Home»Débats»انتظارات المغاربة من رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان؟

انتظارات المغاربة من رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

انتظارات المغاربة من رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان؟

تبين من خلال مجموعة من المحطات التاريخية التي مر بها المغرب، بأن مواقف مختلف أطياف المغاربة وانتظاراتهم منها، تُمليها عليهم المرجعية التي ينطلقون منها، وهو ما تم تسجليه على سبيل المثال، بخصوص موقفهم من التعريب ومن تعميم تدريس الفرنسية، ومن تقنين زراعة القنب الهندي، ومن بعض المهرجانات والفنانين… ومما لا شك فيه أن تحكيم المرجعيات – وهي مسألة عادية –  حاصلٌ لا محالة، بخصوص تصوراتهم وانتظاراتهم المتعلقة « بالمكاسب » التي يُرجى جَنْيُها، بموجب انتخاب المغرب رئيسا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجدير بالذكر أن تحقيق المكاسب التي تخدم هذا الطيف أو ذاك، رهين بمدى حرص المسؤولين المغاربة على تقيُّدهم بمجموعة من الثوابت الوطنية، وبراعتهم في تفادي عدد من الإكراهات الخارجية والداخلية في نفس الوقت.

فإذا كان لثوابت الأمة المغربية المنصوص عليها في دستور المملكة مَعْنى في مُخيلة هؤلاء المسؤولين، فإنهم لن يجدوا فرصة أحسن من هذه لخدمتها، وهو ما يقتضي من المُمَثِّل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، العمل على إشاعتها، والترويج لها على المستوى الأممي. وبما أن الأمر يتعلق بحقوق الإنسان، وبما أن الإسلام هو أهم وأنبل هذه الثوابت، فيُفتَرَض فيه بذل كل ما في وسعه، للدفع في اتجاه تبنِّي مجموعة من الأحكام والقوانين، التي تنطلق من أصول الشريعة الإسلامية، أو لا تتعارض معها على الأقل، قصد إدراجها ضمن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، كما يُفترض أن ينبري للدفاع عن هذا الطرح ومؤازرته، العلماء أساسا، وكل الذين يؤمنون بأحقية المرجعية الإسلامية في الأخذ بتصورها -الذي يعتبر بحق تصورا كونيا – في تحديد مضمون مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان والحق في الحياة…

ومما لا شك فيه أن هذا الطرح تواجهه إكراهات متعددة، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، فأما الخارجي فيتمثل في الضغوط التي يفرضها الغرب تحت غطاء منظمة الأمم المتحدة، التي تدفع في اتجاه فرض تصورها لهذه المفاهيم، انطلاقا من مرجعيتها التي وُصفت بالكونية دون وجه حق، خاصة بعدما عَرَّت أحداثُ غزة المستور، وفضحت ازدواجية معاييرها في التعامل معها، وأما الداخلي فمرده إلى العراقيل التي يفتعلها الطابور الخامس، بتوجيه من علمانيي الداخل الذين يشتغلون في تناغم مع مؤطريهم من علمانيي الغرب، الذين يَفرِضون تصورهم على الأمم المتحدة نفسها في اتخاذ قراراتها.

ومما يعيق مهمة ممثل المغرب في لعب الدور المطلوب منه اتجاه ثوابت الأمة، هو غياب موقف كل أولئك الذين يُفترض فيهم الدفاع عن حقوق الإنسان من منظور الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي سارع فيه أعضاء من الطيف العلماني بالإفصاح عن انتظاراتهم، التي تصدرها المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، كما تم التعبير عن ذلك في إحدى المقالات الصادرة بجريدة هسبريس بتاريخ 16.01.2024 تحت عنوان « رئاسة المغرب مجلس حقوق الإنسان تعيد إلى الواجهة مطلب إلغاء عقوبة الإعدام »، والتي عبر فيها صاحبها على لسان من أسماهم بفعاليات حقوقية عن طبيعة هذه الانتظارات بقوله:  » « ملفات حقوقية عالقة » طالبت فعاليات مغربية عديدة بتصفيتها كلّيا بعدما تّم انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برسم سنة 2024، على رأسها إلغاء عقوبة الإعدام الذي كان مطلبا للحركة الحقوقية المغربية منذ عقدين، بوصفه « مشكلة جنائية تتعارض مع الحّق في الحياة »، وهي الفلسفة ذاتها التي تبناها المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية »، ثم يضيف قائلا: « الفعاليات الحقوقية التي تواصلت معها هسبريس اعتبرت أن « الضغط الذي سيكون على المغرب بعد انتخابه لرئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي، سيتخذ عموما منحى إيجابّيا في صالح المنظومة الحقوقيّة، وفي اتجاه تأهيل حقوق الإنسان من خلال تعزيز المسار الحقوقي الذي اتخذته البلاد »، مشيرة إلى أن « الإعدام كان يشوّش على الحصيلة الحقوقية للمغرب ويتعارض مع الدستور الذي ينص صراحة على الحق في الحياة في الفصل 20 ».

بالإضافة إلى تلميح المقال إلى تعويل منخرطي الطابور الخامس على الضغط  السياسي والأمني والاقتصادي …الذي يمارسه الغرب على المغرب تحت غطاء الأمم المتحدة، في تحقيق انتظاراتهم من رئاسة المغرب للمجلس، فإنهم يلجؤون إلى تأويل النص الدستوري الذي لا يخلو من غموض لصالحهم، كما هو الشأن بالنسبة للفصل 20 الذي ينص على ما يلي: « الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق »، من خلال إصرارهم على تمتيع حتى الذين تَثْبُت إدانتهم في جرائم القتل المتعمد، أو الخيانة العظمى، بالحق في الحياة، بينما تُعتبر عقوبة الإعدام في حق هؤلاء، حماية لهذا الحق بالذات، من المنظور الإسلامي، مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى في الآية 45 من سورة المائدة : ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ وما عدا ذلك، وانطلاقا من مفهوم المخالفة، فإن التخلي عن تنفيذها  في حق الذين يقتلون الأنفس بغير حق، يُعَدُّ اتهاما لله بالظلم، مع العلم أنه سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه وعلى عباده، مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي: « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ».

في الأخير، وعلى غرار تميُّزه في تعامله مع مجموعة من الأحداث الوطنية والدولية، لا بد لرئاسته لمجلس حقوق الإنسان أن تختص بقيمة مضافة، يتميز بها عن غيره من الدول التي سبقة في رئاسة هذا المجلس، وعدم اكتفائه بتمثيل دور « ابنة الجبل » كما تقول العرب، عند وصفها للإمعة المتابع الذي لا رأي له، ذلك أنه بالإضافة إلى الدفاع عن حكم الشريعة الإسلامية بخصوص عقوبة الإعدام، يتعين الاستبسال في رد الاعتبار لحركات المقاومة الفلسطينية، ونزع صفة الإرهاب عليها، وعلى حركة حماس المجاهدة، والعمل على أن يُوصَمَ بها العدو الصهيوني المتغطرس، الذي برهن بالملموس على استحقاقها، من خلال كل ذلك الدمار الذي ألحقه بالبشر، والشجر، والحجر، على أرض غزة، التي أثبت أهلها أنهم جديرون بالتقدير الذي أبداه إزاءهم ذوي الضمائر الحية، والفطر السليمة، في مختلف أرجاء العالم، كما يتعين العمل في اتجاه وضع حد لكل التجاوزات التي تستهدف الإسلام والمسلمين، في مختلف بلدان العالم، وعلى رأسها مسلمي الهند، وميانمار، والصين مرورا بمسلمي فرنسا، التي توصف ببلد الأنوار ياحسرتاه، ويتغنى مسؤولوها بالحرية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي يُرعبهم مجرد وضع قطعة قماش على رأس امرأة، أو ارتداء عباءة من قبل طفل، أما كلمة الله أكبر، فلو قُدِّر أن جَهر بها شخصٌ في سوق من أسواقهم أو متجر من متاجرهم لأقاموا الدنيا دون أن يقعدوها.

ختاما أرجو أن يكون دور المغرب في هذا المحفل مميزا، من خلال إقناع أعضاء هذا المجلس الأممي بأهمية اعتماد المرجعية الإسلامية في التعامل مع المفاهيم التي لها علاقة بالحرية وحقوق الإنسان بالخصوص، وأربأ به أن يكتفي بتقمص دور مكبر الصوت الذي يَجهر بخطاب الغرب، دون أن يُحدث أدنى تغيير في مضمونه الذي يتناقض في جوهره مع متطلبات الفطرة السليمة.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *