Home»Débats»ظاهرة الغش في الامتحانات

ظاهرة الغش في الامتحانات

0
Shares
PinterestGoogle+

كلما اقترب موعد الامتحانات، كلما زاد قلق الآباء على أبنائهم استعدادا لهذا الموعد الحاسم في مستقبلهم. وكلما كان الامتحان إشهاديا ، خاصة امتحان البكالوريا، كلما كان الهاجس أكبر والإستعداد أكثر والقلق أشد

لكن للأسف، لا يتصف كل الناس بصفتي النزاهة والشرف اللذان يمنعان المرء من التشجيع على الغش في الامتحانات. ولا يتصف أغلبية الناس بالقناعة الدينية التي يمكن أن تردعهم عنه أو التشجيع عليه. بل هناك من يعد العتاد ويهيئ الأسباب حتى لا يتعب نفسه في سهر الليالي ومكابدة مشاق التهييئ ليوم الامتحان.

ظاهرة الغش ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة قدم الزمان والمكان. فلقد حاربت جميع الشرائع هذه الصفة القبيحة ومدحت بالمقابل صفات الصدق والأمانة والعدل والنزاهة. ولقد تحدث ديننا الحنيف في كثير من المواطن عن ظاهرة الغش وقبحها وحاربها :  » من غش فليس منا ».

ونظرا لخطورة ظاهرة الغش في الامتحانات ليس فقط على المتعلمين بل على المجتمع بأسره، شرعت القوانين وسنت التشريعات لمحاربة هذه الظاهرة من أجل ردع الغاشين وحتى المساهمين والمتدخلين      في ظاهرة الغش قد تصل إلى العقوبات السالبة للحريات

لكن وبالرغم من القيم الدينية والأخلاقية والقوانين التنظيمية، لا زالت هذه الظاهرة مستفحلة ، بل وفي تزايد مطرد. فما هي يا ترى الدوافع من وراء استفحال رذيلة الغش في مجتمعنا؟

أولا، انهيار النموذج الأبوي في البيت يلهم الأبناء على الالتجاء إلى الغش.  » وينشأ ناشئ الفتيان منا   على ما كان عوده أبوه ». إذا نشأ الأبناء في أسرة ينتشر بينها الكذب والغش منذ نعومة أصابعهم مع انعدام أو ضعف الوازع الديني، فغالبا ما ينتج عن ذلك جيل لا يرى عيبا في أن يغش يوم الامتحان. فماذا ننتظر من طفل ربته أمه على الكذب على أبيه وإخوته وماذا ننتظر من طفل رباه أبوه على الكذب على أمه وإخوانه؟ وتستفحل ظاهرة الغش إذا تربى الأطفال في جو عائلي عنيف  وغير مستقر وغير مطمئن، مما قد يدفع الأبناء الى اللجوء الى الغش في الامتحان لكي يتخلصوا من عائلتهم ويبتعدوا عنها كما يكون دافعا للفتيات للتفكير في الزواج من أول من يدق الباب حتى ولو كان غير مؤهل لذلك لتنفك من أغلال عائلتها وتعيش بعيدة عن همومهم. والطامة الكبرى والمصيبة العظمى في النموذج الأبوي السيئ هو انخراط الأبوين في الغش يوم الامتحان. فمن الآباء من سمعنا عنهم يشترون او يكترون أجهزة الغش بأثمان مرتفعة جدا حتى يتمكن ابناؤهم من اجتياز حاجز الباكالوريا ولا يروا في ذلك عيبا ولا حراما. بل ومن الاباء من يملون على أبنائهم الأجوبة الصحيحة من منازلهم يوم الامتحان عبر الهاتف  أو يوكلون من ينوب عنهم في ذلك وهم يستبشرون بل وقد يتباهون أنهم فعلوا ذلك أمام اقربائهم واصدقائهم  ولا يروا في ذلك عيبا. أما النخبة من الآباء الذين لا ضمير لهم، فقد يدفعون الأموال الطائلة في شراء الذمم من المتدخلين الذين لا ضمائر لهم سواء في الامتحانات أوالمباريات ذات الاستقطاب المحدود كالطب والهندسة ليصبح أبناؤهم أطباء  أو مهندسين مثلهم حفاظا على الوجاهة الاجتماعية. وكثيرا ما سمعنا وقرأنا عن مهن وتخصصات أصبحت حكرا على عائلات نافذة معينة ولا يستطيع أبناء الفقراء أن يزاحموهم أو يشاركوهم فيها. ويستطيع هؤلاء أن يدفعوا الغالي والنفيس من أجل أن ينجح أبناؤهم ولو بعتبة النجاح  10 فقط. وهم يعلمون علم اليقين أنهم سيرسلونهم الى كليات خاصة تبيع لهم دبلوم طبيب أو مهندس بعد بضعة أعوام فقط ولو لم تكن لابنائهم الكفاءة والقدرة ولا حتى الرغبة في مهنهم. ومنهم من يزور شهادة عجز طبية   ليجتاز ابنه الامتحان المكيف مع مرافق أو مرافقة خاصة تكون من النوابغ يكتريها  لتجيب لابنه عن الأسئلة وتأخذ أجرتها السخية على ذلك. ومن الآباء من يشتغلون في مهنة التربية والتعليم ويربون الأجيال على قيم النزاهة والصدق والأمانة وروح المواطنة الصادقة ولا يروا مانعا في الغش إذا أقبلوا على اجتياز امتحان مهني، بل ومنهم من يعتبر ذلك حقا لهم لينتقلوا من درجة إلى درجة  أو من إطار إلى آخر بحجة تحسين دخلهم ومواجهة مصاريف الحياة المتزايدة. والكلام يطول عن انهيار نموذج العائلة ومشاركتها في استفحال ظاهرة الغش، نخلص فيه الى أن هذا النوع من الآباء يتحملون الوزر الكبير في التطبيع مع هذه الآفة الاجتماعية المتزايدة.

