VIDEO ما دلالة تكريم يُخدَش فيه الحياء ويُفتقد فيه الوقار؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
ما دلالة تكريم يُخدَش فيه الحياء ويُفتقد فيه الوقار؟
جرت العادة على أن يُكرَّم المتفوقون في مختلف المجالات في كل أرجاء العالم، ويُحتفل بهم حسب الإمكانات المادية المتاحة للمكرِّمين وحسب ما تسمح به ثقافة الوسط الذي ينتمي إليه المكرَّمون أو المُحتفى بهم، ولم يكن تكريم المنتخب الوطني لكرة القدم من قبل الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين المغاربة بدعا من الأمر. ولا شك أن الأهمية الرمزية للتكريم ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة الحضور ومكانته الاجتماعية بالإضافة إلى مضمون الاحتفال. فإذا كان من المفروض أن يُعطي حضور وزير الثقافة ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم وثلة من المسؤولين، دُفعةً معنوية للفريق الوطني وللمحبين له من جهة، ويدل على مدى الاهتمام بهم من جهة ثانية، فإن مضمون الاحتفال حَجَب كل الإيجابيات التي يمكن الخروج بها من هذا التكريم، وذلك بسبب ما صدر عن ذلك المسمى فنانا بهتانا وزورا بخصوص ذلك الوصف اللاأخلاقي الذي وصف به تعامله مع مشجعات الفريق الوطني في قطر.
وإذا كان لا بد من تحديد المسؤوليات بالنسبة لهذه الفضيحة، فهي بالتأكيد تتجاوز مسؤولية هذا الوقح المعروف بوقاحته التي شهد شاهد من أهلها بتجذرها فيه، وذلك عندما وصفه الكوميدي عبد القادر السكتور بأنه « كيطيح الهدرة »، لتنصب أساسا على الذين استضافوه وعلى الذين لم يغادروا المكان بعدما سمعوا منه ما سمعوا من قلة الأدب وقلة الحياء.
وفي هذا الصدد أقول للمسؤولين عن الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، هل كان من الضروري الاحتفال في هذا الوقت بالذات وإخوانُنا الفلسطينيون يُقتَّلون بالعشرات، وهم الذين يُكنون للمغرب والمغاربة تقديرا خاصا في الماضي والحاضر؟ أليسوا هم من أطلقوا اسم حارة المغاربة على حي في مدينة القدس قديما للأسباب التاريخية المعروفة؟ أليسوا هم من شجع الفريق الوطني المحتفى به رغم كل العراقيل التي يواجهونها؟ وذلك ليس لأنه انتصر في لعبة كرة القدم فقط، وإنما لأنه انتصر لقيم العروبة والإسلام. ولنفرض جدلا أنه لم يكن من الممكن تأجيل الاحتفال لأسباب قد نَجهلُها، فإنه من باب احترام القضية الفلسطينية ورمزيتها، فإن أقل ما يستلزمه الموقف هو قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين سقطوا ولا زالوا يسقطون كل يوم، لا لشيء سوى لأنهم يتشبثون بأرضهم ودينهم. والموقف نفسه يستلزم دعوة فنانين ملتزمين بقضايا الأمة والوطن من أجل بث روح القيم الإسلامية والوطنية في أبناء الأمة، اقتداء بأعضاء الفريق الوطني الذين استطاعوا تكسير كل الحواجز والأسيجة التي أقامتها السياسة وبعض الذين يقتاتون على فتاتها.
أما السيد وزير الثقافة فأسأله إن كان الأمر يتعلق بغباء أم باستغباء، وفي كلتا الحالتين فالنتيجة واحدة ألا وهي احتقار قيم المغاربة وثقافتهم، فإذا كان الأمر يتعلق بغباء، وقد يكون كذلك لأنه لم يستفد من فضيحة « فنان الراب » في مهرجاني الرباط والدار البيضاء، وهذا لا يليق بوزير يُنتظر منه النهوض بثقافة المغاربة وانتشالها من الحضيض الذي تسبح فيه. أما إذا كان استغباء فالأمر يدعو إلى القلق، ومن ثم التساؤل عن الدواعي التي تدفع به إلى الإصرار على رعاية هذا النوع من الثقافة الماجنة، علما أن المغاربة يرفضونها جملة وتفصيلا، إلا ما كان من بعض الأغرار الذين عمل فيهم الإعلام الرخيص عملهم بسبب تنازل مجموعة من المؤسسات عن دورها في بناء الشخصية المسؤولة الملتزمة بثوابتها الدينية والوطنية كالأسرة والمدرسة والإعلام…
قد يقول قائل بأن السيد الوزير لم يكن على علم بما سيقدمه هذا « الفنان »، على غرار ما قيل في مهرجان الرباط، وهذا ممكن، ولكني أسأل هذا القائل، إذا دعاك شخص لوليمة، فهل ستأكل كل ما يُقدَّم لك أم أنك ستتحاشى كل ما يضر بصحتك؟ وقد يكون من الأجدر التعرف المسبق على لائحة الأطعمة، حتى إذا تبين لك أن هناك خمر وخنزير اعتذرتَ بطريقة من الطرق، هذا إذا كنت إنسانا عاديا أما إذا كنت وزيرا للثقافة فيُفترض فيك أن تكون على علم بتوجهات الفنانين وطبيعة منتوجاتهم، وإن كان هناك نوع من الشك فليس أسهل من أن يتعرف على فقرات البرنامج بدقة، وسوف لن أكون أعلم وأعرف من السيد الوزير فيما يتعلق بالتعامل مع هذه المواقف البروتوكولية.
وبخصوص الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فإني أتساءل انطلاقا من معرفتي الجيدة بأصوله النبيلة، كيف أمكن له أن يجلس في مثل هذه المجالس التي لا شك أنها قد صَدمت كل أولئك الذين يفتخرون بالانتساب إليه وهم يشاهدونه وهو يصفق ويبتسم لهذا القليل الأدب، ولنا جميعا أن نتصور رد فعل عائلته وهم الذين يعتزون به وبمنجزاته وهو في هذا الوضع السيء علما أن ما كان أبوه امرأ سوء ولا كانت عائلته قليلة التربية.
وللجمهور الذي حضر « التكريم » أقول: ألم يكن منكم رجل رشيد؟ ألم يكن الانسحاب أضعف الإيمان في مواجهة هذا النوع من البشر الذين لا يحترمون لا كبيرا ولا صغيرا ولا مسؤولا، ولا مواطنا عاديا، ثم أين هو الإعلام؟ والأمر يتعلق بحفل من تنظيم الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين المغاربة يا حسرتاه! فلو كان الأمر يتعلق بالدفاع عن المثلية والرضائية والإجهاض… لأقاموا الدنيا وما أقعدوها، أما والأمر يتعلق بأعراض نسائنا وبالصورة السيئة التي تُسوق للمرأة المغربية عبر هذا النوع من الممارسات فلا حياة لم تنادي، هذا إن لم يكن الأمر مقصودا!
وختاما هل يعقل أن يُكَرَّم فريقُنا الوطني الذي أبلى البلاء الحسن إن على مستوى إتقان لعبة كرة القدم، أو على مستوى السلوك الذي برهن من خلاله للعالم على سمو أخلاقه النابعة من الإسلام ومن ثقافة المغاربة، بمثل هذا النوع من الفن الرخيص الذي يخدش، إن لم أقل يهدم، الصورة التي رسمها الفريق الوطني للمغرب والمغاربة، خاصة وأنه استغل حضور مسؤولين لهم مكانتهم لدى الشعب المغربي لينال مصداقيةً ليس أهلا لها. وقد كان من الأجدر بكل من له غيرة على عرض نساء المغرب من الذين حضروا التكريم المهزلة أن يغادروا المكان بمجرد تلفظه بذلك الكلام البذيء مسترشدين بقول الله عز وجل في الآية 140 من سورة النساء « وَقَدْ نُزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا » وبالآية 68 من سورة الأنعام « وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
1 Comment
لا فض فوك.
هذا يدل على انحطاط المستوى سواء على مستوى المنظمين او على مستوى الحضور.
الكل اصبح كغثاء السيل.
هذه سياسة مخطط لها، ولكم في مهرجان مراكش للضحك خير دليل،انحطاط لم يسبق له مثيل في الاخلاق وكما قلت فهو مخطط له لتصير السفاهة وانحطاط الاخلاق شيء عادي ومعتاد وبالتي يستعمل في حياتنا اليومية.