عندما تتوحد ألتراس الرجاء والوداد البيضاويين!

عندما تتوحد ألتراس الرجاء والوداد البيضاويين!
في سابقة لم تشهد لها البطولة الوطنية الاحترافية في كرة القدم مثيلا لها على مدى عقود من الزمن، أصدرت فصائل ألتراس الناديين البيضاويين العريقين الرجاء والوداد يوم الأحد 13 أبريل 2025 بلاغا مشتركا، ينم عن حس وطني صادق وروح المسؤولية، يسلطون من خلاله الضوء على الأسباب التي دعت إلى اتخاذ قرار مقاطعة ديربي الدار البيضاء برسم الجولة 26 من البطولة الوطنية، الذي احتضنه مركب محمد الخامس يوم السبت 12 أبريل 2025 في الساعة الثامنة مساء، وانتهى بالتعادل الإيجابي (1/1)
إذ لم يحدث قط في تاريخ البطولة الوطنية بالمغرب أن عرف ديربي مدينة الدار البيضاء على وجه الخصوص بين الغريمين التقليديين الرجاء والوداد، الذي يعد من أقوى الديربيات في عالم كرة القدم، مقاطعة مثل التي عرفها خلال الموسم الرياضي الجاري برسم 2024/2025، في وقت كان رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع ومعه كبار المسؤولين على الشأن الكروي ببلادنا وسلطات العاصمة الاقتصادية يمنون النفس بأن يحظى افتتاح مركب محمد الخامس بحضور جماهيري قوي بعد أن ظل يخضع للإصلاح لمدة تزيد عن السنة، لكن ذلك لم يتحقق بسبب الاتفاق الذي أبرم بين ألتراس الناديين قصد عدم متابعة اللقاء في المركب الرياضي محمد الخامس، احتجاجا على قرارات المنع الجائرة التي حالت دون تنقل أنصار الفريقين إلى مدن الأندية الأخرى، وأدت إلى تدهور أدائهما ونتائجهما مقارنة مع المواسم الرياضية السابقة.
فالجمهور الرياضي المغربي عامة والبيضاوي خاصة لن ينسى أبدا هذه المقاطعة لديربي البيضاء، التي جاءت في مرحلة عصيبة ونحن على بعد أسابيع قليلة من انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي ستستضيفها بلادنا خلال شهري دجنبر 2025 ويناير 2026، حيث مر الديربي الشهير بلا طعم وفي أجواء من الفتور وانعدام الحماس جراء الحضور الجماهيري الباهت، مما ترتب عنه تواضع مستوى اللقاء أمام تراجع أداء عدد من لاعبي الفريقين، وأثار ليس فقط غضب الجمهور القليل الذي حل بالملعب الكبير، بل حتى في أوساط الجماهير التي اكتفت بتتبع أطواره عبر شاشات التلفزيون في البيوت أو المقاهي، رغم أن الفريقين معا كانا يراهنان على الظفر بالنقط الثلاث في المباراة، وخاصة بالنسبة لنادي الوداد البيضاوي الذي كان يرى أن الفوز يخول له التنافس مع نادي الجيش الملكي لاحتلال الرتبة الثانية خلف نهضة بركان، وبالتالي المشاركة في النسخة القادمة من دوري أبطال إفريقيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مقاطعة الديربي البيضاوي لم تأت على عجل وبشكل اعتباطي، بل سبقتها عدة اجتماعات بين ألتراس الناديين، وإثر اجتماع خاص مع السلطات المعنية، للكشف عن الأسباب الكامنة خلف اتخاذ هكذا موقف من الحضور، والحرص على عدم تحريض المواطنين على مقاطعة الديربي، تفاديا لإثارة البلبلة والرفع من منسوب الاحتقان الرياضي داخل المدينة. إذ يمكن تلخيص دواعي « المقاطعة » على النحو التالي: الاستياء مما طبع ورش إصلاح مركب محمد الخامس الذي يعد بحق معلمة رياضية عريقة، من تلكؤ وسوء التدبير دون ربط المسؤولية بالمحاسبة، وخاصة أنه تم صرف ميزانيات ضخمة من المال العام في أقل من عشر سنوات الأخيرة، التي تم خلالها إغلاق المركب ثلاث مرات بلا فائدة. بالإضافة إلى ما يتعرض إليه أنصار الفريقين البيضاويين من تضييق ومنع التنقلات بدون مبررات مقنعة. وهناك أسباب أخرى عديدة ومتنوعة ولعل أهمها ما بات يخضع له أعضاء المجموعات من الناديين البيضاويين في السنوات الأخيرة من أحكام قاسية، بفعل الفصل المشؤوم 507 من القانون الجنائي، الذي يذهب ضحيته عدد من الشباب في ظل تهم جاهزة وغياب الضحايا أو إثر شكايات كيدية تندرج في إطار تصفية الحسابات الضيقة…
فما من شك في أن هناك من استنكر مقاطعة الديربي البيضاوي، لما في ذلك من تفويت الفرصة على الناديين في إنعاش خزينتهما بمداخيل هامة كان يفترض أن يتم تقاسمها مناصفة، وأن هناك من يرفض تسييس الرياضة وما قد يترتب عن ذلك من حرمان جماهير رياضية واسعة من متعة كرة القدم التي تعد اللعبة الأكثر شعبية في العالم ويفقدها بريقها، كما يمكن للبعض الآخر أن يرى في هذه المقاطعة انعكاسات سلبية أخرى على صورة بلادنا في ظل الاستعدادات الجارية على قدم وساق لاحتضان بطولتي كأس أمم إفريقيا 2026 وكأس العالم 2030، لكن في المقابل هناك فئات أخرى تستحسن اتخاذ مثل هذا القرار في ظل الاحتقان المتزايد في أوساط ألتراس الناديين، الذي من شأنه أن يحول دون حدوث صدامات بين مناصري الفريقين ورجال الأمن والعبث بتجهيزات الملعب والممتلكات العامة والخاصة.
إن الواقفين خلف قرار مقاطعة « ديربي البيضاء »، الذين استطاعوا بفضل التعاون والتضامن وتوحيد الرأي بين فصائل الناديين، أن يبعثوا برسالة واضحة للقائمين على الشأن الكروي ببلادنا، وتنبيههم إلى ما تشهده البطولة الوطنية من تخبط وارتجال في القرارات المجحفة، قادرون كذلك على التصدي لكل التجاوزات المتعارضة مع المبادئ الرياضية والقيم الإنسانية النبيلة، من خلال التأطير المستمر للمجموعات، خلق فضاءات ترفيهية وثقافية، والحرص على بحث الحلول الكفيلة بتقويم السلوكات الشاذة، تفاديا لمزيد من المعارك الدموية بين فصائل الناديين وما تخلفه من أضرار جسيمة وعاهات مستديمة، فضلا عن تلك الاعتقالات العشوائية والأحكام القاسية.
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire