العلاقات المغربية الفرنسية: من المستفيد؟
الحسن جرودي
بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقات المغربية الفرنسية: من المستفيد؟
بعدما انقطعتُ عن الكتابة لمدة غير يسيرة لأسباب متعددة، من بينها الخوف من الخوض في مواضيع يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات غير التي أكتب لأجلها، ومن ثمة إمكانية الإساءة إلى طرف معين بسبب نقص في المعطيات، أوعدم تمحيصها خاصة وأن جل وسائل الإعلام بمختلف أصنافها أصبحت لا تتحرج من بث معلومات هدفها الأساسي هو خدمة أجندة معينة دون الاهتمام بالحقيقة، مما يُصَعِّب من مهمة البحث عن المراجع الموثوقة.
قلت بعد هذا الانقطاع قررت العودة للكتابة، استجابة لرغبة أحد الإخوة الأعزاء الذي حفزني للكتابة أول مرة ولا زال يلح علي مرة بعد أخرى دون ملل ولا كلل منذ انقطاعي، وقد كان لمقاله الذي خصصه لموضوع ابتزاز فرنسنا للمغاربة في شأن تأشيرة الدخول إلى ترابها، الأثر الفعال في استئنافي الكتابة من باب المدافعة وعدم السكوت عن المنكر وتغييره ولو في أدنى مستويات التغيير، حتى وإن كان ذلك في أصغر دائرة ممكنة بهدف تجنيبها السقوط في اللامبالات التي قد تؤدي إلى التطبيع معه في مختلف المجالات الحياتية التي يدخل ضمنها الانبهار، على الخصوص، بفرنسا التي ما فتئت تُمرَّغ أنوفنا في التراب ولم تتدخر جهدا في ابتزاز المغرب والمغاربة ماضيا وحاضرا، ومع ذلك تجد أن هناك من » لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا » ويبذلون الغالي والنفيس للدخول إلى أراضيها.
وحتى لا يقال بأننا نتحامل على هؤلاء فلنقم بجرد بعض عوامل الربح والخسارة في إطار العلاقة المغربية الفرنسية إن على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد.
فالنسبة للدولة حيث يُصرح عدد من المسؤولين بأن هذه العلاقة تكتتسي بعدا تاريخيا واستراتيجيا، أقول بأنه ينبغي توضيح المدلول العملي لمفهومي البعد التاريخي والاستراتيجي، فمن حيث البعد التاريخي فلا نعلم منه سوى أنه كان تاريخا استعماريا فاق مختلف أنواع الاستعمار في خسته ودناءته، ذلك أنه بالإضافة إلى استنزاف الثروات المادية للبلاد المستعمَرة الذي يشترك فيه المستعمرون، تميزت فرنسا بالاستيلاء على الثروة اللامادية من خلال تشويه ثقافتها ولغتها وكل ما يمت إلى دينها بصلة. أما بالنسبة للجانب الاستراتيجي فنتساءل عن تواجده في أي جانب من جوانب العلاقة التي تربط فرنسا بالمغرب والمغاربة، فبالنسبة للذي يردد مقولة أن فرنسا سمحت بانتقال التكنولوجيا للمغرب على سبيل المثال، نُسائله عن التجليات الإيجابية لهذه التكنولوجيا على أرض الواقع: هل في معامل رونو وسيتوين؟ التي تستعبد السواعد المغربية بأثمان زهيدة، فيما تجني هي أرباحا خيالية مقارنة مع بقائها في فرنسا، هل في الاستغلال الجنسي للعاملات؟ ثم بعد كل هذا وذاك هل يمكن للمغرب أن يستقل يوما بهذه الصناعات دون أن تسمح فرنسا بذلك؟
أما بالنسبة للجانب الثقافي فماذا جنا المغرب غير سيطرة اللغة الفرنسية على التعليم وعلى أهم مرافق الحياة الإدارية والاقتصادية رغما على الدستور الذي يعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وعلى المرفق العمومي بشكل عام، حيث تم تشويه اللغة العربية واعتبارها لغة متخلفة لا تساير الواقع ليتم استبدالها بلغة هجينة لا هي عربية ولا هي فرنسية كما هو واضح في واجهات المحالات العمومية من مقاهي ومتاجر بالإضافة إلى لافتات الإشهار التي تجاوزت كل الحدود في الاستهتار باللغة العربية وبالدستور في حد ذاته، بحيث يُفرض التساؤل عن أهمية هذا الدستور في الوقت الذي تكتسح فيه الدارجة المفرنسة والفرنسية الإعلام وجل مناحي الحياة المغربية.
