رسالة إلى شيخ في الواجهة
اعلم ايها الشيخ نهاري أنه لن ترضى عنك الصحافة يوما إلا إذا أصبح صوتك مبحوحا لا يكاد يسمعه إلا لفيف من المتحلقين حول خطبك المنبرية. فأنت منذ الآن مطارد طالما أصررت على استفزاز الحياة الفردية للمغاربة واقتحام خلوتها. ثم من قال لك أن المغاربة غير راضين عن مستوى علاقاتهم . إنهم صابرون على فساد معظم أوجهها طالما ضمنوا قوت يومهم ،وهم ينشدون الأمن والأمان والفرار بجلدهم خوفا مما تخبئ لهم دوائر الزمان.
ستقفل في وجهك سائر وسائل الإتصال الحديثة وستحرم من حسناتها التي بوأتك المكانة التي هو أنت لها، كخطيب للجماهيروليس خطيبا لنخبة مدجنة، محابية حد النفاق أو متساهلة حد الإنحلال. واعلم أن الدوائر الحقوقية ستناصب لك العداء جهارا نهارا هذه المرة لأن الطريق إلى ذلك أصبح ممهدا إعلاميا.وستربك مخططاتك الدعوية بالتشويش على مواعظك بتهديد الإحالة على القضاء. ولا يخفى عليك شيخنا، أن الحقوقيون واثقون تماما من جدوى مواجهتك لأنهم يتحصنون بالقوانين الوضعية السامية كما هو متعارف عليها كونيا، ولا يأبهون بالخصوصيات ولتكن دينية. فيما تراهن أنت على تعاليم دين يصر البعض على حصره تعسفا في زاوية الشعائر التعبدية وبعض جوانب الأحوال الشخصية، مستبعدين إياه من أي توظيف يروم تحصين أخلاق العباد.
شكرا لك أيها الشيخ إذ منحتنا أول فرصة للتمييز،بمناسبة تصريحك حول مواقف الصحفي الغزيوي، بين المنابر والأقلام التي كنا نحسب بعضا منها منحازا إلى إرادة الجماهير،متقمصا مشاعرها وهمومها،مترجما آلامها وانتظاراتها. فمن أول عملية جس نبض لأختبار مدى نزاهة فكر و رحابة صدر بعض الصحفيين حتى انبرى أحدهم، والإشارة هنا إلى توفيق بوعشرين رئيس تحريرأخبار اليوم المغربية في مقاله: « نهاري يا غليظ القلب » حيث ضمنه الدعوة إلى تفعيل واجب الدفاع عن حرية الرأي والتعبير انطلاقا من منطق يوم علينا ويوم عليك، وفي تساوق تام مع الحديث الذي يقول « انصر أخاك ظالما أو مظلوما » . وتناسى أن حرية الرأي والتعبير هاته ليست حكرا على أصحاب الأقلام الصحفية والإبداعية،الذين بحكم تخصصهم يحسنون ممارستها ويتفننون في تدبيج مضامينها، بل هي مكفولة كذلك لسائر فئات المجتمع بمن فيهم علماء الدين والوعاظ، الذين يستعيضون عن القلم والريشة وباقي وسائل التعبير بحناجرهم المبحوحة. إن أكبر ظلم لهو ظلم ذوي القربى،وهو أشد مضاضة إذا كان مقرونا بالجحود ، ففي الوقت الذي ناصر فيه صحافي زميله في المهنة،رغم اختلاف الخط الإيديولوجي والتحريري لكليهما ،وبالرغم من جو المنافسة الإقصائية التي تسم أداء بعض المنابر الإعلامية، ونحن شاهدون على ذلك. فإن واجب الدفاع المشترك فرض نفسه حتى من دون تريث أوابتداع تفسير مغاير لرأي الشيخ المثير للجدل.فيما نجد في المقابل أن الشيخ عبد الباري الزمزمي يستنكف عن الإدلاء الصريح بمواقفه في النازلة،بل ويتنكر لتصريحه المساند لزميله نهاري حسب ما ورد في بعض المواقع الإلكترونية.
ولعل ما ورد في تصريح الشيخ نهاري هو أقرب إلى التضخيم منه إلى التعاطي الصادق والموضوعي مع نص تراثي ديني حمال أوجه، وليس له من مقومات النفاذ والإجرائية إلا قدرته على الإيحاء بجسامة الفعل المقصود،وبالتالي تجنبه.دون أن يعني ذلك إراقة قطرة دم. فهل يمكن أن نفهم أن مجرد ما أن يصيح الشيخ نهاري في وجه المتحلقين حوله بترديد قول الرسول ص « اقتلوا من لا غيرة له » حتى يكون بعضهم على أهبة لإشهار سيفه قطعا لدابر هذا الذي لا غيرة له؟ ثم ثبت أن للشيخ ارتباط بإحدى جماعات التطرف الديني التي تستبيح هدر الدماء؟
في تصوري، لا يمكن للشيخ نهاري وهو الآتي من المؤسسة التي تشبع بروحها المدنية،أن يعني بالقتل إلا وجهه المعنوي الذي بمقتضاه يصبح واجبا على كل ذي عقل سليم وإيمان صادق أن يعتبر ملغيا حق الإنتماء للجماعة المؤمنة الملتزمة بشرع الله والحريصة على درء المفاسد، لكل من لا غيرة له . إنه إلغاء بطعم القتل كما يمكن أن يفهم كل لبيب.
دعونا في الختام نسمي الأسماء بمسمياتها. فالذي يرضى لأحد أصوله أوفروعه بممارسة الرذيلة التي من المفروض أن يحاربها في غير أهله ويبارك نزواتهم المحرمة ويصر على قبول الأمر الواقع بوازع الحرية الفردية والأنفتاح . ماذا يصدق في حقه من غير وصف ديوث . فلا يمكن أن ينكر عنه هذه الصفة إلا منافق أو محابي كشأن بعض المنابرالإعلامية والجهات الحقوقية والمدنية التي انساقت للأسف وراء منطق التهويل من خطر الإرهاب المزعوم وهي أدرى ببطلان هذا المنطق. هدفها يتماهى مع هدف السمفونية الرسمية : كبح جماح داعية خرج من شرنقة النمطية والخطب الباعثة على التثاؤب وإسكات صوت مزعج طالما طاردته جهات ترنو إلى تطويع الدين لمشيئتها.
Aucun commentaire