Home»Débats»القراءة بين الضرورة والهواية

القراءة بين الضرورة والهواية

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي


القراءة بين الضرورة والهواية
وأنا أتأمل تحول مجموعة من المكتبات إلى مقاهي، ومحلات تجارية بمختلف أنواعها، تساءلت عن السبب: أَيَكْمُن في أن الناس قد سئموا من القراءة، واقتنعوا بعدم جدواها في « الارتقاء » في درجات السُّلَّم الاجتماعي، على اعتبار أن التافهين هم الذين تبوؤوا مرتبة القدوة، أم أنهم استعاضوا عن الكتاب الورقي بالكتاب الإلكتروني الذي أصبحت تعج به شاشات الهواتف الذكية بدون مقابل مقارنة مع الكتاب الورقي، أم هناك أسباب أخرى.
يبدو أن الأسباب التي أدت إلى هجر الكتاب في العالم العربي والإسلامي كثيرة ومتنوعة، ولعل المسؤولية في دراستها تقع على المختصين في علوم التربية والاجتماع وعلم النفس، وعلى الدولة، التي يتعين عليها دعمهم وتوجيهم إلى حصر هذه الأسباب، وتفكيك عناصرها، بهدف إيجاد حلول لهذه الآفة التي تنخر مجتمعاتنا، وتَحُول دون تبوئها مرتبة الخيرية التي وصف بها الله أمة الإسلام، ومن ثم إذا كنا نتمسك بهذه الخيرية، فلا يمكن لأي سبب من هذه الأسباب مهما كانت أهميته، أن يبرر عدم القراءة، وتجاوزها إلى غيرها من الأمور الحياتية.
كثيرة هي الكتب الورقية والإلكترونية التي تحثك على القراءة، وأهميتها في الحياة، بل تجد منها ما يُبصِّرك بأنواع القراءة ومنهجية كل منها…كما يمكن الاستفادة بمجموعة من الفيديوهات التي أُعدت لهذا الغرض. وعلى الرغم من صغر حجمه وتوفره مجانا على الإنترنيت، أعجبني، من بين ما اطعت عليه من كتب وفيديوهات، كتابٌ للداعية الدكتور راغب السرجاني تحت عنوان « القراءة منهج حياة » فيما يلي أهم ما ورد فيه:
1 أن القراءة ضرورة من ضرورات الحياة، مثلها مثل المأكل والمشرب والتنفس…وليست هواية من الهوايات، كما يحلو للبعض أن يصفها بأنها هوايته المفضلة إذا سُئل عن مكانتها لديه، وهو ما استهجنه وأنكره عليهم. ولكونها ضرورية، فلا ينبغي للإنسان أن يقتصر على قراءة كتاب أو كتابين ثم ينتهي، وإنما عليه أن يستمر في القراءة مدى الحياة.
2 أن القراءة تجد تأصيلا لها في الشريعة الإسلامية، ذلك لأن أول ما نَزَل من القرآن هو كلمة إقرأ، ولأن جبريل عليه السلام ألح في طلبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ على الرغم من إصراره بأنه ليس بقارئ، كما أن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أَسْرى بدر، عندما طلب من الأسير المشرك الذي يريد فداء نفسه من الأسر، تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، علما أن المسلمين في ذلك الوقت كانوا في حاجة إلى الأموال، وفي حاجة إلى الاحتفاظ بالأسرى للضغط على قريش، دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى أن القراءة والكتابة أهم من المال ومن اتخاذ الأسرى ورقة للضغط على قريش.
3 أن تكون القراءة بسم الله، مصداقا لقول الله جل جلاله:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، ولا يجوز أن يُقرأ ما يُغضب الله أو ما نهى الله عز وجل عنه، بحيث تكون القراءة لنفع البلاد والعباد، ولخيري الدنيا والآخرة، أما ما عدا ذلك مما لا خير فيه، فليست بالقراءة المنصوص عليها.
4 على الرغم من أن القراءة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وإنما العلم هو غايتها، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبدأ القرآن بكلمة تَعلَّم، ولكن بكلمة اقرأ، مما يُفهم منه أن القراءة هي أعظم وسيلة للتعلم مهما تعددت وسائل التعليم.
5 عدم التَّكَبُّر بالعلم الذي تم تعلمه، والتزام التواضع، والتذكر على الدوام بأن الله هو الذي مَنَّ على المتعلم بما عَلِم، مصداقا لقوله تعالى:﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾وقوله:﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ وقوله ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾،وقوله: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.
6 دعوة المسؤولين بكيفية غير مباشرة للزيادة في الإنفاق على التعليم، بالإشارة إلى أن نسبة الأمية التامة (عدم القراءة والكتابة أصلا) جد مرتفعة في الشعوب الإسلامية، ومع ذلك فإن نسبة الإنفاق على التعليم في العالم الإسلامي أقل من 4%، وذلك على الرغم من الأهمية التي يوليها الإسلام لموضوع القراءة.
7 دعوة القراء لتنويع قراءاتهم، ذلك لأن الاكتفاء بقراءة مواد التخصص نتجت عنه أميات كثيرة، على رأسها الأمية الدينية، حتى أنك قد تجد أستاذا جامعيا، أو طبيبا كبيرا، أو محاميا متميزا في تخصصه، ومع ذلك فلا علم بالأساسيات التي يقوم عليها دينه، وقد ضرب مثالا لذلك بأستاذ جامعي يسأل أحد زملائه بعد عودته من العمرة، عما يقوله في التشهد؟ هل يقرأ الفاتحة؟ إضافة إلى أمية في السياسية، وأمية في التاريخ وأخرى في القانون…مما يُعتبَر ردة حضارية خطيرة.
8 أهمية القراءة ينبغي أن تتجسد في أهمية المادة التي تتم قراءتها والهدف منها. وهنا تبرز مشكلتان: الأولى تتمثل في الملل الذي يعتري البعض، والثانية في كون كثير من الناس يقرؤون فعلا، لكنهم لا يعرفون ماذا يقرؤون لتصبح قراءتهم نافعة ومفيدة.
9 تمكين الحريص على القراءة من مجموعة من الوسائل التي يُعينُ بها الله عباده ليُحببهم في القراءة، أذكر منها ستة من بين العشرة التي تضمنها الكتاب وهي:
أ‌- النية: التي تتجسد في أن يستحضر القارئ بأن هدفه هو الاستجابة لأمر الله، وأنه يقرأ لينفع نفسه في الدنيا والآخرة وينفع أمته.
ب‌- وضع خطة للقراءة، انطلاقا من دراية كافية بالإمكانات المتاحة له، من حيث الوقت، ومن حيث القدرة على الاستيعاب، ومن حيث توفر الظروف المادية للقراءة… مع ضرورة تحديد الهدف من القراءة.
ت‌- تحديد وقت ثابت وملائم للقراءة، واستغلال الفراغات البينية.
ث‌- اعتماد مبدأ التدرج، وعدم طغيان الوقت المخصص للقراءة على أعمال أخرى ذات أهمية، تفاديا للملل الذي قد يؤدي إلى التوقف.
ج‌- الجدية، ذلك لأن القراءة ليست هواية، بل هو عمل جاد جدا، يحتاج إلى فكر، ووقت، ومال، ومجهود، وتضحية، فالقراءة عمل عظيم ليس للقارء منه إلا ما عقله.
ح‌- تقاسم ما تمت قراءته مع الآخرين لسببين رئيسيين: الأول هو أن الإنسان مُطالب بتعليم غيره ما تعلمه هو، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:  » بلغوا عني ولو آية »، ولأن العلم يثبت في الذهن بهذه العملية، عملا بالقول المأثور: » من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم ».
1 التركيز على قراءة وتدبر القرآن والسنة، وما يوصل إلى فهمهما، مع الإشارة إلى أن كل قراءة في أي مجال نافع في الدنيا تعتبر قراءة نافعة مطلوبة في ميزان الإسلام.
في الأخير أقول: إذا كان الواقع يشهد على تناقص مستمر لعدد المكتبات، وإذا كان الكتاب الذي يتميز بالجودة قليل الحضور فيما بقي من المكتبات، مع العلم أنه حتى في حالة توفره لا يكون في متناول عامة القراء، فكل ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مبررا لهجر القراءة، وعدم اعتبارها من الضروريات التي يتعين الالتزام بها طول الحياة، وذلك لأن الكتاب الإلكتروني أصبح متوفرا بصفة عامة، بما يسمح بالتعويض النسبي للكتاب الورقي، ويبقى الشرط الأساسي فيها هو أن تتم بسم الله، وأن تكون الغاية منها هي اكتساب العلم الذي ينفع البلاد والعباد، ويصلح الدنيا والآخرة، تحت شعار القراءة منهج حياة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *