تهميش التربية الإسلامية سبب الغش
أحمد الجبلي
لم أستطع أن أصدق لو لم يكن الراوي هو صديقي الثقة الأستاذ ح.ب الموجه التربوي والأستاذ المبرز في الفيزياء وذو التجربة التعليمية التي فاقت الثلاثين سنة، وهو الأستاذ الشرس المسؤول الغيور على أمة أنهكها الغش في كل شيء بما فيه الغش في الامتحانات.
فكان مما حكاه لي أثناء عملية الحراسة في السنوات القليلة الماضية، قبل أن يمنع إدخال الهاتف كلية إلى القسم أثناء الامتحان، أن أستاذا كان رفيقه في الحراسة، ففوجئ الأستاذ حسن وهو ينظر إلى رفيقه وهو يتقدم نحو التلاميذ ويخاطبهم قائلا: » لن أبقى هنا اليوم كله فلا وقت لدي ولذلك آمركم الآن فمن له أوراق ينقل منها فليسرع حتى ننتهي من هذه الحراسة »
صعق الأستاذ حسن مما رأى وسمع مما جعله يفقد أعصابه فخاطب الأستاذ بغضب قائلا: » ماذا تقول يا هذا؟ فإن لم يكن لديك وقت للحراسة فاخرج من القسم فورا، وإذا فضلت البقاء فسأراقبك كما أراقبهم »
ففضل الأستاذ الانسحاب، وكذلك كان.
ربما ليس هذا الحدث هو أغرب حدث وقع خلال هذا اليوم لأن ما سيحدث يندى له الجبين، رن هاتف تلميذة فتقدم الأستاذ نحوها وطلب منها الهاتف فأخبرته أنه لن يرن مرة أخرى، وإن حدث ووقع ستمنحه إياه.
بقيت التلميذة جامدة لا تكتب شيئا طيلة الحصة مما أثار تساؤلات الأستاذ فدفعه دفعا للشك في أن أمرا ما يحاك ويدبر، وكذلك كان، فلما بقيت عشرون دقيقة رن الهاتف مرة أخرى فسحبه من التلميذة عنوة، فسلمته الهاتف وطلبت منه الخروج إلى المرحاض فقال لها سأرافقك، فتساءلت مستنكرة ذلك، فسألته قائلة: أو سترافقني إلى المرحاض يا أستاذ؟ فقال لها نعم. فاستدعى أستاذا من قسم مجاور ليحرس التلاميذ ورافقها، وبعد مدة قصيرة خرجت فمشت أمامه وإذا به يرى ورقة بيضاء تلف خصرها وكانت ترتدي قميصا أبيض مما جعل الورقة تظهر بوضوح. فجلس يراقبها لا يبعد عينيه عنها ، وقد علم أن التلميذة تحتاج إلى وقت قصير يسمح لها بإخراج الورقة ووضعها على الطاولة، فمادام الأستاذ يراقبها فلا مناص لها، ولكن بذكائها طلبت منه مسودة فسألها وهل هذا وقت المسودة وقد بقيت عشر دقائق، فقالت نعم أريدها، ولكن الأستاذ فطن لحيلتها فتظاهر كأنه يوليها ظهره ويسير نحو الباب ولكنه بعد خطوتين التف بسرعة ليمسكها متلبسة وهي تعمل على إخراج الورقة، فأخذ الورقة، وخاطبها قائلا: أعرف أن أمك هي مديرة هذه المؤسسة، ولن أفضحها أو أفضحك، ولذا بقي لك ثمان دقائق فتفضلي أنهِ الامتحان.
من نتائج هذا السلوك المسؤول من طرف الأستاذ، والسلوك المستهتر اللامسؤول من طرف المديرة، أن كانت هذه المديرة كلما رأت الأستاذ نظرت إليه نظرة غضب وكره ومقت وكأنه قتل أباها أو أمها. ولكن الرجل لا يبالي بهؤلاء الذين وضعوا سمعة رجل التعليم التي هي مهمة الأنبياء تحت الأقدام وعلموا أبناءهم الغش عوض أن يعلموهم الاجتهاد والصدق والاعتماد على الذات.
وبعدما انتهت الامتحانان وتفرق الجمع أخذ الأستاذ الورقة وعرضها على أستاذ متخصص في المادة وإذا به يصدم مرة أخرى حيث أن النقطة التي كانت ستحصل عليها التلميذة ظلما وعدوانا هي 19.75 مما يعني أن رجال تعليم متخصصين في المادة تابعين للسيدة المديرة كانوا ضمن زمرة الغشاشين وساهموا في هذا العمل الإجرامي المقيت.
أعتقد أن الأستاذ قد قدم خدمة جليلة لهذه المديرة وابنتها لمجموعة اعتبارات:
إن التلميذ الغشاش الذي ينجح اعتمادا على طريقة غير مشروعة معناه أنه يريد أن ينجح حتى وهو ذو مستوى هزيل، ولكن حتما سيعاني الكثير عندما يزمع على الالتحاق بمدارس عليا لأن طبيعة الأسئلة التي تطرح (TAFEM)تشبه إلى حد ما أسئلة المدارس الأمريكية (TOEFL)، والتي غالبا ما تعتمد على أوراق ملونة كل لون له وقت محدد لأن السرعة في الأجوبة على أسئلة تشبه الألغاز مطلوبة ومعيار معتمد في انتقاء النجباء، كما تعتمد في أغلبها على عملية صح أم خطأ وهي عملية منهجية تكشف بسرعة الذين يجيبون اعتمادا على الفهم والذكاء والذين يعتمدون على الحظ وهؤلاء لا حظ لهم في النجاح.
إن هذا التلميذ، حتى وإن استطاع أن يغش مرة أخرى أو يجد من يساعده أو يتواطأ معه في الغش في المدارس العليا، وإن كان الأمر مستبعد، فإنه لن يستطيع المواكبة، خصوصا وأن غالبا ما تكون السنة الأولى والثانية هي أصعب السنوات في المدارس العليا.
إن الأستاذ الذي يتساهل في عملية المراقبة أثناء الامتحان، ولا يقوم بواجبه كما ينبغي، لا يدري أنه يطعن بخنجر مسموم وطنه وأمته، كما أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله والله تعالى يمهل ولا يهمل وحتما سيأتي وقت ويدفع الثمن باهضا ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
إن التلميذ الذي ينجح على حساب زملائه النجباء الذين يعتمدون على أنفسهم، فهو ومن ساعده في ذلك يعدون ظالمين والظلم ظلمات يوم القيامة.
إن التحديات التي تعيشها الأمة آنا واستقبالا ما يزيدها تفشي الغش إلا تقهقرا وانتكاسا وبالتالي يحق لها أن تتبرأ من كل من ساهم في تقهقرها وهذا هو منطوق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من غشنا ليس منا ».
أعتقد أن الغشاش يعرض حياته كلها للخطر لأن أي مكسب سيكسبه سيكون حراما وأي درهم يحصل عليه سيكون حراما وأي أكل يأكله سيكون حراما وبالتالي تكون حياته كلها رهينة بمرحلة قصيرة جدا وهي المرحلة التي يقوم بها بالغش لأنه يبني مستقبلا على الغش وما بني على الحرام فهم حرام.
لا أحسب أن هناك خيارات متاحة من أجل القضاء النهائي على الغش إلا إذا أعطينا للدين والتربية الإسلامية مساحتها الكافية من التعليم، وضربت الدولة بأيدي من حديد على من يعملون صباح مساء على الطعن في هذا الدين والعمل على تهميشه وإبعاد الناس عنه.
2 Comments
« تهميش التربية الإسلامية سبب الغش »
منطقيا، يفهم من الكلام أعلاه أن سيادة قيم النزاهة والاستحقاق في الدول المتقدمة سببه تدريس مادة التربية الإسلامية هناك. وقرب الناس هناك من الدين. فهل هذا هو واقع الحال؟ هل الدين يحتم علينا رفض رؤية الأشياء كما هي رغم وضوحها وبديهيتها؟ لن يقنع العقل غير صوته
أيها القارئ شكرا لك على التعقيب الجميل لكن اسمع جيدا: الفرق بيننا وبين الغرب أن الغرب براكماتي مصلحي، فالمبادئ والقيم والأخلاق ليست متأصلة فيه فإن كان التلميذ لا يغش في الامتحان فإنه هو نفسه عنما يكون سياسيا يستعمر الدول الفقيرة فيقتل أطفالها ويغتصب نساءها ويبني المكائد والدسائس ويفبرك المسرحيات من أجل اتهام الأبرياء بالإرهاب, كما أن جميع المعاهدات التي وقعها هذا الغرب هي غش في الصميم جعلت الذول المستضعفة كالعبيد منذ قرون وهم يدفعون الإتاوات والضرائب بغير وجه حق، فهل ليس من الغش أن تبني فرنسا برج إيفل من حديد الجزائر، اليست تجربتها للقنبلة النووية في صحراء الجزائر في الوقت الذي لم تجربها على أرضها أليس هذا غشا أليس الذين قاموا بكل هذه الجرائم كانوا يوما ما تلاميذ تخرجوا من مدارس فرنسا؟؟ أليس روزفلت هو الذي أخرج للوجود قانون مارتين للرفق بالحيوانات لكنه عنما زار إفريقيا قتل احدى عشرة ألف حيوان إفريقي منها الفيلة الضخمة التي كانت على وشك الإنقراض ألم يكن هذا الرئيس تلميذا في أقسام الغرب الذي لا يغش، فالمبائ الإسلامية والأخلاق الإسلامية تعلمنا أن لا نغش في أي وضعية كنا سواء كنا تلاميذ أو إداريين أو وزراء أو رؤساء. وهذا هو الفرق بيننا وبين الغرب الذي تفرح به وتشيد.
فالغرب براغماتي يتبع مصلحته وأما الغش في الامتحانات عندهم فمن أخبرك أنهم لا يغشون فلماذا أخرج العديد من المخرجين الغربيين آلاف الأفلام التي تتحدث عن الغش في الامتحانات والعنف والمسدسات والمخدرات، فهل ستقول لي إن الذي يدخل مسدسا للقسم لا يمكن أن يغش؟ ففي الشهر الماضي في إحدى الدول الأوربية اقتحم تلميذان مؤسستهما فقتلا بعضا من أصدقائهما من التلاميذ فهل يفعلها تلامذتنا رغم أن ما وصلهم من أخلاق الإسلام هو بعض مما هو منتشر في المجتمع فحسب.