متى تعالجون أوضاع المتقاعدين؟!
اسماعيل الحلوتي
بمجرد ما أن تم الكشف عن مضامين « اتفاق 10 دجنبر 2023 » بين الحكومة والنقابات التعليمية « الأكثر تمثيلية »، ولاسيما في الشق المتعلق بالرفع من التعويضات والزيادة في أجور جميع موظفي قطاع التربية الوطنية بما قدره 1500 درهم شهريا موزعة على شطرين، الأول ابتداء من فاتح يناير 2024 والثاني ابتداء من 2025، وذلك على خلفية الاحتقان القائم في الساحة التعليمية، وما ترتب عنه من إضرابات متوالية لأكثر من ستة أسابيع، تعبيرا من نساء ورجال التعليم عن رفضهم للنظام الأساسي الجديد، الذي جاء محبطا ودون مستوى تطلعاتهم…
حتى تجدد الحديث عن استثناء فئة المتقاعدين ليس فقط من العاملات والعاملين سابقا في قطاع التعليم، بل وكذلك في جميع القطاعات، معلنين عن رفضهم الاستمرار في إقصائهم وتهميشهم، دون أدنى مراعاة لتدهور أوضاعهم ولاسيما الصحية. إذ خلافا لما تكنه معظم بلدان العالم الديمقراطية من احترام لشعوبها، وتوليه من اهتمام خاص وحسن العناية بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص المتقاعدين، عرفانا منها بما أسدوه في ريعان شبابهم من جليل الخدمات وعظيم التضحيات ونكران الذات، في سبيل رفعة أوطانهم ونهضة مجتمعاتهم، تصر الحكومات المتعاقبة ببلادنا على التنكر لهم وتجاهل مشاكلهم المتعددة، من خلال إدارة ظهرها لهم وعدم الاكتراث بهمومهم وأحزانهم.
ثم إنه إذا كان معظم نساء ورجال التعليم يرفضون بشكل قاطع زيادة في أجورهم بقيمة 1500 درهم شهريا حتى لو كانت في دفعة واحدة بدل دفعتين موزعة على سنتين، لكونها من جهة لا تتناسب مع ما باتت تشهده بلادنا في السنوات الأخيرة من غلاء الأسعار الذي أنهك قدرتهم الشرائية، ومن جهة أخرى لا ترقى إلى مستوى الزيادات التي عرفتها قطاعات أخرى من قبيل الصحة والعدل اللذين عرف موظفوهما زيادة في رواتبهم تقدر ب »3000 » درهم بالإضافة إلى الاستفادة من الشهر 13 و14، وموظفو المالية 6000 درهم وكذا الشهر 13 و14 وغيرهم، حيث حظي موظفو قطاعات أخرى بزيادات تتراوح ما بين 3000 و4000 درهم.
فما بالكم بالمتقاعدين في القطاعين العام والخاص الذين تظل معاشاتهم على حالها « مجمدة » منذ إحالتهم على التقاعد، بينما أسعار المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك تعرف ارتفاعات قياسية لا قبل لهم بها، وقد بلغت نسبة الزيادة في بعض المواد خلال العقد الأخير أكثر من 400 في المائة، ناهيكم عن أن أغلبهم لم يستطيعوا خلال مشوارهم المهني توفير سكن خاص لأسرهم يقيهم شر واجب الإيجار، الذي لا يسلم هو الآخر من الزيادة على رأس كل ثلاث سنوات، بالإضافة إلى حاجتهم الملحة إلى زيارة الطبيب الشبه الدائمة واقتناء الأدوية الخاصة بعلاج ما ورثوه من أمراض مزمنة عن أعمالهم.
إذ يحز في نفس المتقاعد عامة وخاصة المنتمي سابقا إلى الوظيفة العمومية في قطاع التعليم مثلا، ويشعره بالحزن الشديد ما يتعرض إليه من حيف وتهميش، وأن تظل منحة معاشه غير الكفيلة بسد حاجياته خاضعة ل »الضريبة على الدخل »، وهو ما يعتبر اقتطاعا جائرا ولا يستند إلى أي أساس قانوني. فكيف يعقل والحالة هذه أن يتم إقصاؤه من الزيادات التي تقرها الحكومات المتعاقبة وفق الاتفاقات الموقعة مع المركزيات النقابية في إطار الحوار الاجتماعي، وأن يخضع معاشه لمثل هذا الخصم غير المبرر حتى وهو خارج العمل الفعلي، بينما معاشات « كبار القوم » السمينة معفاة من أي تضريب؟ وهل من العدالة الاجتماعية حصول رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران وخلفه سعد الدين العثماني على معاش استثنائي بقيمة سبعين ألف درهم شهريا لكل واحد منهما، معفى من الضريبة ودون أي مساهمة مالية فعلية فيه، نظير قيادة الحكومة لمدة خمس سنوات فقط؟
فالمتقاعدون هم أكثر المواطنين تضررا من تهديدات المسؤولين حول قرب إفلاس « صناديق التقاعد »، ومن الغلاء الفاحش الذي أنهك جيوبهم بسبب تواصل ارتفاع أسعار المحرقات بشكل جنوني وانعكاسه على باقي المواد الأساسية، حيث صار كل شيء حولهم يزيد سعره وترتفع قيمته إلا معاشهم الذي يبقى على حاله وتقل قيمته. إذ أن تكلفة العيش عرفت حسب معطيات رسمية زيادة بنسبة تكاد تقارب 500 في المائة خلال العقد الأخير. والمتقاعدون هم أيضا أكثر الناس حاجة إلى حسن الرعاية والسكينة والطمأنينة بعد أن بلغوا من الكبر عتيا، تكريما لهم على تلك المشاق التي تحملوها خلال سنوات طويلة من المثابرة والعمل الجاد من أجل تنمية المجتمع.
إننا ومهما حاولنا تقريب المواطنين من حجم معاناة المتقاعدين، لن يكون بمقدورنا القيام بذلك على أحسن وجه، لأن الأمر لا يتعلق بصنف واحد من المتقاعدين، حيث هناك أشكال متعددة من المتقاعدين، كما يشهد بذلك تناسل العديد من « جمعيات المتقاعدين » في السنوات الأخيرة، لعدم قيام النقابات بدورها في الترافع عن أوضاعهم المتردية.
بيد أن ما يوحد هذه الشريحة الاجتماعية هو كبر السن وتعدد الأمراض التي لم تفتأ تنخر أجسامهم، ودون الدخول في متاهات الوضعية المالية لصناديق التقاعد، وما تعرض إليه بعضها من نهب وسوء تدبير في غياب المراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن المتقاعد أحوج ما يكون إلى عناية خاصة، ليس فقط على مستوى معالجة وضعيته المادية والصحية العليلة، بل كذلك على مستوى توفير أندية للتسلية والترفيه والرحلات الجماعية وغيرها…
Aucun commentaire