يغفله الوزراء الموقرون أو يتغافلونه هو أن البيصارة و أخواتها تكاد تكون طبق اليوم كل يوم و كل وقت للمواطن- البسيط -بينما يتهافت عليه السادة الوزراء- المركبون -بين الفينة و الأخرى من باب التغيير أو التباهي و ربما الاكتشاف المثري أو لدرء العين و العين حق.
كلها تصرفات دأب أصحابها على إتيانها لكن ما تلبث الأيام أن تكشف زورهم و نفاقهم كونها لم تنبع عن صدق و لم تصدر عن إيمان. و مصير رمزية البيصارة و القبل النسيان كما أصحابها. لأن الرمز قرين بالإنسان الإنسان السوي لا غير.
Aucun commentaire