الصحراء في القلب، والقلب في الصحراء؛ ولكن..
الصحراء في القلب، والقلب في الصحراء؛ ولكن..
رمضان مصباح الادريسي
من « صوت الحسن ينادي في جبالك ياصحرا » الى همس في العتمة:
هذه خواطر مواطن مغربي يحتفظ ضمن أوراقه ،التي اعتراها البلى، بوصل الانخراط في « الحَرْكَة » الخضراء؛وأقول الحركة بدل المسيرة؛لأن المصطلح-وان من مشكولات الدارجة،التي يراها البعض أمازيغية أيضا- طافح بالتاريخ المغربي الأصيل.يوم كان المغاربة –ملوكا وشعبا- يحركون، أنى لاح العدو،وما أكثر ما اضطروا اليها (الحركة)حتى بدوا وكأنهم ولدوا فوق صهوات خيولهم.بل اتخذ أحد أفذاذ الملوك ظهر فرسه عرشا.
خواطر وليست تحليلا سياسيا ؛لأن التحليل السياسي »الأكاديمي » نتركه لساستنا الذين لم يفلحوا الا في « ارتقاء » معارج النزول في كل شيء ،ولا أعدد. اللهم لا نكاية في أحد ،ولا تشفي ؛لكن ما السبيل الى لملمة الأوجاع حينما أستحضر أننا ننتهي الى الاقتناع بالتقصير ،لكن نظل مصرين عليه وكأنه قدرنا.
منذ أوقف المرحوم الحسن الثاني المسيرة الخضراء – وأعود الى هذا المصطلح لأنه الشائع ،ولأنه يطفح سلما وديبلوماسية – ارتفع ملف الصحراء من المستوى الشعبي الى المستوى الرسمي؛منحاشا ،حتى ضمن هذا المستوى،الى زوايا معتمة؛ لم يعد المواطنون يدركون ما يجري فيها ،وربما حتى عامة رجال الدولة والسياسة.
وحينما خرج ادريس البصري ،وقد كان من رجال العتمة الأقوياء،ليقول بغربية الصحراء ،وليس مغربيتها،بُهت المواطنون ،وازدادوا يقينا بأن الصحراء التي غنوا لها فرحين، كما يغني التلاميذ في آخر يوم يسبق العطلة،لا يفقهون فيها شيئا.
نعم القضية حساسة جدا جدا،ولها مساس بمستقبل الدولة المغربية ،وبمحيطها المغاربي ؛لكن أسلوب التعامل معها ،رسميا؛هذا الذي رسخ في الأذهان رسوخ مغربية الصحراء،اياها،يظل مجرد اجتهاد رجال دولة متأثرين بزمكانية لها متطلباتها.وكأي اجتهاد يجب أن يظل مفتوحا على اجتهادات وطنية أخرى تحتكم الى نفس القناعات لكن تراعي دفق التحول ،في عالم عولمي يؤسس لقيم كونية ،لا نملك الا أن ننخرط فيها ،حتى لا يفوتنا القطار،كما قال أحد رجال سبأ غب انهيار سد مأرب .
« صوتْ الحسنْ يْنادي في جبالك يا صحْرا » من منا –خصوصا من عاش الحدث واعيا به- لا يقشعر جلده وهو يستحضر صدقية هذه الأغنية الملحمية ،وسريان لحنها في أعماق الأعماق ؛عكس ما كان شائعا ،وقتها،من أغاني المداحين .
صدقية فنية تعكس صدقية وطنية ؛لأن القوم صاروا على قلب رجل واحد ؛كل شروط « الحركة »- وصولا بها حتى الى
التضحية بالروح- كانت متوفرة.
ثم خفت الصوت ،وصارت القضية بأعالي وأسافل قل من يستجليها كلها.
حدث هذا معنا حينما غنينا- غِبَّ الاستقلال- لصاحب الصولة والصولجان؛غنينا بكل الحب الصادق ،والى اليوم لا يزال القلب يخفق حينما تستعاد الذكرى؛ لحظات التأسيس لكل شيء ؛حتى للفن « العضوي » ؛المنخرط في البناء،مزهوا حتى الثمالة.
ثم استفقنا على تهريب دولة المواطنين الى من الشمس الى الظل ،ولم نعد بعدها نسمع الا عن ناطح ومنطوح ؛واستعر اغتصاب الوطنية ،وتناسلت منها كائنات تنتمي الي ريع الوطن وليس الى رَبْعِهِ.
ما أروعها من بدايات ،ويا لخسارة من لم يعش سعادة الانتماء للوطن ،في لحظات تهفوا اليه فيها الأفئدة بنفس الذبذبات .
هل نحمد اليوم السُّّرَى؟
» لا تسقني سرا اذا أمكن الجهر »
تم الرهان في المغرب الصحراوي على أعيان القبائل ،وهم اعتبارا لوضعهم ونفسيتهم ،وقبل هذا ارثهم الثقافي القديم الذي انتهى الى الشيخ ماء العينين،معلما ومجاهدا ،مواطنون مغاربة ليسوا بحاجة الى سياسة لا تزيد على تحصيل الحاصل؛بل قد تأتي بنتائج عكسية؛ لأنك حينما تغري مغربيا، لا لشيء الا ليقول لك نعم أنا مغربي و في عنقي بيعة،تدفعه ،بالتكرار وتوالي الاغراء، الى الشك في مغربيته ،أو على الأقل الى بيع بذورهذا الشك لمن يدفع أكثر.
لم أزر الصحراء ،لكن كل الروايات تؤكد أن الدولة خلقت بها طبقة من الأعيان الأثرياء ،لم تعد الوطنية المجاهدة، التي اسسها الشيخ ماء العينين، تعني لهم شيئا ؛بل ماتت فيهم حتى بداوتهم الصحراوية الراحلة دوما مع الكثبان الى حيث ترعد وتمطر.
كائنات احترفت استدرار الريع –برا وبحرا- كما احترفت « الشانطاج » كلما لاحت القبعات الزرق ,وكتائب الشيخ « روس »،وكل باحث عن جِمال يُحَمِّلُها بحقوق الانسان ،بعد أن لم تكن تحمل غير الملح .
لم يتم الرهان على الشباب ،وعلى المرأة الصحراوية، لا لاقناعهم بمغربيتهم ،بل لتثقيفهم بثقافة مواطنيهم ،التي حرمهم منها الاستعمار. لم يسفروا شمالا الا ضمن ما سمي بأشبال الحسن الثاني ؛وهم موظفون اختاروا –لعائق نفسي ثقافي-
أن يكونوا أشباحا في أغلب الادارات التي عينوا بها. ريع آخر لم يكرس فيهم غير الكسل ،وكراهية هذا الشمال الذي لا يركب جملا ولا يقيم مرابد للشعر الصحراوي؛وحتى حينما يرقص يفضل « الكسكاس » على الكدرة.
الثقافة تصنع الكائن الثقافي ،حتى وان لم يكن مثقفا بالمعنى المتعارف عليه.
من خَبَلِ هذه السياسة ،كما حكى لي رجل سلطة في نهاية الثمانينات ,حضيت دائرته بثلاثة أشبال صحراويين, أن هؤلاء الفتية قصدوا مكتبه ليطلبوا منه – وقد اقبل العيد- أن يحضر معهم في صبيحته ،تعظيما لهم ضمن سكان القرية.. وأمام الالحاح ,والتعلميات الرسمية القبلية ،لم يجد القائد بدا من توجيه خليفته الى العرين صبيحة عيد الأضحى. ثم تطورت الأمور الى طلب غريب لا يتصور مغربي أنه سيقدم عليه : طلب الحصول على جهاز تلفاز وثلاجة.
في اي صف هم اليوم، هؤلاء الأشبال ؟ وهل متع المغاربة الذين لم يلدوا أي « بوليزاريو »،ولم يتصوروا ،ولن يتصوروا،أنهم سيقبضون ثمنا لوطنيتهم ،بكل هذه الحقوق ؟
ويتواصل الريع الى يومنا هذا ؛فحيثما تحرك اخوتنا حفدة ماء العينين الا ويتحرك الاجلال والتوقير ،والمسارعة بالخدمة
والتمتيع بأحسن الوظائف ،وأحسن علاج ،وأحسن الأحسن في كل شيء.
