هل نحن حقا بحاجة إلى تعديل وزاري؟!
اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى وكما جرت العادة في الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام ببلادنا، وفي خضم الاحتقان الشعبي المتنامي بفعل موجة الغلاء الفاحش والمتصاعد، جراء مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي عرفت مستويات قياسية في السنتين الأخيرتين، وأرخت بظلالها على أسعار باقي المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك، عاد من جديد إلى الواجهة الحديث عن تعديل وزاري مرتقب على حكومة عزيز أخنوش التي شارفت على نهاية السنة الثانية من عمرها، بدعوى ضخ دماء جديدة لإنعاشها حتى تكون قادرة على مواجهة تحديات أزمة الغلاء والحد من معدلات الفقر والبطالة. لكن سرعان ما خفت حدته على إثر زلزال الحوز المدمر وما خلفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة.
ويشار في هذا الصدد إلى أن حملة رقمية واسعة كانت انطلقت في منتصف شهر يوليوز من السنة الماضية 2022، تندد بمسلسل ارتفاع الأسعار وتدعو إلى الرحيل الفوري لرئيس الحكومة وزعيم حزب « الأحرار » عزيز أخنوش، بسبب تذمر واستياء المواطنات والمواطنين الذين تضررت قدرتهم الشرائية بشكل لافت، وعدم تفاعل حكومته مع مطالبهم المشروعة والوفاء بما رفعته من شعارات الدولة الاجتماعية وما قطعته على نفسها من وعود بتحسين ظروف عيشهم والقضاء على مختلف أشكال الريع والفساد.
وأنه في تزامن مع تلك الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي، جاء ضمن مواد مجلة « جون أفريك » الناطقة باللغة الفرنسية والتي تصدر في العاصمة الفرنسية باريس، أن تعديلا وزاريا محدودا يجري التحضير له في سرية تامة مع مطلع شهر غشت 2022، سيهم في مرحلته الأولى وزارتي العدل والتعليم العالي، اللتين يشرف على تدبيرهما كل من عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب « الأصالة والمعاصرة » وعبد اللطيف ميراوي المحسوب على ذات الحزب، على أن يشمل التعديل لاحقا حقائب أخرى…
وفعلا اتضح فيما بعد أن هناك احتمالا كبيرا بحدوث تعديل وزاري في هذا الشهر أكتوبر أو خلال مطلع السنة الميلادية المقبلة 2024، لكون بلادنا اعتادت من جهة القيام بمثل هذه التعديلات خلال منتصف ولاية الحكومات السابقة، كما هو الحال بالنسبة لحكومات كل من الراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، والأستاذين عبد الإله ابن كيران وخلفه سعد الدين العثماني عن حزب العدالة والتنمية. لكن لا أحد بمقدوره التكهن بزمن التعديل الوزاري المنتظر وشكله وكيفية تنزيله، في ظل جدار الصمت المضروب على الموضوع من قبل قادة التحالف الحكومي الثلاثي: عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ونزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، سواء خلال اللقاءات الحزبية أو التصريحات الإعلامية. وهو ما اعتبره بعض المهتمين بالشأن العام الوطني مجرد بالون اختبار، يراد من خلاله سبر آراء أحزاب المعارضة والمواطنين ومعرفة ردود الفعل الممكنة قبل الإقدام على هكذا إجراء سياسي بمثل هذا الحجم…
ومن جهة ثانية تأكد ذلك من خلال خروج الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي ادريس لشكر للمطالبة بإجراء تعديل حكومي من شأنه الاستجابة لانتظارات الشعب، والتعبير الصريح والواضح عن استعداد حزبه المشاركة في الأغلبية الحكومية، حيث جاء في بيان صادر عن المكتب السياسي « إن كل المؤشرات الحالية وقراءتها في ظل عمل الحكومة تدعو إلى إحداث رجة، لا تقف عند حدود تغييرات في « الكاستينغ » البشري للجهاز التنفيذي، وشدد ذات البيان على أن تذهب الرجة عميقا في تنشيط دورة القرار الحكومي بما يؤهل الحكومة، كمنجز دستوري وسياسي هام في المغرب الحديث والدخول في دينامية المرحلة الجديدة التي دعا إليها ملك البلاد »
بيد أنه وبناء على ما أوردته يومية الصباح في عددها الصادر يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 أن قادة الأغلبية الحكومية يتشبثون برفضهم التام تعزيز صفوف الحكومة بأطر وقياديين من حزب « الوردة » في التعديل الحكومي المرتقب إجراؤه في القادم من الأيام، مشددين على أن الأحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية الحكومية، باعتبارها أغلبية مريحة ومنسجمة ومتكاملة وتشتغل بكامل الجدية وروح المسؤولية. ثم إنه إذا كان لا بد من تعديل نزولا عند رغبة وزير أو وزيرين في التخلي عن مهامهما لسبب أو آخر أو بهدف ضخ دماء، فليكن ذلك على مستوى الأحزاب المشكلة للحكومة ذاتها.
إن الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن لأي تعديل حكومي أن يحجبها، هي أن المغاربة اليوم يعيشون أسوأ أحوالهم في ظل حكومة رفعت سقف الوعود عاليا دون أن تكون قادرة على الوفاء بها والالتزام بتعهداتها، حيث أصبحت البلاد تعيش على إيقاع وضع اقتصادي واجتماعي صعب، كما يؤكد ذلك والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري والمندوب السامي للتخطيط محمد علمي الحليمي حول ارتفاع معدل التضخم وغلاء المعيشة وتداعياتهما، ويكرسه تصاعد موجة الاحتجاجات المتوالية المنددة بتردي الأوضاع واستشراء الريع والفساد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
إننا وفي غياب الإرادة السياسية القوية التي من شأنها تحريك عجلة التنمية، الانكباب بكل جدية على اجتراح الحلول المناسبة واتخاذ الإجراءات الجريئة من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين وصون كرامتهم والقيام بالإصلاحات الضرورية، فإن أي تعديل وزاري كيفما كان شأنه لن يفيد في شيء…
Aucun commentaire