دستور ثوري وأحزاب رجعية
الدستور كلمة فارسية تعني « الأساس » أو » القاعدة »، وقبل شيوع استعمال هذا المصطلح كانت بعض الدول تستعمل لفظ « القانون الأساسي أو » القانون التنظيمي »، ويقصد بالدستور ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﺍﻟﻘﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺤﺩﺩ ﺸﻜل ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﻭﺘﺭﺴﻡ ﻗﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺘﻀﻊ ﺍﻟﻀﻤﺎﻨﺎﺕ ﺍﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻟﺤﻘﻭﻕ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ،ﻭﺘﻨﻅﻡ ﺴﻠﻁﺎﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﻤﻊ ﺒﻴﺎﻥ ﺍﺨﺘﺼﺎﺼﺎﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺴﻠﻁﺎﺕ،و ﺘﻭﺠﺩ ﺩﺴﺎﺘﻴﺭ ﻋﺭﻓﻴﺔ ﻜﻤﺎ ﻫﻭ ﺤﺎل ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺃﻏﻠﺏ ﺍﻟﺩﺴﺎﺘﻴﺭ ﻓﻲ ﺩﻭل ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﻫﻲ ﺩﺴﺎﺘﻴﺭ ﻤﻜﺘﻭﺒﺔ ﺴﻭﺍﺀ ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﻭﺜﻴﻘﺔ ﻭﺍﺤﺩﺓ ﺃﻭ مجموعة من الوثائق، ﻭﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺘﺠﺭﺒﺔ ﺃﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺩﺴﺘﻭﺭﻱ ﻴﻌﺩﺩ ﺃﺭﺒﻌﺔ ﺃﺴﺎﻟﻴﺏ ﻟﻭﻀﻊ ﺍﻟﺩﺴﺎﺘﻴﺭ ﻭفقآ ﻟﻤﺎ ﺤﺩﺙ ﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺎﹰ، ﻓﺈﻤﺎ ﺃﻥ ﻴﺘﻨﺎﺯل ﺍﻟﺤﺎﻜﻡ ﻋﻥ ﺤﻜﻤﻪ ﺍﻟﻤﻁﻠﻕ، ﻓﻴﺘﻜﺭﻡ ﻋﻠﻰ ﺸﻌﺒﻪ ﺒﺈﺼﺩﺍﺭ ﺩﺴﺘﻭﺭ، ﺃﻭ ﺒﺎﺘﻔﺎﻕ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺤﺎﻜﻡ ﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻜﻭﻤﻴﻥ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ، ﺃﻭ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺠﻤﻌﻴﺔ ﺘﺄﺴﻴﺴﻴﺔ، ﺃﻭ الاستفتاء ﻋﻠﻰ ﻨﺹ مقترح……لقد عرف المغرب مجموعة من الدساتير توسع فيها هامش الحرية وضاق، حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المملكة ، ويدخل مشروع الدستور السادس في عهد محمد السادس في هذا السياق، سياق تميز بأزمة اقتصادية شاملة ، نتج عنها حراك اجتماعي نزل إلى الشارع من أجل المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،و مست شرارته مختلف الفئات الاجتماعية،بالإضافة إلى وصول مسلسل الانتقال الديمقراطي إلى الباب المسدود بعد تجربة التناوب التوافقي ، وتردد الأحزاب السياسية وتقاعسها على تقديم مذكراتها المطالبة بالإصلاحات للملك،لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، فلا أظن أن الذي استفاد من ارتماءه في أحضان المخزن،واستفاد من « باروده وحبتهّ » ،وتعود على حمل الحقائب الوزارية المملوءة والفارغة، وأرتبط « ربطة زغبية » بالمقاعد البرلمانية الوثيرة، قادر على الدخول في صراع مباشر مع المخزن ،قد يعود به إلى « تزمامرت » أو »ميسور » أو أي مكان أخر،من يدري « المخزن هذا »، كما أن الكثير من الأحزاب المغربية، لم يكن لها أدنى مشكل مع الدستور الحالي، وحتى من كان يتقمص خطاب الإصلاح الدستوري ، كان يفعل ذلك للاستهلاك السياسي، لامتصاص غضب القواعد الحزبية أو تحت ضغطها..
لقد أظهرت الأحزاب المغربية نوعا من السذاجة السياسية، وانعدام المهنية خلال لقائها بالمستشار الملكي محمد المعتصم،عندما اكتفت بالاستماع إلى بعض الفقرات الواردة في الدستور، دون تكليف نفسها عناء المطالبة بمسودة المشروع، وفعلوا كما كنا نفعل في الستينات في شهر رمضان، ونحن نستمع إلى الراوي في حلقته ، وهو يحكي مغامرات « ذو اليزل
.
لقد التقط الملك الشاب رسائل الشباب التي عبرت عنها حركة 20 فبراير ولو جزئيا،وجاء الخطاب الملكي لتاسع مارس، صاحب المرتكزات السبع الثورية لإصلاح الدستور، ليفاجئ الأحزاب،ويربك حساباتها، ويرغمها على تغيير تكتيكاتها، لأنها لا تملك إستراتيجية، وتسارع إلى عقد اجتماعات متواصلة ومنتظمة لأجهزتها،وتشجع بعضها لرفع سقف مطالبه ، وامتلك البعض الأخر شجاعة « شمشون » ليطالب بإلغاء المقدسات، ليعبر للآخرين عن ثوريته، ويسترجع عذريته، ويركب على مطالب الشباب، بعد أن كسرت رياح الربيع العربي مجاديفه،والتهم الحراك الداخلي أتباعه، فوجدت القيادة نفسها وحيدة دون قاعدة، لقد أظهرت الأحزاب المغربية نوعا من السذاجة السياسية، وانعدام المهنية خلال لقائها بالمستشار الملكي محمد المعتصم،عندما اكتفت بالاستماع إلى بعض الفقرات الواردة في الدستور، دون تكليف نفسها عناء المطالبة بمسودة المشروع، وفعلوا كما كنا نفعل في الستينات في شهر رمضان، ونحن نستمع إلى الراوي في حلقته ، وهو يحكي مغامرات « ذو اليزل » وقصة السيد » علي مع رأس الغول »،وبدلا من أن تتكتل أحزابنا الوطنية لتشكيل قوة اقتراحية، اكتفت بدور الدعاية والتسويق لمشروع الدستور قبل صدوره …مشروع الدستور المعروض لاستفتاء 01 يوليوز 2011 ، جاء بالكثير من الايجابيات، وحقق نقلة نوعية مقارنة بالدساتير السابقة، وهناك حقوق أوردها الدستور لا توجد حتى في دساتير الدول العريقة في مجال الديمقراطية ،وفي جميع الأحوال يبقى العمل البشري عمل منقوص مهما اكتمل .
الدستور وحده غير كاف لتحقيق الإقلاع الديمقراطي فلا بد من إجراءات مواكبة، تتجلى في إعادة النظر في إصلاح قطاع التعليم، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد وإبعاد المفسدين عن دواليب الدولة ومرافقها ، وتحريم زواج المال بالسياسة،و الجمع بين الفعل السياسي والاقتصادي ، إلا ما قد سبق، لأن الكثير من السياسيين اغتنوا داخل المخزن
منح الملك الثوري شعبه دستوريا ثوريا على مستوى المضمون،نتمنى ونطالب وسنناضل من أجل التطبيق السليم لنصوصه، وعدم ترك المجال للتأويلات ،و حل إشكالية الإحالة على النصوص التنظيمية التي عادة ما لا ترى النور، أو تحتاج إلى التوافق وترهن مصير البلاد والعباد، وتوضيح بعض المصطلحات من عيار » مضمونة »، ولذلك فلا بد من توفر الإرادة والشجاعة السياسية لتفعيل بنوده على أرض الواقع،حتى يتسنى للمغرب ركوب قطار الدمقرطة . الدستور وحده غير كاف لتحقيق الإقلاع الديمقراطي فلا بد من إجراءات مواكبة، تتجلى في إعادة النظر في إصلاح قطاع التعليم، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد وإبعاد المفسدين عن دواليب الدولة ومرافقها ، وتحريم زواج المال بالسياسة،و الجمع بين الفعل السياسي والاقتصادي ، إلا ما قد سبق، لأن الكثير من السياسيين اغتنوا داخل المخزن، وغيبوا الديمقراطية، ولن يتحقق ذلك إلا بإحالة قيادات الأحزاب الوطنية على التقاعد ،باعتبارها عامل دفع إلى الوراء، فقدت » دينصوراتها » القدرة على المبادرة،غيبت الديمقراطية الداخلية، وأبعدت الشباب من دوائر القرار، واعتمدت على العمل المناسباتي، وتحولت إلى دكاكين تخصصت في بيع التزكيات على أصحاب « الشكارة »، وشجعت الرحال والهجرة البرلمانية،وخلخلت المشهد البرلماني وميعت العمليات الانتخابية، وكرهت المواطنين في السياسة، واعتادت الاصطفاف وراء الدولة و مواكبتها في منطقها الذي غالبا ما تعارض مع منطق الطبقات الاجتماعية المسحوقة، فلا أظن أن أحزابنا برجعيها وتخاذلها قادرة على تأطير المواطنين وتكوينهم سياسيا، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، كما ينص على ذلك الفصل السابع من الدستور، لأن فاقد الشئ لا يعطيه،نحن في حاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، لهذا فالمغاربة مطالبين بالانخراط في العمل السياسي (سواء داخل الأحزاب المتواجدة أو خلق أحزاب جديدة)، خاصة الشباب لأن الأمر يتعلق بمستقبلهم ،وقبل أن يفكروا في تغيير المجتمع، عليهم أن يفكروا في تغيير أنفسهم،ويلتقطوا هذه اللحظة التاريخية قبل أن يفوتهم القطار.اللهم إني بلغت، اللهم أشهد.
Aucun commentaire