Home»Débats»آنَ لخُطوط الطفل الكورسيكي كُبولاني أن تنمَحي

آنَ لخُطوط الطفل الكورسيكي كُبولاني أن تنمَحي

2
Shares
PinterestGoogle+

قلم: إدريس الواغيش

قالها الملك محمد السّداس بصراحة في خطابه الأخير: “سنمرُّ في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التّدبير، إلى مرحلة التّغيير“، وقال فيما يشبه العَلن، أنّ خصم وحدتنا الترابية الحقيقي هو فرنسا، وهي المرة الثانية التي يطلع علينا فيها ملك البلاد، ويقول لنا الحقيقة عارية جهارا: “التحلّي بالحَزم والاستباقية“، وما عهدنا في قول جلالته إلا الصّدق والحقّ.
الحقيقة الأولى…
ناب عنه بيانٌ من الديوان الملكي، حينما تعلق الأمر بتنظيم كأس العالم. وهو ملفٌّ تنمويٌّ أكثر منه سياسي أو جغرافي. يتذكر المغاربة ما جاء في بيان الديوان الملكي، وهو يعلن خبر اعتماد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA، بالإجماع ملف المغرب، إسبانيا والبرتغال ترشيحًا وحيدًا لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم، وهو قرار بمثابة اعتراف بالمكانة التي تحظى بها المملكة المغربية الشريفة بين الأمم. وكان قد طال انتظارنا، نحن المغاربة، من أجل أن نعيش هذه اللحظة، لأن الترشيح المغربي كان هو السادس من نوعه، وتتبّعناه في كل مرّة بأدق تفاصيله وجزئياته، بعد الفشل في خمس مرّات سابقة، بدأت أولى هذه المحاولات في سنة 1994م. استضافته حينها الولايات المتحدة الأمريكية، وكنّا ندًّا لندّ معها إلى آخر لحظة، بالرغم من الفارق الكبير في الإمكانيات والتجهيزات، وأتذكر ذات صباح كيف تتبعنا في المقهى كل التفاصيل والجزئيات، وعرفنا من كان معنا ومن كان ضدنا من العرب والعجم. أما المحاولة الأخيرة، فقد كانت سنة 2026م، وفازت به الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة مع كندا والمكسيك. ونعرف أن شرف تنظيم كأس العالم، لا تحظى به إلا الدول الكبرى، وإن كانت قد فازت به إفريقيا سنة 2010م مرة واحدة، وحظيت بتنظيمه دولة جنوب إفريقيا، لاعتبارات سياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى، تكريمًا لمسيرة نيلسون مانديلا، الرجل الذي ناضل من أجل حقوق الإنسان الإفريقي في مواجهة عنصرية الرجل الأبيض.
الحقيقة الثانية…
استمعنا إليها في خطاب الملك محمد السادس نصره الله وجهه الى الشعب المغربي في افتتاح الدورة التشريعية 2024، واكتسى الخطاب أهمية سياسية بالغة في أبعاده الجيوستراتيجية الجديدة المُعتمدة من قبل الدولة المغربية: “رابح، رابح“، ركز فيه على القضية الوطنية الأولى التي يُجمع عليها كل المغاربة، وهي قضية وحدتنا الترابية، وأعلن فيه عاهل البلاد عن اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء.
هذا الاعتراف على مضض للدولة العميقة في فرنسا بمغربية الصحراء، جاء على لسان رئيسها ماكرون، وفي ظاهر الديمقراطيات الغربية وخطوطها العريضة على الأقل، لا في تفاصيلها، يكون الرئيس ناطقا باسم الدولة العميقة، لا باسمه الخاص، وبالتالي لم يكن اعتراف ماكرون بمغربية الصحراء بادرة منه كشخص، وإنما حفاظا على مصالح الدولة العميقة في فرنسا. ولكن الزمن دوّار، ولا شيء يدوم على حاله. المعركة لم تكن سهلة أبدا، لا في باطن الأمور، ولا في ظاهرها، بل معركة طاحنة، وإن كانت صامتة، ولكنها مؤلمة من حيث تكسير العظام، لإعادة تشكيل نظام جديد في إفريقيا والمغرب العربي. وهي معركة القابضين على الجَمر، الثائرين ضد الظلم والباحثين عن حقوقهم المغتصبة، معركة العضّ على الأصابع بين المغرب وفرنسا، انتهت أخيرًا باعتراف فرنسا مُكرَهة بمغربية الصحراء، ليس حُبّا في المغرب، ولكن حفاظا على ما تبقّى لها من مصالح ومنافع اقتصادية في إفريقيا، وقد عرفت متأخرة أن المغرب بدأ يسحب من تحت أقدامها الواحدة تلو الأخرى.
وقد كان حريا بفرنسا، بصفتها شريكا اقتصاديا رفيعًا للمغرب في أوروبا، أن تُعفينا من صداع هذه الحرب الباردة، وارتداداتها على باقي دول إفريقيا والمغرب العربي. ولكن الدولة العميقة في فرنسا انحازت إلى عشقها الأول، وأظهرت تمسّكها المبالغ فيه بتاريخها الكولونيالي، وعدم رغبتها في التخلي عن عقليتها الاستعمارية، وأبانت عن غباء استراتيجي وسياسي واضح، هو الذي أورثته لصنيعتها في الجزائر، وإلاّ ما كان الرئيس عبد المجيد تبّون يُصرّح بأن أكثر من 13 دولة ستستفيد من أنبوب الغار نيجيريا لو مرّ من المغرب، في حين لو مرّ من الجزائر، ستستفيد منه دولة واحدة هي الجزائر، ومعها دول أوروبا…!!
فرنسا تعرف أكثر من غيرها بأن المغرب كان امبراطورية عظيمة بتاريخه العظيم، لولا أن تواطؤ عليه الإفرنج من الشمال، وخانه ذوو القربى من جهة الشرق، وتعرف كذلك أن المغرب يحسب له اليوم ألف حساب، وتعي جيدا أن “مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس“، وقد أصبح من بين الأمم الكبرى، تخضع له الكثير من القوى والدول في إفريقيا وخارجها. أما الدولة العميقة في إسبانيا، فقد عملت عكس فرنسا، تناست ماضيها الكولونيالي، واستوعبت الحاضر بسرعة، واعترفت مُبكّرًا بمغربية الصحراء، بالرغم من ضجيج ومعارضة الأحزاب اليمينية واليسارية، لأن إسبانيا آمنت، ولو متأخرا، بالعمل الاستراتيجي على المدى الطويل. أما دولة ألمانيا، فقد جرّبت حظها في معاكسة المغرب مرّات عديدة في الكواليس، وفي أخرى بالواضح، ثم دخلت في صفّ المُعترفين مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تدوينة دولاند ترامب الشهيرة، والتي ستبقى تاريخية.
اعتراف فرنسا اليوم، وهي صاغرة ومتأخرة، لم يكن ليُغيّر من الأمر شيئا في ثبوتية مغربية الصحراء، لأنّ “المغرب سيظل في صحرائه، والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها“، كما أكد جلالة الملك محمد السادس. وفرنسا كانت دائما هي المُدبّرَة الفعلية لاستعمار النزاع حول الصحراء المغربية، وليس أحد سواها، وهي التي كانت مسؤولة عن التلاعب بالخرائط في المغرب العربي، وهي التي عبثت بحُدودنا في الجنوب والجنوب الشرقي، وعليها أن تصلح ما أفسدته على مدى عقود من الزّمن، وأن تقدم للمغرب ما لديها من وثائق تاريخية تثبت بالدليل أن “الصحراء الغربية“، كما سمّاها كزافييه كبولاني، هي مغربية كما نظيرتها “الصحراء الشرقية“، لولا عبثية مسطرته التي آن لنا أن نكسّرها، ونطمس معالم خطوطها.
اليوم “ظهر الحق وزهق الباطل، والحمد لله، والحق يعلو ولا تعلى عليه، والقضايا العادلة تنتصر دائما“، اعترفت إسبانيا بمغربية الصحراء، وكذلك فرنسا، التي اعترفت بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء، وإن متأخرة، وهي اليوم “تدعم مبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل“، كما جاء في خطاب الملك محمد السادس.
وإسبانيا وفرنسا دولتان مُستعمرتان سابقا للصحراء المغربية، وقد آن الأوان لكي تنمحي تلك الخطوط الأفقية والعمودية التي سطرها الطفل الكورسيكي الفقير كزافييه كبولاني، الذي هاجر مع عائلته ذات زمن إلى الجزائر الفرنسية بحثا عن لقمة عيش، وإذا به يُصبح من أهم الشخصيات الاستعمارية الفرنسية، وستندثر بذلك معالم تلك الخطوط إلى الأبد من الجنوب على حدودنا مع موريتانيا، وفي حدود جنوبنا الشرقي لصحرائنا لشرقية مع الجزائر، وتنمحي إنجازات مشروع فرنسا الاستعماري القديم- الجديد في الصحراء المغربية، الذي بدأ مع المستشرق كزافييه كوبولاني، وظهرت معه تلك الحدود البئيسة التي خلّفها وراءَه، سواء في جنوب المغرب مع موريتانيا أو في جنوبه الشرقي مع الجزائر الفرنسية، بعد أن عمّر معنا هذا المشروع الاستعماري ما يفوق المئة سنة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *