دلالة التهنئة بالزواج في الإسلام

محمد شركي

مضمون هذا المقال عبارة عن موعظة كلفت بتقديمها بمناسبة حفل زفاف بعض الأقارب

مع حلول فصل الصيف ،وهو فصل عطل بالنسبة لكثير من شرائح المجتمع ،تغتنم فرصته لإقامة حفلات الأعراس، التي تختلف عاداتها وتقاليدها حسب جهات البلاد . ومع وجود ذلك الاختلاف ، تكاد كل الأسر تلتقي عند شدة الحرص على جعل التبرك بتلاوة القرآن الكريم، وبسماع المديح ،  تيمننا بهما، وهو أمر ضروري  يقدم على كل مظاهر الاحتفال، التي يكون منها ما تقره  ، وما لا تقره المرجعية الإسلامية .

ومما تردده الألسنة خلال  سهرات التيمن بالقرآن الكريم ، وبالمديح النبوي، حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال :  » إن النبي كان إذا رفّأ الإنسان إذا تزوج ، قال : بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير  » أي إذا هنّأ . وهذه التهنئة النبوية يتناقلها المهنئون ، وأغلبهم يحفظها ، وقد لا تُفقه دلالتها بالنسبة لكثير ممن يرددونها .

ومعلوم أن هذه التهنئة تتضمن دعاء سنّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سنّ لنا أدعية في كثير من أحوالنا ، ونحن نخوض غمار الحياة . وبهذه التهنئة ألغى عليه الصلاة والسلام تهنئة كانت سائدة في جاهلية العرب ، وكانت صيغتها هي  :  » بالرّفاء والبنين  » ـ بكسر الراء ـ ، فعن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : «  نهى النبي عن قول بالرّفاء والبنين  » . وقد يسأل البعض عن سر إلغاء النبي صلى الله عليه وسلم هذه التهنئة ، وسنّ تهنئة أخرى محلها ، والجواب أنه عليه الصلاة والسلام  بعث هاديا في مجتمع كانت مرجعيته وثنية  وجاهلية ، وعنها كان يصدر الناس في كل سلوكاتهم التي منها التهنئة بالزواج .

وإذا تأملنا التهنئة الجاهلية ، فأول ما نلاحظه أنها عبارة عن أمنية ، وليست دعاء كما هي التهنئة الإسلامية . وما كان الناس في الجاهلية يتمنونه لمن يهنئونه بالزواج  هو أن يكثر بنوه، لأن القبائل العربية كانت مضطرة إلى الإكثار من إنجاب البنين، لأنها كانت تتنافس فيما بينها على مصادر الماء، وأماكن الكلأ في بيئة صحراوية شحيح ماؤها وعشبها ، وكان الماء والعشب سببا لمعظم ما كان ينشب بينهم من حروبهم  كانت بعضها  يطول لعقود . والملاحظة في التهنئة الجاهلية أيضا أنه ليس فيها التمني بالبنات، لأنهن كن مصدر عار في العرف الجاهلي ، وكانت بعض القبائل تئد بناتها ، وقد سجل ذلك القرآن الكريم ، وتوعد شديد الوعيد يوم القيامة من كانوا يقترفون ذلك الجرم الشنيع .

وكلمة الرّفاء في التهنئة الجاهلية لها دلالتان : الأولى أنها تدل على التمكين ، فيقال: رفأت الرجلَ أو رفوته إذا سكّنت ما به من روع ، والثانية أنها تدل على الالتئام  ، فيقال رفأت أو رفوت الثوب إذا جمعت بعضه بخيط الإبرة . ولعل المقصود في التهنئة الجاهلية بالرّفاء، هو تمني الالتئام بين الزوجين ليكثر نسلهما من البنين للغرض الذي ذكرناه آنفا . ولقد جاءت التهنئة الإسلامية كبديل عن التهنئة الجاهلية لتعكس مدى سمو المرحعية الإسلامية على المرجعية الجاهلية .

وإذا ما تأملنا التهنئة الإسلامية، نجدها كما سبق الذكر عبارة عن دعاء أو تبريك ، وهذا الأخير من البركة ، والبركة هي زيادة الخير ونمائه . والدعاء بها يكون بعدة صيغ تميز بينها بعض حروف المعاني ، فيقال :  » بارك الله فيك ، وبارك لك ، وبارك عليك . والملاحظ أن  صيغة التبريك الأول تخص ذات من يُبارك ، وأن صيغة التبريك الثاني تخص ما يكون له أو ما يملكه ، وأن صيغة التبريك الثالث هي أعم وأشمل من سابقتيها . وما ورد في تهنئة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الصغتان الثانية والثالثة :  » بارك الله لك ، وبارك عليك  » ،وهو دعاء للزوجين معا ، والدليل على ذلك كاف الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك  :  » وجمع بينكما في خير « ، فهو يدعو بالبركة للزوج في زوجته ، وللزوجة في زوجها ، وبالبركة عليهما معا . وأما الدعاء لهما بالجمع في خير ، فيدل على حسن العشرة ودوامها بينهما، وذلك من الخير الذي لا يكون إلا بحياة زوجية تحكمها المرجعية الإسلامية التي بموجبها ينال كل طرف حقوقه كاملة غير منقوصة . وهذا الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :  » وجمع بينكما في خير  » هو ما نص عليه قول الله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا وجعل بينكم مودة ورحمة )) ، وقد جاء قوله عز وجل في سياق امتنانه بنعم أنعمها على خلقه ، والتي منها نعمة الزواج . والملاحظ في قوله تعالى أنه حدد طبيعة المشاعرالتي يجب أن  تحكم العلاقة الزوجية ، وهي المودة والرحمة . فأما المودة، فهي نوع الحب الذي يكون بين زوجين في إطار علاقة زواج شرعي ، وهي خلاف  كل أنواع الحب التي تكون خارج إطار هذه العلاقة، والتي يرتبها البعض حسب قوتها على حد زعمهم ، وتبدأ هوى ، فتصير حبّا ،فعشقا وهو تعلق فوق درجة الحب ، فكلفا أو ولعا وهما شدة عشق، فشغفا وهو افتتان بالمعشوق ، فجوى وهو حزن سببه المبالغة في العشق ، ثم تكون هياما وهو جنون سببه الحرمان من المعشوق . وكل هذه الأنواع  تكون خارج إطار العلاقة الزوجية أو تكون بين أخدان، كما سمّاهم القرآن الكريم ، وهي علاقة تكون  سرية طي الكتمان، وكل هذه الأنواع من الأوهام ، وغالبا ما يذكرها الشعراء في أشعارهم ، ويوهمون الناس بأنها موجودة  حقا ، والحقيقة أنها من نسج خيالهم ، وقد قال الله تعالى في بعضهم : (( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون )) ، ومما كانوا  يقولونه، ولا وجود له في واقع الحال هذه الأنواع من الحب ، وقد استثنى منهم الله تعالى أهل الإيمان مع صالح الأعمال ، والانتصار لدينه .

ولهذا لا يصح من أنواع الحب إلا ما سماه الله تعالى مودة ، وهو أعلم بخلقه ، وبما تخفيه صدورهم من مشاعر وأسرار .

ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا التهنئة الإسلامية بالزواج ، فلا زال فينا مع الأسف الشديد من يفضل  صيغة التهنئة الجاهلية  » بالرفاء والبنين  » يلوكها لسانه ، وهو لا يستوعب دلالتها ، ولا يعرف مرجعيتها ، وقد ترسم على بطاقات  منمقة ، وتقدم مع باقات من زهر أو ورد أومع هدايا ، ويتلق الناس ذلك تقليدا أعمى بالرغم من مرجعيتهم الإسلامية ، وأكثرهم  يجهلون ذلك ، و قد يعرض بعضهم عن تهنئة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمد، وقصد،  وسبق إصرار وقد استلبوا ببعض مرجعيات هذا الزمان ، وهم يسوقونها في بلاد المرجعية الإسلامية قصد طمس معالم هويتها والله من ورائهم محيط .

وإنه ليجدر بنا أن نحرص على النهل من مرجعيتنا الإسلامية في كل أحوالنا لنسعد  بحياة كريمة في دنيانا  ، ونفوز بنعيم الآخرة.