موسم ،،البحيرات،، ومحنة العنوسة
محمد شحلال
انتشر في الساعات الماضية فيديو يوثق لملتمس غريب بضواحي مدينة أسفي،حيث تتسارع عشرات العوانس لالقاء ملابسهن الداخلية وسط المارة بمناسبة موسم،،البحيرات،،لعل ذلك يضع حدا لمحنة العنوسة التي تحولت الى ظاهرة تؤرق الضحايا والعائلات ،لما ينجم عنها من انكسارات وتداعيات لا تشرف أحدا.
وبقدر ما يثيره سلوك هؤلاء البئيسات من قرف في النفوس ومن خدش لقيمنا السامية،فانه يثير كذلك تساؤلات سوريالية حول توجه مجتمعنا الذي يتجاذبه خليط من الممارسات المتناقضة التي تحولت الى ،،ماركة مغربية،،خالصة !
وهكذا،والى جانب مظاهر التحضر التي نلمسها في مساحات التسوق الكبرى العصرية،وفي المقاهي والمطاعم الفخمة،ناهيك عن التراموي والشبابيك الأوتوماتيكية وخدمات،،السيلف سرفيس،،في كثير من المرافق،فان الصدمات المفاجئة لا تمهل المعجب ،ليدرك بأن هناك ظواهر موغلة في التخلف تأبى الا أن تجعل هذا البلد يسير بأكثر من رأس
ان انخراط بلدنا في توظيف ،،الديجيطال،،ليكون له مكانه بين الدول،ويساير الثورة التكنولوجية في الحدود الممكنة،يقابله جيش من تجار الخرافة والشعوذة الذين يتزايد زبناؤهم ومريدوهم ضدا على التقدم الطبي والعلمي عموما.
ولعل المواطن لا تغيب عنه محلات بائعي الأعشاب و،،مجزوءات،،كل الحيوانات والطيور والزواحف التي تجلب ،،السعد،،وتطرد النحس،وتشفي الغليل في العدو بغض النظر عن العواقب التي تلحق بالضحايا الأبرياء في جل الحالات.
والى جانب محلات العشابين،فان ظاهرة الرقاة قد انتشرت في كل ربوع الوطن ،بل ان هؤلاء الرقاة قد انتظموا بما يجعلهم يستنسخون تقاليد الاطباء المختصين عبر العمل بالمواعيد واحترام شروط الخدمة !
ان كل الكوارث الاجتماعية التي تتناقلها الاخبار حول مضاعفات أعمال الشعوذة ،وابتزاز الرقاة الرخيص للنساء في أعراضهن،لم يحل كل ذلك دون استمرار هذه الممارسات المشينة التي لم تفلح معها مواعظ الدعاة ولا اجهزة القضاء،مما يوحي باستمرار التخلف الى امد غير منظور.
وبالعودةالى موسم،،البحيرات،،فانه في الواقع لا يعتبر حالة نشازا،ذلك أن ظاهرة التماس التخلص من العنوسة،تتناسل في كثير من الأمكنة : فهذه ،،عائسة البحرية،،وهذا ضريح سيدي فلان،وهذه مغارة الجنية فلانة،حيث تختلف طقوس التماس الخلاص.
وكدليل على ايغال ظاهرة الشعوذة ومساءلة مراقد الاولياء لتحقيق مكسب ما،فقد أتيح لي أن أعاين ظاهرة مقايضة الملابس الحميمية للفتيات بجلب فارس الأحلام في ضريح،،مولاي ابراهيم،،طير الجبال،، بضواحي مراكش.
لقد رايت عشرات الفتيات ومعظمهن من المثقفات ،قادمات من كل جهات الوطن لطلب خدمات، طير الجبال،،في طرد نحس العنوسة بعد تلبية شروط مجموعة من العجائز اللواتي يمهدن السبيل نحو تحقق بركة الولي الصالح عبر ما يعرف ب،،ضرب الخفيف،،وهو عملية تذويب الرصاص تقوم به هؤلاء الوسيطات لقراءة الطالع !
ان كل الدراسات الاجتماعية تؤكد استفحال ظاهرة العنوسة ببلادنا حتى تجاوز العرض الطلب،مما احدث شرخا، بل خللا اجتماعيا لافتا يتحتم معه القيام بمراجعة عميقة لقيمنا التي عرفت تحولا مؤسفا كانت الفتيات اولى ضحاياه.
لقد انتقل المغاربة من التقاليد البسيطة في الأعراس لبناء اسر متماسكة،الى تبني شروط تعجيزية تجعل الزواج شبحا مؤرقا لمن يرفضون او يعجزون عن استيفاء الشروط التي تبدأ بين العائلات لتتازم عبر،،النكافات،،وأصحاب القاعات ثم منظمي الحفلات لينتهي الزواج قبل تصفية فواتير تكاليفه.
ليس هناك دروس جاهزة تقدم للأسر المغربية،لكني استحضر قصة صديق اقترن ابنه بفتاة فلسطينية يدرسان معا بدولة السويد،فلما جاء موعد تحديد المهر،طلب الأب الفلسطيني أن يتضمن العقد سورة،، يس،،ولا شيء معها !
ربما لا يحرك هذا العقد في اهلنا ساكنا رغم دلالته،لكنهم مدعوون للتحلل من أحكام النكافة والتريطور وصاحب القاعة ومن كان على شاكلتهم ليتم الزواج في وقته ويؤسس لما بعده…..
Aucun commentaire