ما محل الفرنسية في مناقشة أطروحات تُعَدُّ وتُعرَضُ بالإنجليزية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
ما محل الفرنسية في مناقشة أطروحات تُعَدُّ وتُعرَضُ بالإنجليزية؟
سبق لي أن حضرت مناقشة مجموعة من أطروحات الدكتوراه، منها ما هو علمي ومنها ما هو أدبي، كان آخرها أطروحة في مجال الفيزياء النووية تم تقديمها يومه 08 يوليوز 2023 بكلية العلوم بوجدة. وسوف لن أتطرق في هذا المقال لمضمون الأطروحة الذي بدى من خلال ثناء جميع أعضاء اللجنة، بدون استثناء، أنه كان في المستوى، لكن الذي لفت انتباهي هو اعتماد اللغة الإنجليزية من قبل الطالب، في تقديم أطروحته، في الوقت الذي اعتَمَدَتْ فيه اللجنة اللغة الفرنسية في مناقشتها.
وربما لأن الأطروحة تندرج في إطار انخراط المغرب في برنامج للشراكة العلمية مع الخارج، أو لأسباب أخرى أجهلها، فلقد وقع اختيار صاحبها على اللغة الإنجليزية، في التحرير والتقديم، حتى تكون أكثر إشعاعا، وأكثر اندماجا في مجتمع المعرفة، وإذا افترضنا أن خصوصية هذه الأطروحة هي التي كانت وراء اعتماد اللغة الإنجليزية، فإن هذا لا ينفي انجذاب الطلبة بصفة عامة نحو اللغة الإنجليزية في إعداد أطروحاتهم، وفي هذا الصدد حضرتُ مؤخرا مناقشة أطروحة في الطب بالإنجليزية كذلك، والمستفز في هتين الأطروحتين هو أنه على الرغم من أن التقديم تم بالإنجليزية، فأن المناقشة تمت بالفرنسية، عكس الأطروحات الأخرى التي يمكن وصفها بالعادية، حيث التقديم والمناقشة يتمان بنفس اللغة، فتقديم أطروحة بالعربية ومناقشتها بالعربية أمر عادي، كما أن تقديم أطروحة بالفرنسية ومناقشتها بالفرنسية لا يمكن إلا أن يكون عاديا عندما يتعلق الأمر بباحث فرنسي في فرنسا، أو في بلاد تتخذ الفرنسية لغة رسمية لها، بينما يحتاج الأمر إلى نظر، حينما يكون الطالب مغربيا وأعضاء لجنة المناقشة مغاربة. أما عندما يتعلق الأمر كما أسلفت بطالب مغربي، وبأعضاء لجنة المناقشة مغاربة، ويتم التقديم بالإنجليزية والمناقشة بالفرنسية، فإن الأمر يحتاج إلى تدبُّر، إذا استحضرنا مختلف المكونات البشرية التي تؤثث قاعة المناقشة، وحتى لا يتشعب الموضوع، أقتصر على أطروحة اليوم كنموذج، بحيث هناك الطالب المعني، وهو مغربي، لجنة المناقشة المغاربة أعضاؤها، ورئيس اللجنة وهو فرنسي الجنسية، وأخيرا الحضور من عائلة الطالب ومعارفه، إضافة إلى البعض من ذوي الفضول المعرفي وكلهم مغاربة. في هذا السياق يُطرح التساؤل حول المستهدفين من العرض والمناقشة؟ فأما العرض فإني أزعم أنه موجه بالأساس للجنة المناقشة، وقد تم بالإنجليزية، وأما المناقشة فهي عبارة تفاعل بين الطالب واللجنة، وقد تمت بالفرنسية، وهو ما أوحى لي بمجموعة من الملاحظات، ألخصها في الآتي:
- إما أن أعضاء اللجنة غير متمكنين من اللغة الإنجليزية، وهو ما يُطرح معه السؤال: كيف تمكن هؤلاء الأعضاء من استيعاب مضامين الأطروحة، ومن ثم كيف لهم بمناقشتها؟
- إما أن المناقشة تمت باللغة الفرنسية، على الرغم من إتقان أعضاء اللجنة للإنجليزية، مما يترتب عنه احتمالان: الأول يتمثل في مجاملة رئيس اللجنة وإرضائه، مع العلم أنه يُفترض فيه إتقان اللغة الإنجليزية، والثاني يكمن في الاستلاب الذي يعاني منه عدد كبير من المثقفين المغاربة اتجاه الفرنسية، وهو احتمال يجد تبريره في ملاحظة قدمها أحد أعضاء اللجنة، عندما حث الطالب على كتابة صفحة الغلاف بالفرنسية (page de garde)، لا لشي سوى لأن السياق المغربي يتطلب ذلك حسب هذا العضو، والحقيقة هي أنه إذا كان لا بد من ملاءمة صفحة الغلاف للسياق، فإنه من الأولى كتابتها باللغة الرسمية للبلاد، والتي هي العربية، مع إمكانية مناقشة حتى هذا الاقتراح، إذا علمنا أن سياق الأطروحة يتجاوز الصبغة المحلية، على الأقل في الوقت الحالي. ومن المرجح أن تكون مناقشة أطروحة الدكتوراه في الطب المشار إليها أعلاه بالفرنسية عوض الإنجليزية سببها احتمال الاستلاب، خاصة وأن أعضاء اللجنة في هذه الحالة كانوا كلهم مغاربة.
- إما أن الطالب رغب في ذلك، وهذا أمر لم يلاحظ، ذلك أ نه عندما طَلب منه أول مناقش بأي اللغتين يحبذ المناقشة، أجابه الطالب مستعملا الإنجليزية قائلا (As you like) أي كما تحب، ومع ذلك فقد بدى لي أنه كان يقوم بمجهود إضافي للإجابة عن الأسئلة بالفرنسية، بحيث كان في مرات متعددة يعبر تلقائيا بالإنجليزية، ثم يترجم بعد ذلك إلى الفرنسية.
- أما فيما يتعلق برغبة الحضور، فإني أعتقد جازما أن عددا كبيرا منهم جاهل بطبيعة الموضوع، بالإضافة إلى ضعف مستواه باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن ثم يُطرح السؤال عن القيمة المضافة من تواجده في هذه الحالة بالذات، بحيث لا هو أفاد ولا استفاد، ومع ذلك فإني أعتقد أنه كان من باب الاعتراف بوجوده على الأقل، إعطاؤه الكلمة ليعبر عن إحساسه، في مثل هذه المواقف غير الاعتيادية بالنسبة إليه، باللغة الأم، أو ليطرح تساؤلا في حالة تواجد فرد أو طالب له اهتمام بالموضوع.
خلاصة القول هو أنني غادرت القاعة، بعد أن هنأت الطالب، ولدي انطباع بأن الفرنسية في هذا السياق، كانت عنصرا مشوشا، أكثر منه عنصرا مساعدا، لذا أتمنى أن يتم في المستقبل، إعداد الأطروحات العلمية على الخصوص باللغة الإنجليزية، خاصة وأن جل الطلبة لهم وعي بأهميتها في الدراسة، بصفة عامة، بسبب توفر المراجع وطبيعتها مقارنة بالمراجع الفرنسية، التي غالبا ما تكون مترجمة عن الإنجليزية، وبصفة خاصة، في البحوث الجادة التي تتوخى العالمية. كما أتمنى أن يقوم الأساتذة الذين لا زالوا متشبثين بالفرنسية، بمجهود مزدوج، الأول على المستوى النفسي، ويتمثل في تلافي الولاء المطلق للفرنسية، والثاني على المستوى العملي، ويكمن في إتقان الإنجليزية بالنسبة للذين قل احتكاكهم بها، عملا في اتجاه تعميم إنجاز ومناقشة البحوث، والأطروحات بالإنجليزية، على أمل اعتماد اللغة الرسمية في المستقبل، ليكون هناك انسجام بين مختلف المكونات البشرية الحاضرة من جهة، وإحياء اللغة العربية وإعطاؤها المكانة التي تستحقها في بلد نص دستوره على أنها لغته الرسمية.
الحسن جرودي
1 Comment
Si Hassan Jarroudi à entièrement raison.
Mais, nous pouvons aussi dire , que, nous sommes au début du changement.
C’est difficile de commencer avec une vitesse grand V.
J’ai la certitude que ,
Les choses vont évoluer.
Cordialement Hassan.
Ali Saidi de Rabat