Home»Débats»الحركة النقابية المغربية بين مواجهة تحديات العولمة الرأسمالية وربح رهان بناء الوحدة النقابية

الحركة النقابية المغربية بين مواجهة تحديات العولمة الرأسمالية وربح رهان بناء الوحدة النقابية

0
Shares
PinterestGoogle+

تقديم :

تشهد الحركة النقابية المغربية تراجعا مستمرا بسبب الهجوم الكاسح للعولمة الرأسمالية المتمثلة في تكاثر وتجذر الشركات المتعددة الجنسيات من جهة وتواصل الانشقاقات على خلفية الصراعات الحزبية وما خلفته من انقسامات من جهة ثانية ، ناهيك عن سن قوانين واتخاذ إجراءات وتدابير حكومية ساهمت في الإجهاز على الحقوق والحريات النقابية (مدونة الشغل – مشروع قانون الإضراب- الاقتطاعات من الأجور) وكذا مختلف أشكال التضييق على العمل النقابي كالتوقيف عن العمل والطرد والتسريحات الجماعية … وغيرها من تمظهرات الهجوم على الممارسة النقابية للحد من قوتها وتواجدها بمختلف القطاعات والوحدات الإنتاجية والضيعات الفلاحية.
فبالرغم من بعض مظاهر التراجع والضعف في أداء الحركة النقابية المغربية، لعبت  دورا بارزا في الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب من خلال الدينامية النضالية التي خلقتها حركة 20 فبراير والتي رفعت مطالب ذات صبغة سياسية واجتماعية واقتصادية وسرعت من الإصلاحات السياسية والدستورية بالرغم من محدوديتها وعدم رضى الشارع المغربي ومجموعة من الإطارات الديمقراطية على المكاسب المحققة.
وأمام تحديات الهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة المغربية يطرح على الحركة النقابية التقدمية وعلى المناضلين النقابيين الشرفاء ضرورة قراءة تجربة العمل النقابي ببلادنا ، في ظل التحولات العالمية والجهوية والمحلية لرسم آفاق نضال الحركة العمالية ووضع استراتيجية التحرك والعمل المشترك للخروج من الأزمة الحالية.

التحديات الكبرى للحركة النقابية :

تواجه الحركة النقابية المغربية كباقي مثيلاتها في العديد من الدول تحديات متعددة منها ما هو ذاتي وتنظيمي يتعلق بالشأن الداخلي للإطارات النقابية وعلاقاتها مع الحركة النقابية على المستويين القاري والدولي، ومنها ما هو موضوعي يرتبط بالتحولات المتسارعة على المستويين السياسي والاقتصادي وخصوصا فيما يتعلق بالهجوم الشرس للعولمة الرأسمالية النيوليبرالية. وفي هذا السياق نبرز أهم التحديات فيما يلي :
1.    التحديات الذاتية :
من خلال تشخيص لواقع الحركة النقابية المغربية، يتبين أن مجموعة الإطارات النقابية لازالت تعاني من بيروقراطية قاتلة وتقديس القيادات النقابية  في ظل غياب تام لأحد المبادئ الأساسية للعمل النقابي وهو الديمقراطية الداخلية واحترام دورية المؤتمرات وتجديد النخب النقابية وفسح المجال للشباب والنساء من أجل الحصول على تمثيلية مقبولة في جميع الأجهزة دون تمييز أو إقصاء. لقد شكلت ظاهرة تربع بعض القيادات النقابية على عروش بعض التنظيمات النقابية وعدم تجديد الهياكل والأجهزة النقابية  لعقود طويلة عائقا حقيقيا أمام دمقرطة الحركة النقابية وتطورها وتجديد آليات اشتغالها بحيث ظلت هذه الإطارات تشتغل بطرق وأساليب تقليدية وعقلية بيروقراطية متجذرة تقرب الموالين وتمنحهم الامتيازات وتضيق على المعارضين والمناضلين الشرفاء بل قد يصل الأمر إلى الطرد من أجل ضمان الكرسي الأبدي للزعامة وكذا تمرير القرارات بشكل سلس وسها دون معارضة .
كما تعتبر ظاهرة التبعية الحزبية للعديد من النقابات عائقا أساسيا أمام القيام بمهامها وأدوارها على الوجه الأكمل بحيث تغير هذه الإطارات النقابية الذيلية مواقفها بتغير مواقع الأحزاب الموالية لها بين الأغلبية الحكومية والمعارضة. فقد تصعد هذه التنظيمات النقابية من لهجتها ونضالاتها عند تواجد جناحها الحزبي في المعارضة بينما تستكين للهدنة وتتبنى السلم الاجتماعي وتباشر البيات لمدة 5 سنوات عندما يصعد الحزب الموالي لها للحكومة، مما يتعارض جملة وتفصيلا مع مبدأ استقلالية النقابة عن الأحزاب والتي ترفعه مجموعة من هذه النقابات دون احترامه وتطبيقه.

التحديات الموضوعية:

أما التحديات الموضوعية، فتتمثل أساسا في تفاقم الهجمة المتوحشة للعولمة الرأسمالية التي باتت تحصد الأخضر واليابس وتكرس مسلسلات الاستغلال والاستبداد وتفقير الطبقة العاملة وتشجع إغناء الغني ومركزة الثروة في يد حفنة من صناع القرار السياسي والاقتصادي. لقد أبانت هذه العولمة الرأسمالية على إخفاقها الذريع من خلال تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي عرفتها عدة دول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت شعوبها في انتفاضات شعبية حاشدة للاحتجاج على الخيارات السياسية والاقتصادية الخاطئة والأوضاع الاجتماعية المزرية.
تشكل الشركات المتعددة الجنسيات رأس الرمح في العولمة الرأسمالية، والتي استفادت ووظفت بشكل ملحوظ وواسع وسائل الاتصال والتكنولوجيات الحديثة لخدمة مصالحها ومخططاتها. ومن أهداف هذه الشركات ومن يقف وراءها  تكسير سوق الشغل باعتماد دينامية تخفيف النفقات والبحث عن الزيادة في الأرباح واليد العاملة الرخيصة والحكومات اللاشعبية، مما أسفر عن وجود سوق عالمية للشغل تتنافس فيها الشغيلة من كل الأقطار، بحيث أصبح المستثمرون يبحثون عن أرخص سوق في العالم وتسهيلات أكبر، مما يهدد حقوق العمال واستقرارهم في مواقع العمل وانتزاعهم لمطالبهم العادلة، الشيء الذي يخلق بالتالي صعوبات جمة أمام العمل النقابي الذي لا يجد أمامه محاور يمثل رب العمل أو جهة حكومية قادرة على إرجاع الحق لأصحابه .
لقد أصبح نضالات ومطالب العمال عبر العالم تواجه إما بالطرد والتوقيف أو  إغلاق الشركة وتنقيل المشروع إلى بلد آخر.  وقد هذا التطور بلون التراجع إلى تحولات عميقة في الحركة النقابية، منها ضعف عدد المنخرطين، وتغير المطالب النقابية من تحسين شروط الشغل ومواجهة مختلف أشكال الاستغلال، إلى مجرد الدفاع عن الاستقرار في الشغل كيفما كان ومحاولة الحد من استغلال الطبقة العاملة. لقد تراجعت قوة الحركة النقابية بشكل ملموس خلال العقدين الأخيرين وانعكس ذلك سلبا على قوتها الاقتراحية ونسبة التبطيق الهزيلة أصلا وقدرتها على صون المكاسب فقط دون تحقيق مطالب متقدمة وجديدة.

البدائل المقترحة :

لا يختلف اثنان التشخيص المؤلم للحركة النقابية المغربية وتراجع أدائها وواقع التشرذم والتشتت التي تعاني منه، ناهيك عن التبعية الحزبية للمركزيات النقابية التي تكيف مواقفها وتوجهاتها وفق أجندة الأحزاب التابعة لها وكذا الانحرافات المتكررة على الخط النضالي الديمقراطي وتبني توجه بيروقراطي محض. لكن، يبقى اقتراح البدائل الكفيلة بالنهوض بالحركة النقابية هو السبيل الوحيد لإخراج الممارسة النقابية من غرفة الإنعاش حيث تعاني موت سريري ترتب عنه تردي أوضاع الطبقة العاملة وجعلها عرضة لكل أشكال الاستغلال الوحشي والتمادي في ضرب حقوقها ومكتسباتها بل والدوس على كرامتها في أغلب الأحيان.
وفي هذا السياق، يمكن حصر البدائل المقترحة فيما يلي :

1.   لا شك أنه يصعب على الحركة النقابية تحقيق أهدافها واستقطاب مختلف شرائح الشعب ومن بينها الطبقة العاملة ، إذا لم تنجح في تأسيس لإطار تنسيقي يجمع بين الإطارات النقابية التقدمية والتنظيمات السياسية اليسارية والحركات الاجتماعية المختلفة من أجل خلق جبهة ذات بعد سياسي واجتماعي قادرة على ربح كافة الرهانات المرتبطة بالتغيير وفرض الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
2.   تعتبر مسألة توحيد اليسار المغربي –السياسي والنقابي- مدخلا أساسيا لإنقاذ الحركة النقابية المغربية بحيث تعتبر الوحدة السياسية لليسار شرطا رئيسيا وجوهريا للوحدة النقابية. وفي هاذ الإطار،  فلطالما اشتكت الحركة النقابية من الانشقاقات والتمزقات التي سببتها الانقسامات الحزبية الضيقة. وكل القوى الحية والديمقراطية تنادي حاليا بالوحدة من منطلق سياسي واسع ومتجذر بتراكمات وإيديولوجية يسارية وتقدمية تضع ضمن أهدافها حزب يساري واحد ونقابة تقدمية واحدة.
3.   أمام هذه الأوضاع ، تشكلت حركات وطنية وعالمية للمقاومة ، وفتحت إمكانيات البديل الاجتماعي. لقد أصبح منتدى الحركات الاجتماعية فضاء أوسع للحوار والتشاور ورسم البدائل لمختلف الإطارات المناضلة ضد مختلف أشكال العولمة والاستغلال. هذه المنتديات الاجتماعية التي انبعثت لتواجه المنتدى الاقتصادي الرامي إلى تكريس
4.    أصبح كذلك من الضروري الانفتاح على الحركة الحقوقية والعديد من الحركات المدنية كالحركة النسائية بهدف التأسيس لعولمة المقاومة الاجتماعية

 خلاصة :

إن الظرفية التي تمر بها الحركة النقابية دوليا ووطنيا ظرفية جد دقيقة وصعبة في مناخ اجتماعي في حالة احتقان دائم ومناخ اقتصادي ومالي متقلب ومتأزم، مما يستوجب وضع الأسئلة الصحيحة من أجل تجاوز كل المعوقات والمصاعب التي تقف في وجه العمل النقابي. ويعتبر العديد من الفاعلين السياسيين والنقابيين أن المدخل الوحيد لتجاوز الأزمة النقابية ووقف الهجوم الشرس للعولمة الرأسمالية وأذنابها المتجذرين في مختلف أنحاء المعمور، هو العمل الدؤوب على الوحدة النقابية سواء على المستوى القطري أو على المستوى الدولي عملا بالشعار الخالد « يا عمال العالم اتحدوا » ولم لا  » يا نقابات العالم اتحدوا »  بهدف تهييء كافة الشروط لعولمة النضال الكفيل بالوقوف في وجه العولمة الرأسمالية المتوحشة.

خالد جلال
فاعل نقابي
وادي زم، في 28 أبريل 2012.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *