الإشهار المفرط مؤشر على فساد السلعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
الإشهار المفرط مؤشر على فساد السلعة
إذا كان الشرع لا يجيز بيع الغَلَّة قبل نضجها (قبل بُدوِّ صلاحها كما ورد في الحديث الشريف)، كما لا يجيز بيع ما لا تملك، وذلك لمقاصد لا يتسع المقام لذكرها، فما بال أولائك الذين قبضوا ثمن غلة فاسدة أصلا، مقابل الترويج لها وبيعها في سوق قليلٌ روادُها، حتى إذا حضر موعد إعطاء الحساب، وجدوا أن سلعتهم قليلة الرواج، وغير قابلة للبيع، إلا ما كان من بعض المغفلين الذين دُلِّس عليهم، كما وجدوا أنفسهم قد تصرفوا في ثمنها، بحيث لا هم يستطيعون إعادة الثمن إلى من سلموهم السلعة، ولا في إمكانهم إيجاد سلعة تحل مقام السلعة الفاسدة.
لا شك أن هذا هو حال العلمانيين عندنا، وكل الجمعيات والهيئات التي تدور في فلكهم، إزاء الترويج لسلعة الأمم المتحدة الفاسدة، والمتمثلة في العلاقات الرضائية، والمثلية، والشذوذ الجنسي، وعدم تجريم الإجهاض، والإفطار العلني في رمضان وهلم جرا. بحيث رغم كل المساحيق التي تم استعمالها، على رأسها تغيير أسمائها ليصبح الزنا رضائية، والشذوذ الجنسي مثلية، وقتل الجنين حرية التصرف في الجسد…، لتعطي الانطباع بأنها صالحة للاستهلاك، لم تجد لها رواجا في المجتمع المغربي، على الرغم من الانخراط الملحوظ لبعض الوزراء في هذا البيع الغرر وهم على بينة من أمرهم.
وأنا أتأمل الهجمة المتسارعة، والمتعددة الجوانب لبائعي هذه السلعة الفاسدة، حضر ببالي مثال ذلك التاجر المفلس الذي اقترض من أجل اقتناء سلعة ليبيعها في أحد الأسواق الأسبوعية، ولما وجد نفسه أمام انقضاء الفترة المخصصة للسوق، وهو لم يبع شيئا من سلعته التي أوشكت أن تفسد، أصبح يصيح يمينا وشمالا بكل ما لديه من قوة، ليجلب من يشتري منه بأي ثمن كان، فلا يجد إلا بعضا من أولائك المغفلين الذين يستهويهم رخص ثمنها، ليجد نفسه في آخر المطاف أمام مأزقين: الأول هو كيفية التخلص من السلعة لأنها فاسدة، والثاني كيفية أداء القرض. وأعتقد أن اقتراب موعد مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، بمثابة قرب موعد إغلاق السوق لأبوابها، مما جعلهم يصيحون في كل الاتجاهات، وبكل ما لديهم من قوة، مستعلمين في ذلك كل أنواع الأبواق الممكنة لإسماع أكبر عدد ممكن من مرتادي السوق، فهذا بوق « بغاتها الوقت » وهذا بوق « من حقنا » وهذا بوق » استطلاعات الرأي »؛ وبالمناسبة طلع علينا يومه الخميس مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية الأكثر تداولا، يشير إلى أن استطلاعا لما سمي « أصداء بي سي دبليو » كشف أن 50% من الشباب المغربي يؤيدون إقامة علاقات مع الدولة العبرية، في نفس الوقت الذي يشير فيه إلى أن 86% من إجمال الشباب العربي يَروْن أن إسرائيل ما زالت عدوا حقيقيا لبلدانهم. والسؤال هو كيف يمكن الجمع بين هاتين النتيجتين المتناقضتين حتى قبل الدخول في مناقشة طبيعة أسئلة الاستطلاع، ولا في خلفيات المستجوِبين والمستجوَبين على حد سواء، اللهم إلا إذا كان الهدف هو محاولة الدفع نحو الإقرار بأن التطبيع أمر واقع، ومن ثم ينبغي التسليم به، والتعامل معه على هذا الأساس، كما هو الشأن بالنسبة لترويجهم للعلاقات الرضائية وأخواتها.
وإذا علمنا أن الدستور المغربي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن أمير المؤمنين نصره الله، ومن قبله والده الحسن الثاني رحمه الله، صرحا بأنهما لا يحلان حراما ولا يحرمان حلالا، فلا شك أن مآل سلعة هؤلاء هو البوار، لأن المدونة التي لا يمكن أن تخرج عن هذين المرجعين، لا يمكن أن تتسع لسلعتهم الفاسدة، ومن ثم فإن حسابهم سيكون عسيرا لا مع المجتمع المغربي فحسب، بل مع أولئك الذين أقرضوهم، وهم قوم لن يرضوا بأقل من استرداد قرضهم أضعافا مضاعفة.
الحسن جرودي
Aucun commentaire