Home»Débats»من التظاهر إلى التجاسر

من التظاهر إلى التجاسر

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

من التظاهر إلى التجاسر

منذ 14 شتنبر 2022 تاريخ اندلاع الاحتجاجات بإيران عقبَ وفاة الشابّة الإيرانيّة التي قيل أنها تعرضت للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق التابعة للحكومة الإيرانيّة، ووسائل التواصل الغربية الرسمية والغير رسمية لم تتوقف عن النفخ في نارها وبث كل ما يتعلق بتداعياتها سواء داخل إيران أو خارجها.

وأنا لا أروم الدفاع من خلال هذا المقال عن الحكومة الإيرانية ولا عن المتظاهرين، لأني أعلم جيدا أن وراء الأمر حسابات وأجندات سياسية تتجاوزني، وهي تُدار باسم حقوق الإنسان وحقوق النساء وغيرها من الحقوق التي يتم الحرص عليها في بلدان دون أخرى، وإنما أريد تسليط الضوء على أمر غريب  لفَتَ انتباهي في أحد الفيديوهات المتداولة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي والذي يُبرز تجاسر مجموعة من الشباب المُلَثَّمين على مجموعة من كبار السن بحيث يأتونهم من الخلف ويلقون بعمائمهم في الشوارع والأزقة دون اعتبار لا لِسِنِّهم ولا لمكانتهم كآباء وربما كأساتذة، بغض النظر عن تطابق توجهاتهم أو اختلافها مع توجهات وسياسة الطبقة الحاكمة، مما دفعني إلى التساؤل « في حالة ما إذا صح مضمون الفيديو » عن الأسباب التي أدت بهؤلاء الفتية إلى الوصول إلى هذا المستوى من الاستهزاء والتجاسر على أشخاص في سن آبائهم أو ربما حتى أجدادهم؟

لا شك أن عددا كبيرا منا سمع وقرأ عن صراع الأجيال وفتور العلاقة بينهما، وعاين ما يقع من فوضى في مختلف المظاهرات والاحتجاجات عبر العالم، لكني شخصيا لم أكن أتصور أن الأمر سيصير إلى هذا المستوى من الوقاحة في بلد يُحسب على الإسلام يا حسرتاه، دون الدخول في تفاصيل صحة أو خطئ تجسيده في الواقع. وفي تقديري أن هذا الأمر لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة لتداخل مجموعة من المؤشرات التي لعبت الأحداث الأخيرة دورَ المُحَفِّز الذي أخرجها من حالة الكمون إلى حالة الظهور وفيما يلي بعضا منها:

  • ضعف وربما انعدام الوازع الديني عند هذه الفئة مع تحفظي على تعميم هذا النعت على كل الشباب الإيراني الذي يُفترض أنه مسلم رغم كل ما يمكن أن يقال عن المذهب الشيعي السائد في البلاد، ومن ثم فإني أعتقد أنه لا يمكن لمن شَهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقرأ ولو مرة واحدة قوله تعالى في الآية 23 من سورة الإسراء « وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا » أن يقوم بمثل هذه الممارسات.
  • إخفاق المدرسة الإيرانية التي خرَّجت علماء في الذرة بإمكانهم صنع القنبلة النووية لولا الضغوطات الخارجية، وصنع صواريخ بعيدة المدى بالإضافة إلى الطائرات المسيرة ذاتيا، قُلْتُ أخْفَتَ في تربية أبنائها أو على الأقل تلك الفئة المتمردة بهذا الشكل، على التخلق بأدنى مستويات الأخلاق الفطرية المتمثلة في احترام الصغير للكبير.
  • وجود أطراف خارجية يُستقوى بها على النظام، والتي لولاها لما تم التجرؤ على القيام بمثل هذه السلوكات التي لا تمت لثقافة الثورة على الأوضاع ونشدان التغيير الجاد في شيء.
  • توجيه رسالة إلى كل البلدان التي تحاول الخروج عن بيت طاعة الغرب، مفادها أنه بإمكان هذا الأخير أن يستغل أي حدث مهما صغر لزعزعة استقرارها وتهديد حكامها من الداخل، علما أنه يتم التغاضي عن جرائم ومجازر تُرتكب يوميا دون حسيب ولا رقيب.
  • شروع الجهات المعنية في جني ثمار القيم الكونية التي تم زرعها منذ مدة في العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، بغض النظر عن كونه سُنِّيا أو شيعيا أو أي كان، والمتمثلة أساسا في تقويض مفهوم الأسرة وأسسها المبنية على عطف الكبير على الصغير واحترام الصغير للكبير، باستثناء طاعته في معصية الله اعتمادا لأصل من أصول الشريعة الإسلامية حيث « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ».

في الأخير أعتقد أن ما لوحظ إنما هو وجه من أوجه التجاسر الذي عم جل البلدان الإسلامية في غفلة من علمائها وتواطء من بعض نُخبها حتى عم جميع الميادين، فهذا مغن يتجاسر على الشعب المغربي كبيره وصغيره، وهؤلاء نسوة يتجاسرن على النصوص القطعية، وهاته جمعيات تتجاسر على قيم مجتمع بكامله لتطالب بحرية الزنا والمثلية والحرية في الإجهاض، وأخريات يطالبن بتجريم التعدد وتزويج الفتاة ما لم تبلغ 18 سنة… والهدف من هذا كله هو استنساخ نوع بشري مستهتر بقيمه وبأخلاقه، لا يصلح إلا للاستهلاك وعبادة الشهوات.

وفي الختام، وإذا سلمنا بكون التظاهر وسيلة من بين الوسائل المتاحة للمطالبة بالحقوق المشروعة لشعب من الشعوب، أقول نعم للتظاهر ولكن لا لاستغلاله للتجاسر على كل ما له علاقة بالقيم السمحة التي تمتح من الدين الإسلامي الحنيف.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *