شباط : عينان غمازتان وأنف ناقة
رمضان مصباح الإدريسي
حزب للمغاربة أم لآل البيت؟
لكل الأحزاب مشاكلها التنظيمية ؛وهي عائدة ,غالبا, إلى ثغرات ,أحيانا تكون مقصودة , ومحبوكة بدقة ؛أو مخدومة إذا استعملنا لفظ الأستاذ أمحمد بوسنة, ذات انتخابات.
تكاد لا تجد في الديمقراطيات الغربية العريقة؛وهي ديمقراطيات بدورة دموية حزبية نشيطة وحيوية للدولة, مشاكل نابعة من قوانينها الأساسية ,لأنها قوانين ,وتوافقات,تأسست على الدرجة الصفر للأنانية والتربص, والتحسب السلبي.
عدا هذا لا حدود للنوازل ,والمنازلات السياسية في جميع الأحزاب ؛وإلا ما الفائدة منها اذا لم تكن أحزابا غمازة لمازة في الصراع من أجل الصدارة؛على طريقة أبي فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط بيننا **** لنا الصدر دون العالمين أو القبر
لكل الأحزاب المغربية مشاكلها ,وهي لا يتدخل فيها أحد,برأي, من خارج تنظيماتها ؛لكن مشاكل حزب الاستقلال تبدوا وكأنها مشرعة للجميع ؛وخير دليل تعاور العديد من الأقلام والأصوات لإرهاصات المؤتمر السادس عشر ,ونذره ؛وما انتهى إليه فعلا من صعود مفاجئ لأسهم ونزول لأخرى, في بورصة لا تزال تقاتل لتظل خالصة لعلال الفاسي وورثته .
لقد سبق أن قلت –أيام انخراط,عن حسن نية, في حزب الاستقلال, ولا زلت مومنا بهذا – بأنه « الحزب المرجعية » لجميع الأحزاب المغربية ؛سواء التي تأتى لمؤسسيها أن يكونوا ضمن الصحابة؛ أو ,فقط من ضمن التابعين ومن تبعهم بإحسان..أو من فارقهم دون أن يفارق مطاولتهم ؛حتى وعوده يشتد في السياسة…
من هنا ,في نظري, الاهتمام الوطني, اليوم, بما يقع من تدافع بين قيساريات أهل فاس »- وهم وجوه الفضة وقلوب النحاس » كما جرى على اللسان الخناس ؛وخصوصا الجبلي المجاور- ودواوير شباط ومن وليه.
تصوروا من شدة حب الجبلي لهذه الوجوه « المنغتغة » ,وبهاء فاس زمان,توجه ,ضارعا الى الله : « اللهم عبي أهل فاس للدجنة وعبينا احنا لفاس ».
ولعل شباط بدوره ,اليوم, يدعوا الله أن يدخل عبد الواحد الفاسي الى الجنة ويمكنه هو من الأمانة العامة .
لكن هذه الوجوه هي التي شكلت – لوعي وطني ,وحتى لمصالح سياسية واقتصادية عائلية – نخبة الحركة الوطنية
أيام » بوجور سيد الحاكم * وبوجور مرتو مدام » ؛ تخرج من شفاه مغاربة البوادي,بالخصوص – مكرهين- بعد أن دكتهم طائرات المستعمر دكا,في جبالهم ؛ وهم شبه عزل وراء أسود أشاوس من رعيل المقاومة الأول .
ومن المفارقات ألا يعترف الظهير الشريف ,المحدد لصفة مقاوم ,بهؤلاء مقاومين ؛وكأنه يتركهم للتاريخ ليثبت لهم ما يراه من صفات.
سارت النخبة الاستقلالية ,في دعوتها – تنكرا وتخذيلا لمستعمر شرس-على نهج الأنبياء:دعوة الأقرب ثم الأقرب ؛وهذا ما جعل بيوتات بعينها ذات سبق ؛وأخرى سارت على نهج بيت أبي سفيان في مكة المكرمة.
ثم انتهى الأمر الى عريضة المطالبة بالاستقلال ؛وقد عكست ,بأمانة, تاريخ وجغرافية ,ونسب, النخبة الوطنية.
أقول بأمانة, تجاوزا, لأن العريضة المعتمدة حاليا ؛لا تتضمن كل من وقع عليها من المغاربة.ربما اقتصرت على القياديين فقط.
ومن الصدف ألا تكون العريضة,حسب علمي, رخامية كبيرة, إلا في بطحاء فاس؛ صمن مرابع آل الفهري؛ولا أدري هل وراءها العمدة شباط أم مسؤول آخر. لو بعثوا أحياء لوجد أغلبهم أنه في حومته وسط أهله.
هنيئا لهم وطنيتهم ؛لكن لمن تركوا حزب الاستقلال ,بعد أن تحقق الهدف منه؟
لم يتم حل حزب الاستقلال,كما حل جيش التحرير؛ لأن رجاله- الأوائل فقط- استوعبوا جيدا ما عناه المرحوم محمد الخامس » الاستقلالي » ,حينما قال: « عدنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر.. »
ولم يتم حله لأن ورثة علال الفاسي ,وصحابته ؛وكذلك تابعيه ,كسالى ؛لم ينتشروا في الأرض ,بعد أن تحقق الاستقلال
بل أغوتهم رياضات فاس وحمائمها ,التي طالما هيجت أشجان الزعيم وهو في المنفى.
لقد آثروا الظل على حمارة الحر, في بوادي المغرب؛واعتقدوا ,واهمين ,أن خراجها سيصل الى البطحاء أنى أمطرت.
نعم ,انتظم الحزب ,ضمن مفتشيات وفروع –حيثما وليت وجهك في المغرب- لكن الولاء القسري ظل لآل البيت الفهري وثرياته.
وقد استنسخت بعض الجهات خريطة البطحاء – عملا بقوانين الحزب السرية,ربما- فخلقت بيوتات ,وآل , وآلات, يجتمع حولها الاستقلاليون ,ولا يحيدون عنها مهما تناسلت ؛كحال الجهة الشرقية ,المحجور عليها منذ فجر الاستقلال؛بوطنية صادقة أولا ثم » بلي اعطى الله من كلام »,ومن تراضيات وتوافقات ؛شرطها أن توصل الى الكرسي ,وتترك نفس العنوان ببطاقة كل مرحلة .
وفوق هذا وذاك مجلس للرئاسة محفظ لأسماء بعينها ؛وهذا لعمري لا يوجد- عالميا- الا في حزب الاستقلال.
وهو تصريح رسمي –وربما حتى إعلان مبادئ- بأن الحزب مغلق في وجه سائر المغاربة.
ناضل ما شئت ؛فلن تزيد عن اسم ورقم يدخل حواسب الحزب ؛أما الدخول الى القرص الصلب المحصن ,فدونه خرط القتاد.
شباط ,نقد ذاتي آخر لعلال الفاسي:
انه النقد الذاتي الذي لا يعرفه الأكاديميون ؛رغم حرص الاستقلاليين منهم,وبعض منظري الحزب, على جعل الصيغة المعروفة من الكتاب تتحمل قراءات تكاد لا تنتهي ؛ولكل جيل قراءته.وقد جعل,من طرف الأستاذ العربي المساري, جوهرة لكل العقد المعرفي المغربي.
لكن النقد الذاتي الآخر ,الذي عرف علال كيف يخبؤه في الأول لم ينتبه إليه أحد ؛إلى أن ظهر على أيدي شباط ؛أو قل هو شباط نفسه.
لا أحاجي في هذا, فلم يكن النقد الذاتي سوى دعوة عامة – غير حزبية فقط- لممارسة النقد الذاتي ؛وفي اللغة الحزبية يعني خلق الدينامية المطلوبة ليتحقق التجدد المستمر ,في النخبة ,أولا, انطلاقا- وبكل ديمقراطية – من القواعد النشيطة ؛وفي المبادئ والبرامج,ثانيا, لتتقوى القواعد ,باستمرار ؛كنتيجة لاقتناع المواطنين بمجهودات الحزب التنموية.
ان التنصيص على أسماء معينة في مجلس الرئاسة لا يمت بصلة الى النقد الذاتي.
ان تداول المناصب العامة بين عائلات معينة ,في كل ولاية حكومية, ليس من النقد الذاتي-ولا حتى الموضوعي- في شيء.
ان السكوت عن الحق ؛وخصوصا في اللجان النيابية,وجعله موضوعا للتوافقات والتراضيات السياسية ,ليس من النقد الذاتي في شيء.
ان بيع المناضل النزيه والشريف بأبخس الأثمان وشراء المترشح الرابح والمربح-كيفما اتفق- ليس من النقد الذاتي في شيء.
ان تحويل صرح حزب الاستقلال المعرفي ؛من أكاديمية وضع علال كل أسسها العلمية, الى مجرد مدرسة ابتدائية
قروية تعبر ساحتها حتى الأنعام ليس من النقد الذاتي في شيء.
ان الاعتراض على ترشح مراكشي أو عروبي للأمانة العامة ليس من روح النقد الذاتي.
أمام هذا الوضع لا بد من ورقة حمراء يخرجها فكر علال الفاسي,الثاوي, الذي شاع ,زمنا, في المدن المغربية ؛وأريافها ؛ثم دخل –مكرها- مرحلة الكمون والترقب ؛الى أن علت أصوات الشباب منادية بإسقاط الفساد العام.
ومعاقل الفساد الحزبي الاستقلالي ؛من يسقطها؟
يجيب الشباب: اعملوا في ما وليكم ؛فأنتم أدرى ببطحائكم, و تعرفون ما وصاكم به علال.
لهذا لم يكذب شباط حينما قال « أنا ابن علال الفاسي ». ولو أراد أن يكون دقيقا أكثر لقال : »أنا الصيغة الأخرى من النقد الذاتي,التي خبأها عنكم المؤلف ,لتنوب عنه في انتشال الحزب من أحضان كسالى البطحاء » .
عين على الأمانة العامة:
لم أنتظر لأعرف هذا في المؤتمر السادس عشر؛بل عرفته منذ المؤتمر الرابع عشر-وقد كنت مؤتمرا فيه ,بصفتي كاتب فرع -حينما بدا لي شباط رجلا ذكيا بطموح كبير تشي به حتى شعبيته داخل المؤتمر ؛ومعرفته الجيدة بأوقات الظهور والاختفاء.
وعرفته من خلال قراءة في تصريحاته, ومشاريعه بفاس ,التي لم تكن سوى رد يبهر الطبقات الشعبية ويفحم الخصم.
بل ويصحح حتى أخطاء التسيير الاستقلالي الفاسي ,القديم, للمدينة.
نوع من النقد الذاتي الميداني .
لا معرفة شخصية لي به ؛ولا أزكيه ولا أهدي اليه هذا المقال لأنصره على ابن علال الفاسي ؛فهو- أقصد عبد الواحد الفاسي- رجل مقتدر قد عرف كيف يعبر بالحزب صعاب المؤتمر الرابع عشر ؛وعرف كيف يجد الحل لشباط مراكش « مولاي امحمد الخليفة ». وقد انتهى المؤتمر – بتسييره- الى التجديد لعباس الفاسي ضدا على القانون الأساسي.
وأعتقد أنه لو لم يكن ,اليوم مرشحا للأمانة العامة,واسند إليه تسيير المؤتمر ,لما وصل الحزب الى ما وصل اليه.
رجل هادئ ,كل ما فيه يذكرك بعلال الفاسي.
لقد غادرت الحزب ,بوجدة, بعد أن تأكد لي أنه- لخلل في القيادة- يسير الى منحدر كحافلة لا فرامل لها.
وحتى حينما طالبت بتدخل عال, قبل حل الفرع –وهو بأرشيف هيسبريس- لم أتلق أي رد ؛ مما يعني كوننا في فرع قرية مستفركي, خارج القرص الصلب المحمي.
شباط اليوم – أحببناه أم كرهناه- صاحب قضية ؛وهي في الحقيقة ليست قضيته الشخصية ,بل قضية حزب الاستقلال برمته؛والأحزاب التي استنسخت بنيته العائلية والاخوانية.
آن الأوان لكي تسقط الأحزاب فسادها ,وارتفع وهم اعتبار المخزن وحده المسؤول عن كل شيء.حتى الأحزاب مسؤولة.
لا يجب اختزال مفترق الطرق الذي يقف أمامه حزب الاستقلال, اليوم , في شباط فقط ؛انظروا الى ما بعد شباط لأنه عابر في أمانة عامة عابرة. لكن الى أين؟ حينما تطير فراخ الطير لا تعود الى العش أبدا.
لا عودة إلى البطحاء إلا باستحقاق ديمقراطي .
عين على رئاسة الحكومة:
تطبيقا للمنهجية الديمقراطية ,ولما رسمه الدستور الجديد.
لقد أوصلت الصناديق ,وقواعد الحزب, بنكيران إلى رئاسة الحكومة ,في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لا يبدو أنها – ولظروف موضوعية- سريعة التحسن؛ ولعلها نفس الظروف التي قد تطيح به في الانتخابات المقبلة؛اذا استمر في البحث في جيوب الفقراء عن حلول لأزمات خلقتها الحكومات السابقة.
وسيتحقق العود على بدء.أي اختيار الناخبين لمن يقنعون بأنه المؤهل لحل مشاكلهم.
ان فتنة حزب الاستقلال ؛ولعلها الكبرى منذ تأسيسه ,تنتصب درسا لكل الأحزاب حتى تعرف كيف تقترب من الأغلبية الصامتة ,وتفسح لها سبل الترقي في هياكلها الوطنية والإقليمية دون سؤال عن النسب أو غيره ؛فلا تفاضل الا في النضال .
حكاية أنف الناقة:
قوم هم الأنوف وغيرهم ذنب ومن ذا الذي يسوي الأنف بالذنب
قالها الشاعر العربي ليرد الاعتبار الى أسرة كانت تعتقد أن هذا النعت يعيبها ؛حتى أصاب البوار كل بناتها.
وصار النعت فخرا لها وللعرب ,وتزوجت البنات…
حينما أنعت شباط بأنف الناقة فليس لتيسير زواج بناته, ان كان له بنات, بل لأحيي فيه كبرياءه البدوي ؛الذي جعله يشمخ بأنفه دون الالتفات حتى إلى كونه يلعب في عرين الأسد الاستقلالي.
وهل في عرين هذا الأسد فقط؟
Ramdane3@gmail.com
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire