الماتادور و بائعة الغاز
.الماتادور وبائعة الغاز قصة عشق غريبة تدور أحداثها بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتحركها رمال الصحراء وعواصفها، فبين الشمال والجنوب تجري الرياح بما لا يشتهيه البعض
عدو عدوي صديقي، وفق هذه المقولة نشأت العَلاقة بين الماتادور (مصارع الثيران)، و بائعة غاز حاسي مسعود اللذين تجمعهما هواجس مشتركة ومشاعر متبادلة، وبيت القصيد هو الحيلولة دون رغبة جارهما المغربي في الأمن والاستقرار لكيلا يتفرغ بعد استرجاع صحرائه لقضية الثغور المحتلة شمالا و ما جاورها من جزر، و للصحراء الشرقية التي ضمها الاستعمار لغير أهلها بهدف بث روح التفرقة بين الأشقاء عملا بمبدأ فرق تسد، وكان له ما أراد بعد أن زرع الأشواك و لغم الأرضية بمزيد من الأحقاد والأضغان، فصارت الحدود الموروثة عن الاستعمار شعارا يرفع لدى ثوار الوقت المَيِّت، فصار خطابهم بأن المستعمر لم يخلف الا الخراب والدمار أما الحدود فهي نعمة قدمت لهم على طبق من ذهب، كيف لا وقد توسعت الأرض شرقا وغربا وجنوبا وتضاعفت المساحة، فلتذهب الأخوة والجوار والتاريخ المشترك إلى الجحيم، ورغم حسن النوايا لدى المغرب و محاولاته حل الخلافات المفتعلة بتغليب الحكمة والتبصر وبعد الرؤيا إلا أن التصعيد كان سيد الموقف لدى الطرف الآخر مدعوما من طرف جهات ذات توجه أيديولوجي معين أبانت الأيام على سرياليته و هشاشته، وما حرب الرمال إلا أحد تجلياته
وجاءت قصة جزيرة اسمها ليلى مغربية الأصول و الهوى إلا لمن أصابه العمى، فكادت أن تشعل حربا غير محسوبة العواقب أذكى شرارتها تصرف طائش لرئيس حكومة سيء الذكر اسمه خسي ماريا أزنار لولا تدخل دول من القِوَى العظمى لراب الصدع و احتواء الوضع
هذا الحادث سيكون بداية لسياسة عدائية يغذيها موقف الخاوة الذين اصطفوا إلى جانب الإسبان ضد جميع الضوابط الأخلاقية والحقائق التاريخية التي تثبت الحق المغربي و تزكيه.
في ظل هذه الظروف المتوترة ستتوثق عرى الصداقة بين بلاد الدونكيشوت دي لا منشا و شريكه في المؤامرة لتستمر حرب طواحين الهواء وتتمدد من حيث الزمان والمكان، و ما إبرام معاهدة الصداقة بين الجانبين سنة 2002 إلا الشجرة التي تخفي الغابة، وفي التفاصيل تكمن الشياطين. فقد عقدا عروة وثقى لا انفصام فيها كزواج كاثوليكي.
بائعة الغاز كانت سخية في عطائها فوقعت العقود دون قيود و لا شروط وبأثمان تفضيلية، فالربح والخسارة لديها سيان اذا كان في ذلك معاكسة الجار المغربي و الإضرار بمصالحه وتعطيل قطاره وعرقلة مساره
.
كل شيء يهون و الغاية تبرر كل الوسائل ولو على حساب قوت الشعب الجزائري و حقوقه الأساسية، فالانفصاليون والمرتزقة هم أولى بالريع النفطي والغازي ما داموا تحت الطاعة و يحركون بالريموت كونترول.عقدة الصحراء وحلم المنفذ الأطلسي غصة في حلق حكام البلد الجار، مدنيين وعسكريين يحاولون ترسيخه بفعل سياسة شراء الذمم والبترودولار الذي يسيل اللعاب والبروباكوندا التي تروج الأوهام وتشيع الأخبار الزائفة المفبركة.
المغرب السائر في طريق النمو و السيد في مملكته ينهج أسلوب التجاهل للاستفزازات الصبيانية الصادر عن اعداء الوحدة الترابية ويرد بحزم على كل محاولة لاختراق حدوده الحقة وتحييد كل خطر يهددها، والجيش الملكي الباسل يقف كالأسد الشجاع لرد كل عدوان يستهدف المس بشبر من اراضيه أو حبة من رماله، و بسالته يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.
تبين للإسبان الحق من الباطل بعد دراسة للموضوع من كافة الجوانب، فبادروا إلى تصحيح موقفهم بالعودة لجادة الصواب وتأييد مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وذو مصداقية على غرار دول أخرى من الوزن الثقيل، وجاء ذلك بعد مخاض عسير في العلاقات الثنائية تبين من خلاله ان مغرب اليوم ليس هو مغرب الامس قولا وفعلا، لذا لا يمكن الاستمرار في الخطأ التاريخي إلى ما لا نهاية خاصة بالنسبة للمستعمر السابق الذي يملك من الوثائق ما يزكي الأطروحة المغربية
.
قرار سيادي كهذا لم يكن ليمر مرور الكرام عند بائعة الغاز التي رأت فيه غدرا وطعنة في الظهر من طرف شريك في المؤامرة لم تبخل عنه بشيء قبل وبعد البصم بالأيادي على معاهدة صداقة مفترى عليها أبرمت في زمن ساد فيه منطق تبادل المصالح والأدوار دون تفكير لما يخبئه الغد و بروز مستجدات تغلب جانب الحكمة على التهور أو صحوة ضمير، ولم تحافظ الجزائر على شعرة معاوية و لا هي تركت خطا للرجعة، فالقضية بالنسبة لها قضية حياة أو موت !.
وبمجرد ما جاهرت إسبانيا بموقفها الموضوعي سعيا لتمتين روابط الصداقة مع المغرب وتعزيز اتفاقيات التبادل التجاري و تنظيم عملية العبور بين الضفتين وبالمعابر الحدودية بعد لقاءات على أعلي المستويات، ثارت ثائرة بائعة الغاز مدشنة عملها بشن حرب كلامية على صديق الامس الذي تنكر لعهوده حسب رأيها و سحبت سفيرها من مدريد كخطوة تصعيدية في المجال الدبلوماسي، و بما أن افعال العقلاء تصان عن العبث فان إسبانيا لم تجاري النظام الجزائري في شطحاته و اكتفت بترديد ان قرارها سيادي و لا رجعة فيه، فزاد االسعارالجزائري اثر عقد المجلس الأعلى للأمن بحضور أصحاب النياشين و القبعات المطرزة فأعلنت من جانب واحد إلغاء معاهدة الصداقة مع الإسبان و التجميد الفوري للمبادلات التجارية، وكان لبعض الأبواق الإعلامية المحلية وبعض الوجوه المتآكلة من معلقين ومحللين تحت الطلب صب الزيت على النار.
بعد دراسة إسبانية رصينة وغير متسرعة لهذا المستجد لجات للاتحاد الأوروبي الذي أرسل بعض الإشارات التحذيرية لمن يهمه الأمر مذكرا إياه باتفاقية الشراكة التي تجمعهما، وخوفا من خلط الأوراق ومن ضربات قد تنهال على بلد الشهداء من جميع الجهات في ظل الظروف الدولية الراهنة و الازمة الروسية الغربية، بادر عن طريق دبلوماسييه ببروكسل إلى نفي خبر تجميد المعاملات التجارة مع الجار الابيري كما اكدت ان الغاز سيستمر في التدفق شمالا متناسية أن إسبانيا تتوفر على ورقة ضغط بواسطة العقود الموثقة المتوسطة والطويلة الأمد و التي لا مجال فيها للتراجع أو المساومة أو الابتزاز الذي بات عملة جزائرية رائجة و علامة مسجلة لدى معظم الدول التي تعتبرها برهانا على انعدام المصداقية و الوثوقية في المعاملات التجارية مع بلد القوة المضروبة التي قد تكون بصدد تنفيذ أجندة روسية ترمي للضغط على الجانب الأوروبي ولي ذراعة مستعملة ورقة الأمن الطاقي بالوكالة .
وهذا التوجه اصبح ملموسا في سياسة النظام العسكري الحاكم بالقطر الشقيق عن طريق تمتين علاقاته مع ايران وفنزويلا وسوريا الأسد، وسواء كان ذلك مدروسا أم ناتجا عن سوء الفهم للأوضاع الراهنة فان الأمور لا تبشر بالخير لبلد الغاز والبترول.
إن الانتصارات الميدانية و العمل الديبلوماسي البناء الذي يسلكه المغرب كمنهج يبوءه مكانة رفيعة و مشرفة على الرغْم من المناورات والدسائس التي تحاك ضده في السر والعلن، فحبل الكذب قصير والرجوع لجادة الصواب من طرف البعض وتأييد المجتمع الدُّوَليّ بات واضحا للعيان و المغرب يجني اليوم نتائجه و يقطف ثماره دوليا وقاريا، وأطروحة الخصوم في طريقها إلى الزوال والاندثار. أما الانفصال فاصبح تغطية للإرهاب الذي تمارسه دولة تسبح ضد التيار.
Aucun commentaire