ودائما في إطار الاستراتيجية، وبالنسبة للذين يستدلون بكون المغاربة استفادوا من الجامعات الفرنسية في اكتساب ناصية العلوم الحديثة، نقول بأننا إذا اعتبرنا ذلك صحيحا، فما مدى استفادة المغرب من هذه الأطر، ونحن نعلم أن أغلب من درس في فرنسا يبقى هناك، وجل من رجعوا كانوا بمثابة مبشرين للفرنكوفونية، والأدهى من ذلك أنه إذا كان المغاربة في الماضي يؤدون مقابل دراستهم ثمنا معقولا، فإنهم في السنوات الأخيرة أصبحوا يؤدون أثمنة خيالية لتستفيد هي منهم في آخر المطاف، والأدهى من هذا كله فإنها أصبحت اليوم تستقبل الأدمغة من أطباء ومهندسين بعدما تم تكوينهم تكوينا كاملا في بلدهم، لتستغلهم دون أن تصرف عليهم درهما واحدا، وذلك بسبب عدم توفير النظام للحد الأدنى من وسائل الاشتغال المادية والمعنوية من جهة، وخفوت روح المواطنة وقلة العزم على التغيير من الداخل لدى هؤلاء الأدمغة من جهة ثانية.
إن الكلام في هذا الموضوع يطول، لكن المهم هو محاولة استشراف مآلات هذه العلاقة على المدى البعيد أو المتوسط على الأقل، فلنطو الزمن، ثم نتصور أحوال هؤلاء الشباب الذين يفنون زهرة حياتهم في خدمة فرنسا ومصالحها مع كل ما يتعرضون له من تمييز وعنصرية، بعد بلوغهم سن التقاعد إن أطال الله عمرهم وهم قد كوَّنوا أسرا غالبا ما تكون زيجاتهم فرنسية، فهل سيرجعون إلى المغرب وحيدين كما غادروه مع الفرق أنهم غادروه شبابا وبكامل قواهم، لكنهم سيعودون إليه وهم كهولا وشيوخا، علما أن ذريتهم لن ترجع معهم كما يدل الواقع على ذلك الآن، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن جذورهم التي تربوا في أحضانها تكون قد اقتُلعت، أم أنهم يمكثون في فرنسا إلى أن يتوفاهم الله ليُطرح بعد ذلك مشكل رفاتهم هل يُرجَع به إلى المغرب أم يبقى هناك ليطرح مشكل آخر يتمثل فيمن سيؤدي واجب القبر والمكوث فيه علما أن الأداء يتجدد مع مرور الزمن.
في الأخير نتساءل مع كل يملك ذرة من المنطق، أين تكمن النظرة الاستراتيجية في العلاقة المغربية الفرنسية، وهل من المنطق في شيء أن نسير على نفس هذا النهج الذي لن يؤدي إلا إلى الكارثة لا قدر الله، أم أننا نعمل على استراد حريتنا المسلوبة منا مرغمين أحيانا، ولكن عن طواعية في أحيان كثيرة لا لشيء سوى أننا ساهمنا عن قصد أو غير قصد في تنمية قابليتنا للاستعمار كما عبر عن ذلك مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة.
الحسن جرودي
Aucun commentaire