الجزائر مجرد حزب سياسي مغربي
رمضان مصباح الإدريسي
في الأدبيات السياسية الجزائرية يحيل مصطلح جماعة وجدة على وضعية انقلابية تحكمت في بناء النظام السياسي الذي سارت عليه الدولة المستقلة؛منذ التاسيس والى يومنا هذا .تم الانقلاب على الشرعية التاريخية لقادة جبهة التحرير الوطني من طرف ما يسمى جيش الحدود،أو الخارج الجزائري بقيادة الراحل هواري بومدين .
قضت الحتمية التاريخية والسياسية أن يُعمر هذا النظام الى أن يستهلك كل قادته ؛وقضت أيضا أن تتماهى نهايته مع الوضعية البدنية التي يوجد عليها ساكن قصر المرادية ،والوضعية السياسية العبثية التي اشتغلت بكل طاقتها الإنتاجية لِتُجدد له العهدة الرئاسية ،مادام حيا على ما يبدو.عبث داس على الدستور وعلى كرامة وأنفة الشعب الجزائري.
إضافة الى هذا الاشتغال الجزائري الجزائري لمصطلح جماعة وجدة – وبسببه أيضا- أصاب الدولة ،الفاقدة للشرعية التاريخية، مَس من المغرب يجري فيها مجرى الدم في البدن .
لقد سبق أن تحدثت ،في مقال سابق،عن كون الجزائر الحالية هي الجزائر المغربية ؛في انتظار أن يسقطها الشعب الجزائري، لبناء نظامه وجزائره التي حلم بها القادة التاريخيون ،وآخر قتلاهم المرحوم بوضياف. جزائر تستعيد شرعيتها وسلطة الشعب ،وتعيد للآصرة المغاربية كل العنفوان الذي كان لها أثناء معارك التحرير ،حيث كانت خرائط المستقبل ترسم بمداد المحبة والمصير المشترك.
لقد بنيت الدولة المسروقة على أسس واهية ،منها كراهية المملكة المغربية ،كراهية لا مبرر لها عدا تملق المد الاشتراكي العالمي،والناصري العربي، الذي نسب كل الملوك للرجعية .من الصعوبة بمكان ،اليوم، أن يتخلص النظام الجزائري الحالي من كراهية لازمت منشأه وشبابه وكهولته وشيخوخته.
في مقاربات ميدانية لفهم « جماعة وجدة » كما عاشت في المغرب ،وليس في وجدة فقط ؛وهي المقاربات التي تأتت لي بمجالسة عدد من المسنين المغاربة ،وخصوصا المقاومين منهم- بوجدة والقنيطرة- وجدت نفسي،في الحقيقة، أمام جماعة مغربية –قادة وأتباعا- مندمجة كلية،ثقافيا،اجتماعيا واقتصاديا، مع المغاربة .
ومندمجة سياسيا أيضا الى درجة المشاركة في احتفالات عيد العرش ،التي تتضمن بيعة السلطان؛بكل عفوية ،وبنفس الشحنة الوطنية التي كان المغاربة يصدرون عنها للتعبير عن تمسكهم بآخر الرموز التي بقيت خالصة لهم ،حينما داس الاستعمار على كل شيء.
يحدثني المقارم الجابري، بالقنيطرة،وقد خالط العديد من قادتهم وعامتهم ، عن الأمل الكبير في التحرير، الذي كانت جزائر الداخل المغربي تعقده على السلطان محمد الخامس، أكثر مما تعقده على مجاهديها في جبال الأوراس وغيرها. وحينما أقدم المستعمر على التنكيل بالعرش المغربي كانت مأساة الجزائريين أعظم لأنهم أدركوا مضمون الرسالة الاستعمارية الموجهة إليهم .
من هنا منشأ فكرة الوحد ة بين الشعبين لدى بعض القادة ،ومبايعة محمد الخامس ملكا على الجزائر والمغرب.ومن هنا أيضا رفض الملك العائد الى عرشه كل المساومات الفرنسية للتخلي عن دعم الثورة الجزائرية.ولو كان الوضع معكوسا
لباعتنا الجزائر الانقلابية بأبخس الأثمان ؛وقد فعلت حينما ألقت في وجوهنا بعرف الأدغال الإفريقية:التمسك بالحدود الموروثة عن الاستعمار.
وكامتداد لهذا الاندماج السياسي أقبل جزائريو الداخل المغربي على النضال داخل حزب الاستقلال المغربي ؛ولعل بوتفليقة كان من الناشطين ضمن شبيبة الحزب بوجدة ،على حد رواية يمكن أن يؤكدها هذا الحزب وثائقيا.
ومما يؤكد هذا الاندماج ،الذي سيكون له بالغ التأثير في بناء دولة الجزائر المستقلة،كما أسلفت، الارتباط بين التيار اليساري المغربي المنشق عن حزب الاستقلال –باعتباره كان حزبا للشعب والمخزن معا- وجماعة وجدة ؛خصوصا حينما انقلبت على القادة التاريخيين و سرقت الدولة.يتوقف المرحوم بوضياف ،في كتابة »الى أين تمضي الجزائر »عند هذا الارتباط ،الذي يفسر جزئيا حرب الرمال.
حتى الأسلحة التي كانت تعبر إلى التراب الجزائري المستعمَر ،من المغرب،كان مغامرو اليسار المغربي يرون لها استعمالا مستقبليا آخر عدا تحرير البلاد.وليس صدفة أن يلجأ خصوم الملكية إلى جزائر هواري بومدين ،إيذانا بسنوات الرصاص الداخلية والخارجية. انتهت الأولى الى « المراجعات الفكرية « ،ولجان الإنصاف والمصالحة ،والحكومة التوافقية. وقد عرف بوتفليقة كيف يستلهم سياسة « الوئام المدني » من منحى المغرب ألتصالحي مع اليسار ؛لكن دون أن يُشغل وئامه مغاربيا لتطبيع كل العلاقات،وتجاوز كل العقبات التي عرفت منشأها مع الانحراف السياسي لجماعة وجدة،حينما استتب لها أمر الدولة ،ودُعي لها ،زورا، على منابر جبهة التحرير.
لماذ؟
لأن دولة الجزائر ،والى يومنا هذا،تشتغل كحزب سياسي مغربي يساري؛يكمل ما حلم به قادة اليسار المغربي، المنشق عن حزب محمد الخامس وعلال الفاسي . عاد يسارنا الى سيرته الأولى ،وتدارك خسارة السنين العجاف ،دون أن يعني هذا نهوض الوطن كلية من كبواته الديمقراطية .
في حين ظل حزب مغربي اسمه الجزائر، يواصل تجاهل التاريخ وكل سنن التطور. ولعل هذا الحزب لا يعدم في المغرب اليوم ،على مستوى اليسار الراديكالي،من يحمد انجازاته في مجال تضييق الخناق على المخزن المغربي،حيثما تحرك .
أصولية سياسية جزائرية لا محيد عنها الى أن تفضي الى نهاياتها الحتمية،التي لاحت بداياتها:
اشتداد الأزمات الاجتماعية ،السياسية،وغدا الاقتصادية .ثم سقوط نظام الحزب المغربي لتنهض الجزائر المدنية،جزائر الحرية و العدالة التعددية . هذه الجزائر هي التي ستقطع مع النسخة المغاربية لسنوات الرصاص.
ان المتتبع للصحافة الجزائرية سيلاحظ – من تأثير الحزب المغربي- أنهم ،حينما يهاجمون المغرب يوظفون مصطلح « المخزن » ،ويحملونه كل المسؤولية ،حتى وان كانت من اختصاص الحكومة.
لو درست جزائر الداخل المغربي بكل العمق السياسي والاجتماعي المطلوب لتم تأكيد فرضيتي هذه:
إن الذي يعرقل كل جهودنا –ليس في الصحراء فقط- ويُعد كل العدة الهجومية ل « سحقنا » برا وجوا وبحرا؛ليس جزائر الشهداء،التي خبرت الظلم ،وناضلت من أجل الحرية والعدالة والمساواة ،لأن هذه الجزائر لم تتأسس بعد.
إنها جزائر الحزب المغربي الذي انشق بدوره عن حزب الاستقلال ،ورحل الى دولة الشرعية الثورية والتاريخية ليصفي كل قادتها التاريخيين ،باعتبارهم ملوكا رجعيين.
وكان الصدام الأول للحزب- وقد أصبح دولة- مع الملكية في حرب الرمال. وسيتوالى الصدام بصحراء أو بدونها الى أن
يموت آخر مناضل في هذا الحزب.
سيظل كل إقصاء لهذه الأصولية السياسية الجزائرية ،في مسار الفهم الأممي لملف الصحراء المغربية ،نقيصة لا تجوز في حق هيئة دولية يفترض فيها صيانة الحقوق الشرعية والتاريخية ،وصيانة بيضة الاستقرار في منطقة مغاربية وعربية ملتهبة.
وإذا كان القصور لا يزال لصيقا بهذه الجهود ،وهي أممية محايدة ،فمن أين للاتحاد الإفريقي صاحب العرف الحدودي المتوحش ،والمنحاز لطرف واحد ،أن يطرق باب المغاربة؟ لا نسمح له أن يطرق حتى تلك الموجودة في بيت المقدس.
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire