شركات الاتصالات بالمغرب والتنشيط الثقافي
بسم الله الرحمن الرحيم
شركات الاتصالات بالمغرب والتنشيط الثقافي
الحسن جرودي
من المعلوم أن مستوى تقدم الأمم أو تخلفها في مجال من المجالات، يقاس بمؤشرات يحددها ذوي الاختصاص، ومن المؤكد أيضا أن تقدم أو تخلف أمة من الأمم بصفة عامة، هو تعبير عن مُحصِّلة مساهمات مختلف أطياف المجتمع منها الرسمية وغير الرسمية إيجابا أو سلبا، مع الإشارة إلى أن تحديد مفهوم التقدم والتخلف، على الرغم من وجود توافق كبير لدى مختلف الأمم والشعوب بالنسبة لشقه المادي والتكنولوجي، فإنه يبقى نسبيا عندما يتعلق الأمر بالشق القيمي والثقافي، وذلك بسبب الخلفية العقدية التي تؤطر تعريف هذا المفهوم، فعلى سبيل المثال لا الحصر يُعتبَر المسلمون في نظر العلمانيين الداعين للمثلية والرضائية وغيرها مما أصبح معروفا لدى العام والخاص، متخلفون من الدرجة الأولى، وأن عدم قبولهم بما يدْعون إليه سببا جوهريا في تخلفهم، بينما يَعتبر المسلمون ما تدعو إليه هذه الشريحة من العلمانيين ليس تخلفا فحسب، وإنما خروج بالإنسان عن إنسانيته، وعن فطرته السليمة، والانحدار به إلى مستوى، وربما إلى أقل من مستوى الحيوان، على اعتبار أن مجموعة من الفصائل الحيوانية تنأى عن بعض ما يدعون إليه. من هذا المنطلق ونتيجة لتحكم المرجعية في تحديد مفهوم التقدم والتخلف، تنشأ مختلف الصراعات الثقافية، مع تباين في الوسائل المعتمدة التي تتأرجح بين الظهور والسفور أو الجمع بينهما، بحيث تعمد كل فئة إلى استغلال ما تراه مناسبا، لسيادة الثقافة التي ترنو إليها. وفي هذا الصدد، وعطفا على المثال السابق، أود الإشارة إلى طرفي الصراع الثقافي في المجتمع المغربي، الأول يتبنى الثقافة المغربية الأصيلة، التي تستمد جذورها من الشريعة الإسلامية، والثاني يمتح من ثقافة الغرب ومكوناتها، ومن ثم تكون الثقافة السائدة عبارة عن محصلة التدافع بين هذين الوجهين من الثقافة بالأساس. والملاحظ دون عناء كبير أو تفكير عميق، أنه على الرغم من الأغلبية العددية لمعتنقي الوجه الأول، فإن الذين يتبنون الوجه الثاني رغم قلتهم أصبحوا يمتلكون، بل تُمنح لهم من الوسائل ما يساعدهم على تمرير خطابهم من خلال الجمعيات التي لا تعد ولا تحصى، ومن خلال مجموعة من المنظمات « الوطنية » العاملة في مجال حقوق الإنسان بصيغتها « الكونية »، بالإضافة إلى جهات رسمية عُرفت بمساندتها لأنشطة « فنية » ماجنة، وأخرى اشتهرت بتسويقها للمثلية وأخواتها. في المقابل يجد المنافحون عن أفكار الوجه الأول أنفسهم محاصَرين في عقر دارهم، الذي يعتبر المسجد من ركائزه الأساسية، لبسط مفهوم التقدم والتخلف انطلاقا من المرجعية الإسلامية. ومن تجليات هذا الحصار عزل مجموعة من الخطباء، لا لشيء، سوى لأنهم عملوا على تجسيد فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب ما تمليه عليهم وظيفتهم، ويسمح به تخصصهم المتمثل في استعمال اللسان وسيلة لتبصير المصلين بمجموعة من المؤامرات والدسائس التي تستهدف المسلمين في عقيدتهم وفي أسرهم وفي مستقبلهم.
الدافع وراء هذا المقال هو انحياز مجموعة من الشركات « الوطنية » للطرف الثاني، من خلال تشجيعها على الميوعة عن طريق تمويلها لمجموعة من « الأنشطة الفنية » المشبوهة، وعلى رأسها احدى شركات الاتصالات ، التي توصلتُ من قبلها شخصيا، وأزعم أن الأمر قد شمل كل المنخرطين معها، بعدد لا حصر له من الرسائل النصية، التي تتضمن دعوة لحضور السهرات المجانية، التي تنظمها في مجموعة من المدن الشاطئية، تحت اسم مهرجان …… في البداية كنت ألقي بها مباشرة في سلة المهملات، لأنني أعتبر نفسي غير معني بها أصلا، إلى أن اطَّلعتُ على مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية مفاده غياب الجامعات المغربية عن تصنيف « شنغهاي » لأفضل 1000 مؤسسة جامعية في العالم، مع الإشارة إلى تصريح أحد المسؤولين السابقين في وزارة التعليم العالي الذي أورد « أن البحث العلمي ومختبرات البحث يتطلبان اعتمادات مالية ضخمة، وهو ما لا يتوفر لدى جامعاتنا الوطنية » مضيفا أن « المؤسسات الجامعية الُمصنفة تعتمد على القطاع الخاص والشركات، ومداخيل الوقف من أجل تمويل برامج البحث العلمي واستقطاب باحثين من أعلى المستويات، فيما لا تزال المؤسسات الجامعية المغربية تعتمد كليا على الموارد المالية والبشرية للدولة في غياب أي اعتمادات خاصة في إطار اتفاقيات للشراكة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي ». مما جعلني أتساءل على مدلول كلمة « الوطنية » في تسمية هذه الشركات، ومن ثم هل تشتغل فعلا للوطن أم لجهات أخرى؟ ألم يكن حريا بها ضخ هذه المبالغ المالية في ميزانية الجامعة المغربية؟ وفي كل مشروع يعود بالنفع على الأمة؟ عوض تبذيرها في هذا النوع من « الأنشطة » التي تساهم بشكل سافر في تقويض أسس الثقافة الجادة، وتشجيع التفسخ والعربدة، وكل المظاهر التي تصب بشكل مباشر في الانخراط في المشروع الغربي الذي تتبناه الأمم المتحدة بخصوص سيادة حقوق الإنسان المسماة ظلما وزورا كونية والتي يعمل الطابور الخامس جادا على إرسائها.
في الأخير أقول: إذا عُلِم من جهة، أن التقدم في شقيه المادي التكنولوجي، والثقافي القيمي، لا يتم إلا بالعلم، وأن مؤسساتنا التربوية من الابتدائي إلى الجامعي أصبحت تتذيل جل التصانيف العالمية، من جهة ثانية، فإنه من غير المقبول ولا المعقول أن تتكفل بعض الشركات المسماة « وطنية » بالإنفاق بسخاء، شأنها في ذلك شأن بعض الجهات الرسمية، على أنشطة لا يُرجى منها سوى الميوعة وإضاعة الوقت، وما إلى ذلك من تصرفات وممارسات منافية للأخلاق السوية، كما كان ذلك جليا في مهرجانات سابقة لا حاجة للتذكير بها، لذا يتعين على كل من له ذرة حب لهذا الوطن، الدفع في اتجاه الاهتمام بما يعود على هذا الوطن بالتقدم في المجال المادي، والرقي في المجال القيمي والثقافي، ومن ثم العمل على عدم تبذير المال العام وحتى الخاص منه على مثل هذه الأنشطة التي تؤدي بالضرورة إلى مزيد من التخلف والتقهقر في جميع المجالات.
Aucun commentaire