ثانيا، ضعف الوازع الديني والأخلاقي في جميع مناحي الحياة يشجع الأبناء على الغش في الامتحانات. رغم أن القيمين الدينيين وأئمة المساجد يبذلون جهدا كبيرا لمحاربة الغش في التجارة والصناعة والفلاحة ومختلف مناحي الحياة، لا تزال الظاهرة في تزايد مستمر. يغش التجار في تجارتهم ومعاملاتهم ويغش الفلاحون في فلاحتهم ويغش البائعون في بضائعهم و لا  تكاد تذهب للتبضع  حتى تكون ضحية غش أو تدليس. بل وممن يحسب على الأطر الدينية من يغشون هم أيضا – رغم قلتهم-  في الامتحانات ويعتبر ذلك شيئا عاديا عندهم بل وحقا مشروعا ليرتقي سلما أو درجة في وظيفته الدينية مع الأسف. وقد سبق لي أن حضرت لحالة غش كان بطلها « فقيه » مع كل الأسى والأسف. ومما أعيب على من يتكلف بأمور خطب الجمعة أن لا يتحدثوا عن ظاهرة الغش في الامتحانات عند اقتراب موعدها. بل ويجب الحديث عن الظاهرة ككل ومحاربتها في كل مناحي الحياة اليومية للناس على طول العام حتى يصبح الغاش منبوذا في مجتمعه محتقرا بين الناس. ويجب عليهم التركيز أكثر على محاربة هذه الظاهرة عند اقتراب الامتحانات. ويتحمل مسؤولية الرفع من الوعي الديني لدى التلاميذ المربيون أيضا. فقد كان المعلمون قديما يتحدثون عن الأخلاق في فصولهم ولو لم يكونوا أساتذة التربية الاسلامية. وكان الغش في الامتحان يكاد يكون مستحيلا لعدة أسباب منها شخصية المراقبين  الصارمة وقيمتهم وهيبتهم في المجتمع لا يجرؤ معها التلميذ على الغش. في الحقيقة، إذكاء الوعي الديني لدى المتعلمين يبقى قضية أكبر من أسوار المؤسسات التعليمية تتحمل مسؤوليتها جميع مكونات المجتمع وليس فقط القائمين على الشأن الديني أو التربوي.