كان المفروض في مواطنين بكل هذه الامتيازات –ان صدقت وطنيتهم وسرائرهم- أن يسألوا عنا نحن الصامدون هنا منذ الأبد ،عن مرضانا وفقرائنا وخريجينا المعطلين ؛أن يسألوا ويحرجوا الدولة بالتنازل لها عن الريع ،ومحاسبتها على محاباتهم ،ويحتجوا على اعتبارهم مواطنين بحاجة دائمة الى « البزولة ».
يا لسخرية الوضعية ؛وكيف سيكون حالكم اذا تداعى علينا العدو؟ أتتخلفون عن « الحركة » حتى تظهر الغنيمة؟
وكان المفروض أن يكفونا شر هؤلاء المغرر بهم من طرف حكام الجزائر ؛هؤلاء الذين يبيعون- بدورهم- نضالهم للدول والمنظمات والأفراد الذين يدفعون.
كل من رغب في الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الانسان ،وحقوق الجِمال في حليب النوق ،وحقوق كثبان الرمال في الرحيل الأبدي،يقصد تندوف بعد أن يكون قد رتب سفره في أرقى فنادق العالم حيث يقيم قياديون صحراويون أشاوس لا يتقنون غير الغارة ليلا على الأفخاذ ؛كما رباهم أشبال ملك ملوك افريقيا.
رب ضارة نافعة:
ها قد تأكد أن عدالة القضية تحجبها العتمة ؛كما تأكد أن بعض الذين تحركوا في هذه العتمة ،وعلموا أسرارها ،بما فيها
المبالغ المالية العامة والهائلة التي تجففها الصحراء ،كما تجفف الرطوبة؛وبحبوحة الحقوق التي يتمتع بها علية القوم –وكلهم علية-صبحونا بمقترح مراقبة حقوق الانسان في الصحراء. في الصحراء فقط أما في غيرها فالاشادة، كل الاشادة بالاستثناء ،وبالمشاريع التنموية ،وبهامش الحريات الفردية والجماعية.
انه فعلا ريع حقوقي أممي سينضاف الى كريم عطائنا ،حتى تمطر الصحراء ذهبا وفضة وحقوقا.
على الشعب المغربي ،قاطبة،بمن فيه المخلصون في وطنيتهم من أهلنا في الصحراء،أن ينتفضوا ضد هذا الريع الأممي ،وهذه القسمة الضيزى التي تكرس التمايز بين المواطنين.
لا نستغرب مثل هذه السياسة من صقور أميريكيين ، كرهوا ايران الى درجة اهدائها العراق على طبق من الأطباق الطائرة. كرهوا ابن لادن الى درجة تمكينه من امارة طالبان لتتويجه خليفة للمسلمين.وكرهوا الارهاب في الساحل الى درجة تمتيع بؤره في تيندوف من غطاء حقوقي أممي. هم هكذا يصيبون دائما ،لكن بعد ارتكاب جميع الأخطاء؛كما قال فيهم « ونستون تشرشل » وقد خبرهم في الشدة والرخاء.
لا تعتيم بعد اليوم:
عودوا بها الى أولها الشعبي .اجعلوها قضية جميع المواطنين ،بالكف عن الريع المتجه جنوبا ؛خصوصا والبؤس يزحف علينا من الشمال الأوروبي. ان المواطن الذي يشترط ثمنا لمواطنته لا خير فيه .أفضل منه مواطن ،وان كره وطنه وحقد عليه،لأسباب ،يظل مستعدا للموت من أجله.
ان الريع الثقافي أكثر فعالية مما يذهب الى البطن ثم المراحيض.علموا أبناءنا في الصحراء تاريخ البلاد وجغرافيتها.ارحلوا بهم شمالا ؛لا كموظفين أشباح بل كشباب يخالط الأندية والأسر ويشارك في المخيمات.
علموهم أن قيمة الصبر مغربية ،وأن حقوقهم لا يمكن أن تكون واسعة جدا كعباءاتهم.
راجعوا مناهج التعليم هنا وهناك ،فكيف تنتظرون من برامج ميتة هنا ،حيث الوطنية الخالصة، أن تصنع هناك مواطنين مخلصين ،وما حولهم الا ما يغري بأن يبيعوا.
حسب علمي لا تتميز برامج التعليم ،بصحرائنا، في شيء عن مثيلتها هنا؛وكأن التلميذ هو هو , وكأن الرهانات واحدة.
لقد علمتنا فرنسا كيف نكون فرنسيين (ثقافة)في غيابها؛فهل فكرنا في ما سيكونه هؤلاء الذين نرشحهم لحكم ذاتي تفضيلي؟
هل فكرنا في هؤلاء الذين ربتهم كوبا كيف سيتمغربون بدون برامج تعليمية مؤسسة وفاعلة؟
أكيد ألا أحد يفكر في هذا ،وكأننا نعول على البوليزاريوا أن ينصف ثقافتنا حينما يتولى أمر الصحراء في اطار الحكم الذاتي.
أكيد ؛لكنني استثني منطقة العتمة لأنني لا أعلم على ماذا تشتغل.
أسسوا من جديد مناهج تربوية قادرة على الفعل لتستريحوا من المقاربات الأمنية التي لا تزيد على خلق ذهنيات صحراوية قاسية ،الى درجة القتل والتبول على القتيل. معلم مؤهل ومخلص خير من مائة شرطي.مدرسة خير من ثكنة.
سياسيونا غائبون عن الصحراء لأنهم طلبة اصوات وتحشيد ،والمنطقة مغلقة ،سياسيا، في وجوههم ،لأنها مفتوحة لأذرع الأعيان الواسعة.
مثقفونا غائبون عن الصحراء لأنهم يعتبرونها دولية.تفتي فيها الدول والأمم بما تشتهي ؛وهم أهل الدار ،وأصحاب الخطاب الذي يسري كالغيث ،مقصيون وان نفسيا فقط. لا حضور وازنا في صحرائنا لا للكتاب ولا للشعراء ولا للرسامين ولا ولا…
اقرؤوا نصوصنا الأدبية والفنية ،وتجولوا في معارضنا التشكيلية،واسألوا عن درجة حضور الصحراء المغربية والصحراويين.
هل حضرت الصحراء في معرض الكتب ؟ هل ستحضر في المعرض القلاحي؟ كم من شاب صحراوي غنى في قناتنا الثانية ؟كم منهم سفرناه الى حيث يشثهر مغربيا؟
ثم اسألوا ديبلوماسيينا عن أنشطتهم من أجل قضيتنا الوطنية.مع من التقوا؟ ماذا قالوا؟ وماذا قيل لهم؟بمن استعانوا ؟
ولماذا لا تشترط مقاربات اجتهادية مكتوبة لقضية الصحراء ,يتبارى حولها المرشحون للسفارات ،ويتابعون وهم قيد تنفيذها.
كل المعطيات تفرض علينا ألا نعول على دعم أية دولة ،وانْ صديقة.صداقة الدول قائمة على المصلحة ، وعليه فهي كاذبة غالبا ،ومنقلبة ،تميل مع الريح حيث مالت.. ابتسم لنا اليوم « هولند » فربحنا تكشيرة « أوباما » وفي الطريق ابتسامات وتكشيرات أخرى..
المعول على المواطنين شريطة أن يحملوا على الانخراط بكل التفاني والصدق.كان منظر سياسيينا ،وقد حمشهم الحدث،مقززا ؛لأنهم لم يتوقعوه ولم يبذلوا جهدا في القضية.اريد لهم أن يناموا على حصير فناموا في العسل.
وفي الختام تحضرني مقتارنة واقعية:تستقوي ايران على الولايات المتحدة ،وهي موغلة في تصنيع أسلحة الدمار الشامل ، وعلى طريقها تسير كوريا الشمالية ؛فكيف لا نعلن للعالم –ونحن معتدى علينا- أن حرب الصحراء ستكون –ان اقتضى الحال- حتى بالنبال والسكاكين والحجارة.
لم نبد هنودا بكل جاموسهم البري ،ولم نتاجر في سود مستضعفين ،ولم نقم « غوانتانامو » لأحد .لم نزد على أن خلقنا صحراء أخرى عامرة ،ليست هي تلك التي يطالب بها البوليزاريو. الصحراء الخلاء في الجنوب الجزائري وليس المغربي.
Ramdane3@gmail.com
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire