كرة القدم من لعبة الغرض منها التسلية والفرجة إلى وسيلة لخلق البغضاء بين الأشقاء
كرة القدم من لعبة الغرض منها التسلية والفرجة إلى وسيلة لخلق البغضاء بين الأشقاء
محمد شركي
المشهور أن من اخترعوا لعبة كرة القدم ، وجعلوها نزال كرويا بين فريقين متنافسين ، وينتهي بانتصار أحدهما و هزيمة الآخر ، أو بتعادل بينهما، إنما قصدوا بذلك أن تكون تلك اللعبة بديلا عن حروب طاحنة كانت بينهم ، وحرصوا على أن يسودها ما سموه روحا رياضية ، وهي عبارة عن سلوكات تكون بين أفراد الفريقين المتنافسين، ويترجم المشاعر العاطفية المتبادلة بينهم مع الاحترام المتبادل ، والرفق ، وقبول الخاسر بخسارته بصدر رحب ، وفرح الفائز بفوزه فرحا لا يحمل في طياته شماتة بالخاسر أو تحقيرا له بقول أو بفعل سواء كان ذلك صريحا أم تلميحا .
وتكريسا لأخلاقيات هذه اللعبة، شرع واضعوها ضوابط زجرية عندما يخرج اللاعبون عن قواعدها المتعارف عليها بارتكاب مخالفات إما بدينة أو لفظية أو هما معا ، ويكون الزجر إما تحذيرات شفوية من قبل حكام المباريات أو أوراق صفراء أو حمراء يطرد بسببها اللاعبون من الملاعب ، ويحرمون من مواصلة اللعب .ومقابل الزجر عند ارتكاب المخالفات، يحظى كل سلوك معبر عن الروح الرياضية بتصفيق جمهور المتفرجين تشجيعا لهم، تماما كما يستنكرون ويستهجنون كل سلوك خال من تلك الروح الرياضية المطلوبة .
ومعلوم أنه ليست كل مباريات هذه اللعبة، تطغى عليها تلك الروح الرياضية ، وهي عبارة أصبحت تستعمل استحسانا في غير هذه اللعبة ، حيث يطالب بالانضباط بموجبها كل المتخاصمين مهما كانت طبيعة خصوماتهم ، بل كثيرة هي المباريات التي تختل فيها هذه الروح ، ويكون فيها التلاسن وحتى العراك بين اللاعبين . وقد تنتقل عدواهما إلى المتفرجين انفسهم ، وهم في الغالب فريقان كل واحد يحضر لتشجيع وتأييد فريقه . وقد تنتهي بعض المباريات بنهايات مؤسفة ومؤلمة أو ربما ينتهي بالصراعات الدامية ، وقد تزهق بذلك أرواح ، وتسيل دماء ، وتحصل إصابات تسبب إعاقات مستدامة ، كما وقع في عدة ملاعب عبر العالم .
والأخطر في هذه اللعبة أن تتحول من لعبة تسلية وفرجة إلى وسيلة للتحريش بين الشعوب ، وتسعير نيران الشحناء والبغضاء بينهم ،سواء في القطر الواحد أو بين الأقطار سواء التي تربطها إما علاقة أخوة أو علاقة جوار أو هما معا ،كما هو الحال بالنسبة لبعض الأقطار العربية مع شديد الأسف .
وكمثال على ذلك، ودون نية الحصر ، نذكر ما يقع بين جمهور بلدنا المغرب وجمهور القطر الجار الشقيق الجزائر . وإذا كان سبب الخلاف بين الجماهير المتفرجة على مباريات لعبة كرة القدم في معظم الأقطار الغربية و غيرها ،يتخللها تلاسن فيما بينها أو حتى عراك في بعض الأحيان ، سببه التعصب والانتصار لفرقهم الكروية ، فإن الأمر يختلف بالنسبة لجمهور بلدين الشقيقين الجارين ، وذلك لتدخل حكام الجزائر بخلفية سياسية، وسوء نية ، فيما يعتبر تحريشا وتحريضا لشعبهم على إبغاض وكره الشعب المغربي، كلما حلت مناسبة تنظيم مباريات لكرة القدم سواء على المستوى الدولي أو على المستوى لقاري أو على مستوى الوطن العربي . وتكفي الإشارة إلى تدوينة للرئيس الجزائري والتي طفحت بالتحريض والتحريش والتهريش ، وقد استجابت له شريحة مندفعة من الشعب ، بينما أعرض عنه العقلاء الذين يرفضون الإساءة إلى أشقائهم وجيرانهم . والمؤسف أن تنخرط شريحة من شعبنا أيضا في التهارش مع الشريحة الجزائرية المنساقة وراء هوى رئيسها الذي قطع العلاقة بين بلده وبلدنا ، وسكّر حدوده معه برا وجوا وبحرا ، وهو يجنّد لذلك وسائل إعلامه بما فيه الإعلام الرياضي الذي يصب الزيت على نار الصراع بين الشريحتين المندفعتين عاطفيا من الشعبين، والمنبريتين للتلاسن والسباب والشتائم التي غزت بشكل كبير معظم وسائل التواصل الاجتماعي ، وسببها لعبة كرة القدم التي يراد تسييسها من طرف قادة الجزائر.
ومن المحرضين على هذا الصراع أيضا ، وجوه من الإعلاميين الرياضيين ، نذكر منه واصف رياضي يعمل بالقناة الرياضية القطرية، وقد بلغت به وقاحته حد التعريض بأعراض المغربيات ، وقد كان من قبل محط إعجاب المغاربة لمهارته في وصفه الرياضي الجيد ، لكنه وهو الذي كان فارا من العشرية الدموية التي يتحمل مسؤوليتها جنرالات الجيش ، تحول إلى متملق لهم ، ولا شك أنه يفعل ذلك اتقاء نقمتهم أو لحاجة في نفسه يضمرها .
ولقد اندلع التلاسن بين الشريحتين من جديد على إثر إقصاء فريق كرة القدم الجزائري في الدور الأول من مباريات كأس إفريقيا التي تجري في بلاد ساحل العاج ، وذلك على غرار التلاسن السابق الذي كان من قبل على إثر إقصاء ذات الفريق في مباريات كأس العالم التي جرت في دولة قطر ، وهو تلاسن يبدو أنه لن ينتهي إلا بتوقف أصحاب القرار السياسي في الجزائر عن سياسة التحريش.
وما كنت لأثير مثل هذا الموضوع في هذا الظرف الذي تتوجه فيه الأنظار إلى ما يحدث في فلسطين الشقيقة ، لولا تداعياته السيئة ، وتهديده لأواصرالأخوة والجوار بيننا وبين الأشقاء في الجزائر ، ولولا استغلال ساستهم للعبة كرة القدم سياسيا ، ومن أجل التمويه على تسلطهم على رقاب هذا الشعب الكريم ، وحرمانه من ديمقراطية طالما حلم بها وهو ينشدها باستمرار ، وقد ضحى من أجلها خلال ثورة التحرير ، كما ضحى من أجلها خلال العشرية الدموية التي حرمته من حكم نفسه بنفسه، وذلك من خلال انتخابات نزيهة كانت الأولى والنموذجية في الوطن العربي، لكن العسكر أجهز عليها وأجهضها بتوجيه وإقرار من فرنسا محتل الأمس ، وهي تدعم هذا العسكر حرصا على مصالحها الفاضحة في الجزائر ، وفي كثير من الأقطار الإفريقية وقد ثارت جيوش يعضها عليها ، وذلك على حساب الشعب الجزائري الذي تصرف مقدراته وثرواته على عصابة الانفصاليين في الصحراء المغربية المسترجعة من يد احتلال إسباني . ولقد نجح جنرالات الجيش، والذين ينعتون بجنرلات فرنسا في الخلط بين صراعهم السياسي المفتعل مع المغرب بخصوص صحرائه ، وبين لعبة كرة القدم ، فالتبس على شريحة مندفعة من الشعب الجزائري أمر هذا الخلط ، فكانت النتيجة تنامي مشاعر الحقد والكراهية والبغضاء تجاه أشقائهم المغاربة ، وقد كان يجمعهم خندق واحد في فترة مقاومة احتلال أرضهما من طرف المحتل الفرنسي البغيض .
ولقد خلف طرد المغاربة من الجزائر سنة 1975 على يد الرئيس هواري بومدين بسبب خلافه السياسي المفتعل مع المغرب في نفوس المطرودين، و في نفوس عموم المغاربة آثارا غاية في السوء ، ولا زالت تتفاعل بشكل مستنمر ، علما بأن المغرب لم يقابل ذلك التصرف المتهور بإجراء مثيل، بل لا زال الرعايا الجزائريون بين ظهرانينا معززين مكرمين، ترعى حقوقهم ومصالحهم . ولقد كان من المفروض أن تطرح جريمة هذا الطرد التعسفي عشية عيد الأضحى على أنظار محكمة العدل، كما طرحت جريمة الإبادة الصهيونية الجماعية في حق الفلسطينيين . وكان على نظام بريتوريا المؤيد سياسيا للنظام الجزائري ،وهو الذي ثمن المغاربة رفعه لهذه الدعوى أن يرفع دعوى طرد وتهجير الرعايا المغاربة من الجزائر مع مصادرة ممتلكاتهم العقارية وغيرها ظلما وعدوانا .وعليه أيضا أن يرفع دعوى الإبادة الجماعية التي مارسها الجيش الجزائري فيما يسمى بالعشرية الدموية، التي ينسبها لما يسميه إرهابا بالرغم من شهادات وأدلة دامغة على تورط الجيش فيها بشهادة حقوقيين جزائريين بارزين ،لا زالوا يعيشون خارج وطنهم خوفا من انتقام النظام العسكري منهم.
وأخيرا ندعو الشريحتين معا المتلاسنتين بخصوص لعبة كرة القدم إلى الكف عن ذلك، لأنه لا يحسن بشعبين شقيقين وجارين تربط بهما أخوة العقيدة والدين والجوار الانسياق وراء التحريش بينهما . وهذا يقتضي التحلي بالوعي الذي من شأنه أن يقطع الطريق على المحرشين ، ويحبط تآمرهم المكشوف ، و المستهدف للحمة الأخوة بين الشعبين ، ولصرف الأنظار عما هو أهم وطنيا، وقوميا ، ودينيا ،خصوصا في ظرف يعيشه فيه الشعب الفلسطيني مأساة كبرى ، وهو يباد والشعوب العربية منشغلة بالتلاسن بسبب لعبة كرة القدم ،عوض نصرته بشتى الطرق والوسائل . ولقد كان من المفروض أن تؤخر مواعيد المباريات التي تشارك فيها البلاد العربية والإسلامية تضامنا مع الشعب الفلسطيني ، ولكن لم يحد شيء من ذلك مع الأسف الشديد ، وقد شغلت تلك المباريات الشعوب العربية والإسلامية عن نصرته ، وأثرت على تظاهراته ووقفاته المنددة بالعدوان المستعرعليه .
Aucun commentaire