أخيرا وليس آخرا، تتحمل الوزارة الوصية والدولة ككل مسؤولية محاربة ظاهرة الغش في الامتحانات بشكل مباشر. فرغم استصدار قوانين صارمة لمحاربة هذه الظاهرة، لا يزال الغش في تنام مستمر بل وفي تطور لأساليبه وتكنولوجياته. الشيء الذي يضر بسمعة بلدنا ويقوض من قيمة الشواهد الممنوحة داخليا وخارجيا. الاهتمام بنسب النجاح والتنافس بين الجهات والمديريات لاحتلال المراتب الاولى لا يشجع على محاربة الظاهرة بشكل جدي. نسب النجاح التي بلغت 100% في بعض المؤسسات والمديريات يطرح أكثر من تساؤل حول مصداقية هذه الامتحانات في ظل الحديث عن أزمة التعليم وعدم اكتراث أغلبية التلاميذ بدراستهم وضعف مستوى التعلمات لديهم. بالاضافة الى ان سن التشريعات والقوانين الزاجرة  ليس أهم من تنزيلها وتوفير الشروط الضرورية لها وعلى رأسها توفير الحماية للأساتذة  المراقبين الواقفين على الخطوط الأمامية في مواجهة المترشحين وكأنهم في ساحة قتال. عندما يخاف المراقب على نفسه من تطبيق مسطرة محاربة الغش ويغض الطرف عن الغشاشين فإن الظاهرة تزداد استفحالا عاما بعد آخر. عندما لا تتوفر نفس الشروط الموضوعية لإجراء الامتحان في كل مؤسسات البلاد فإن مبدأ تكافؤ الفرص ينهار. عندما تتطور أساليب الغش من هواتف نقالة وذكاء اصطناعي ونظارات الكترونية وأجهزة VIP مع قوقعات الأذن المزروعة وطرق أخرى ولا نرى تطورا في أجهزة تعقب الغش، فلا ننتظر أن نرى انخفاظا للظاهرة. فلماذا لا توفر أجهزة إلغاء شبكات الاتصال بالانترنت يوم الامتحان كما فعلت بعض الدول؟  ولماذا لا نوفر أجهزة تعقب متطورة  تكون في أيد لجان تقوم بإيقاع العقوبات في عين المكان؟ ولماذا لا نوفر أجهزة تعقب في أبواب المؤسسات يقوم بها رجال الأمن بكل جدية وحزم؟ إذا توفرت الارادة لمحاربة الغش، فإن الطرق كثيرة ومتنوعة وأصبح لازما تطويرها مع التطور التكنولوجي لوسائل الغش وتقنياته. كما ينبغي  أن يدق ناقوس الخطر عندما تكون النتائج مبالغا فيها لا عندما تكون متواضعة او ضعيفة خاصة وان  بلدنا يحتل مراتب متأخرة في تقويم التعليم وجودة التعلمات في عدة امتحانات عالمية لتقييم التعليم كبرنامج التقييم الدولي للطلاب PISA   وبرنامج الاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم « TIMSS « ، والدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم »PIRLS  » والدراسة العالمية للتعليم والتعلم »TALIS ». إذا كان النظام التعليمي يحتل المراتب الأخيرة في هذه الدراسات الدولية فحري أن تكون النتائج أيضا متواضعة بالمنطق السليم وعلى الدولة أن تحرص على محاربة الظاهرة في التعليم حرصها على تحسين نسب النجاح فيه.

وفي الختام، فإن لظاهرة الغش أسبابا عديدة ذكرنا بعضها ولا ندعي الإحاطة بها كلها. يجب الحرص على أن تصبح قضية محاربتها قضية مجتمعية يتجند لها كل الناس أفرادا وجماعات ومؤسسات في كل مناحي الحياة.  » كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ». فليس الغش حكرا على المؤسسات التعليمية بل هو نتاج غش خارج أسوارها.

م. ب.

10 مارس 2025

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *