ثلاثة حروف لتعلم اللغات! أهو عبقرية مغربية؟ أم قفزة نحو المجهول؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
ثلاثة حروف لتعلم اللغات! أهو عبقرية مغربية؟ أم قفزة نحو المجهول؟
وَرَدَ في مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية الواسعة الانتشار بتاريخ 13 يناير 2023، أنه بمناسبة احتفال حزب التجمع الوطني للأحرار برأس السنة الأمازيغية، أدلى السيد وزير التربية الوطنية بكلمة في شأن تدريس الأمازيغية، صرح فيها بأن:
– » استعمال ثلاثة حروف لتعّلم اللغات المدّرسة في المدرسة المغربية، ُيعّد من الصعوبات التي تؤثر على تمكن التلاميذ المغاربة من اللغات ».
– التدرج في تعميم تدريس الأمازيغية « يحتاج إلى إجراء بحوث، لأن الطفل المغربي يجد نفسه أمام ضرورة تعلم ثلاثة ألفباء في نفس الوقت: الحرف العربي، وحرف تيفيناغ، والحرف اللاتيني »،
– هذه العملية من الناحية البيداغوجية صعبة، ولا مثيل لها في العالم »؛ مشيرا إلى أن « هناك عدد من الدول التي فيها تعدد لغوي يتم تدريس ثلاث أو أربع لغات في مدارسها، ولكن لا يوجد نظام تعليمي يتعلم فيه الأطفال اللغات بثلاثة حروف مختلفة ».
هذا من جهة، من جهة أخرى شدد على أن هناك » قناعة بضرورة دمج اللغة الأمازيغية في التكوين الأساس أو التكوين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين »، « كآلية لتسريع تعميم تدريسها »، ولست أدري مَنِ المعني ب »هناك »، مع أني أعتقد جازما أنه معني بها بالدرجة الأولى، وإلا فإن المنطق يقتضي ألا يقبل بتحمل مسؤولية وزارة التربية الوطنية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف لقناعة تسريع تعميم تدريس اللغة الأمازيغية لدى السيد الوزير، أن تستقيم مع ما صرح به بعظْمة لسانه بأن استعمال الحروف الثلاثة: العربي واللاتيني وحرف تيفيناغ يؤثر سلبا على التمكن من اللغات، وكيف له أن يفكر في آليات تجسيد قناعته هاته قبل استيفاء الحاجة في إجراء بحوث للتدرج في تعميم تدريس الأمازيغية، ثم ما هي التجارب والمعطيات التي أطَّرت هذه القناعة، وهو يصرِّح بأن التعامل البيداغوجي مع عملية اعتماد الحروف الثلاثة صعب، ويَعْلمُ بأن المغرب هو البلد الوحيد الذي يتعامل مع التعدد اللغوي باستعمال ثلاثة حروف مختلفة.
سؤال آخر يتعلق بمدى انسحاب هذه القناعة على التعليم الخصوصي، هل ستشمله، أم أنها تنحصر على دراويش التعليم العمومي؟ كما كان الشأن سنة 2003 حينما تم الشروع في تدريس الأمازيغية لعينات من تلاميذ أبناء الجهات الناطقة بها علما أنها تتميز بالهشاشة والفقر في الوقت الذي تم فيه استثناء الجهات والمدن الميسورة.
يلاحظ إذن أن هناك خلل يتمثل في عدم تجانس واضح بين قناعة السيد الوزير والمعطيات التي تؤطر الواقع، ولمعالجة هذا الخلل يبدو أنه من الحكمة التي تَعْني حسب ابن القيِّم: « فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي » التريث إلى حين إجراء البحوث والدراسات التي تساعد على اعتماد الحكمة في التعامل مع هذا الوضع المعقد. ومن ثم فَكُلُّ قناعة أو قرار غير مُؤَطَّرٍ بالحكمة، سيكون مآله الفشل والخسران لا محالة، كما كان الشأن بالنسبة لمجموعة من القرارات المتسرعة التي اتسمت بها جل الإصلاحات التي استهدفت المنظومة التربوية عندنا في السابق.
لا أعتقد أن السيد وزير التربية الوطنية تعدمه الحكمة، وإنما هي العراقيل التي تواجهه أو يُحتمَل أن تواجهه. لنفترض جدلا أن الدراسات خرجت بنتيجة مفادها أنه يتعين اعتماد حرف واحد أو حرفين على الأكثر، وهي نتيجة تبدو حكيمة وتتماشى مع ما تعتمده مختلف المنظومات التربوية في العالم، فما هو الحرف الذي يتعين التضحية به؟ إذا كان من غير الممكن التضحية بالحرف العربي لأن العربية هي اللغة الوطنية الأولى، فإن الاختيار يبقى محصورا بين الحرف اللاتيني وحرف تيفيناغ. وإذا كان منطق الدستور يقتضي الاحتفاظ بحرف تيفيناغ والتضحية بالحرف اللاتيني، فإن السؤال الذي ينبثق عن هذا الوضع، هو كيف يمكن للسيد الوزير أن يحل هذا الإشكال عمليا؟ ذلك أن هذا الحرف الأخير مسنود بالواقع الذي هو مُسَيطِرٌ عليه لكونه مُسْتَشْر في معظم الإدارات المحلية دون أن نتكلم على اكتساحه لعالَم العلاقات مع الخارج بمختلف لغالته، كما أنه مَسْنود بسياسة الفرنكوفونية التي انخرط فيها المغرب دون أن ندخل في مناقشة ما إذا كان ذلك عن طواعية أو فيه نوع من الإكراه.
يبقى الاختيار الوحيد مُنْصَبٌ على حرف تيفيناغ فيما إذا كان بالإمكان استبداله بحرف آخر؟ وإذا اعتبرنا أن ذلك ممكن جدلا، فأي حرف يمكن إحلاله مكانه؟ هل الحرف العربي أم اللاتيني؟ الأمر الذي سيرجع بنا إلى نقطة الصفر حين كان النقاش في بداياته محتدا بين « العربفونيين » و « الفرنكفونيون ».
في الأخير يبدو أن الأمر أعقد مما قد يتصوره البعض، ولعل من بين تجليات العبقرية المغربية في معالجته، تلك التي تدفع بمختلف وزراء التربية الوطنية عندنا، مسنودين بمختلف الحكومات المتعاقبة إلى التحايل على الوضع، من خلال اقتراح الحلول الموسمية التي تعتمد منطق التوازنات، الذي قد يؤول إلى قفزة نحو المجهول التي قد تؤدي لا قدر الله إلى التضحية بأجيال بكاملها والمغامرة بمستقبل البلاد، وهي المغامرة التي بدأت بوادرها تُلاحَظُ لدى كثير من أبنائنا خاصة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي. لذا فلا محيد عن حسم أمر التربية بصفة عامة وكيفية التعامل مع التعدد اللغوي بصفة خاصة، وذلك باتخاذ مواقف جوهرية وجريئة تقطع الشك باليقين.
الحسن جرودي
Aucun commentaire