أي مدلول للتهافت على استجواب التلاميذ بخصوص امتحانات البكالوريا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أي مدلول للتهافت على استجواب التلاميذ بخصوص امتحانات البكالوريا؟
الحسن جرودي
وأنا أتصفح بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية، لفت انتباهي كثرة الفيديوهات المخصصة لاستجواب واستقصاء آراء التلاميذ، وبعض الأمهات بخصوص امتحان الفيزياء للسنة الثانية باكالوريا، ولأنني من أصحاب الدار كما يقال، لم أستطع مقاومة غريزة الفضول مما دفعني إلى الاطلاع على مضمون إحدى المقالات، ومشاهدة بعض ما جاء في مجموعة من الفيديوهات، الأمر الذي جعلني أتساءل عن مدى مصداقية هذا النوع من الاستجوابات؟ وعن الهدف منها؟ وعن كيفية استثمارها وعن الأثر الذي تتركه في الواقع؟
ونظرا لكثرة المواقع الإلكترونية التي تتنافس في الحضور إلى أبواب مراكز الامتحانات، وتتهافت على أخذ آراء التلاميذ وبعض الأولياء بخصوص أجواء الامتحان، وطبيعة المواضيع، ودرجة صعوبتها، مع إمكانية الخوض في دور المدرسة وآفاقها. وبغض النظر عن مصداقية هذه الاستجوابات سواء تعلق الأمر بمدى احترام القواعد العلمية المعتمدة في بناء أسئلتها، أو بمدى جدية المستجوَبين في الإدلاء بأجوبتهم، أو بمدى وضوح الهدف المتوخى منها، والوعي بالآثار المترتبة عن إشاعتها، فإن الأمر في تقديري أصبح يشكل ظاهرة، أو هي في طريق التشكل، يتعين إيلاؤها الاهتمام اللازم في علاقتها بالجوانب التربوية والاجتماعية والقيمية…
وفي انتظار قيام الجهات المعنية بدراسة علمية للظاهرة تُجيب من خلالها عن أهم الإشكالات المطروحة في شأنها، بما فيها الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها أعلاه، ومن ثم اتخاذ الإجراءات التي تسمح بتثمين إيجابياتها إن كانت لها إيجابيات، وتقويم سلبياتها، فإني أغتنم الفرصة للإدلاء بانطباعاتي في الموضوع لعلها تُسهم في لفت انتباه مستهلكي مضامين هذا النوع من الوسائط إلى خطورة التناول السلبي لها دون طرح سؤال الجدوى الذي يؤدي بصاحبه إلى التفكير الجدي في معالجة بعض الانعكاسات، والآثار التي قد تَنتُج عن الإدمان في التعاطي معها وأقول:
بخصوص طبيعة الأسئلة المطروحة، يبدو لي أنها تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية، ومرد ذلك في تقديري راجع:
- إما لجهل مُعِدِّي هذه الوسائط بأبسط قواعد إعداد الأسئلة، وشروط طرحها، إذ كيف يعقل أن يُطلب من التلاميذ، بغض النظر عن كونهم وُفقوا أولم يوفَّقوا في الأجوبة، تقييم موضوع في تلك الظروف الصاخبة والمشحونة عاطفيا، مع العلم أنه حتى بالنسبة للذين اعتقدوا بتَوفُّقِهم في الأجوبة، لا يمكن أخذ تصريحاتهم مأخذ الجد إلا بعد عملية التصحيح، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فكيف لتلميذ شُدِه بمجرد إحصائه لعدد الصفحات، أن يُدلي بمعلومات موضوعية بخصوص عملية التقييم التي تستلزم بالضرورة الرجوع إلى الأطر المرجعية للمادة المعنية، والتي لا تأخذ كلمتا سهولة الامتحان أو صعوبته مدلولها الموضوعي إلا بالرجوع إليها.
- وإما أن صيغة الأسئلة المطروحة مقصودة في حد ذاتها، مما يحلينا إلى التساؤل عن الأهداف المتوخاة منها، وفي هذا الصدد يحضرني احتمالان: أوَّلُهما هدف براكماتي يتمثل في جلب أكبر عدد من المشاهدات لتحقيق أكبر مردود مالي، وثانيهما، وهو الأخطر، ويتمثل في التركيز على كل ما هو سلبي، مقابل طمس كل ما هو إيجابي، وجعل ذلك مدخلا لزرع بذور اليأس من جدوى التعليم من جهة، والتطبيع من جهة ثانية مع تلك السلوكيات المشينة كمسألة الغش، وازدراء الأساتذة الجادين في عملهم أثناء الحراسة ووصفهم بأوصاف غير لائقة لا برجل التعليم، ولا بغيره من بني البشر، وهذا ما يؤدي بالضرورة مع مرور الوقت إلى فقدان الثقة في المدرسة العمومية، خاصة بالنسبة للطبقات الشعبية، مما يفتح الباب واسعا أمام فئة معينة من المجتمع تعرف من أين تؤكل الكتف كما يقال، والتي تلجأ إلى التعليم الخصوصي بحكم ظروفها المادية المريحة، لتبقى ظاهرة الإحباط والفشل، وفقد الثقة في كل المبادئ السامية التي يُفترض أن تتماهى شخصية المتعلم معها، مرتبطة بالتعليم العمومي، حتى أن الأستاذ أوريد تطرق في روايته الجديدة القديمة « رحلة من الجنوب » إلى ضعف بعض الأمثال الشعبية مقارنة بالواقع من مثل « من جد وجد » مما دعا معه إلى تجاوز هذا التناقض المجتمعي عبر استحضار أرضية نقدية للواقع.
أخيرا أقول بأنه إذا كان لهذا النوع من الممارسات من دلالة، فلا يمكن أن تَخرج عن كونها تسير في منحى تشجيع التفاهة، وزرع اليأس في أوساط الشباب بخصوص الاهتمام بالدراسة، والالتفات عنها إلى غيرها مما يدر الربح السريع، بغض النظر عن كونه مشروعا أو غير مشروع، كما أنها تشجع على تبخيس عمل القائمين على إعداد المواضيع بغير دليل ولا حجة، مع العلم أن معاناتهم التي تدوم من وقت الشروع في تحضيرها إلى وقت الإعلان عن النتائج لا تقدر بثمن، وكل هذا وغيره من المظاهر السلبية التي أصبحت تغزو واقع المجتمع ما كان لها أن تقع لو تم الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية التي يتصدرها حكم القراءة الذي نزل به الوحي بصيغة الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة العلق، ومن ثم لكل من آمن بالله وبرسوله، عملا بقاعدة: « العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ».
Aucun commentaire