عبيد الأندرويد
عبيد الأندرويد.
هذه الكائنات الإلكترونية حوّلتنا إلى عبيد. تجري فينا مجرى الدّم حتى غدا الأندرويد أقرب إلينا من حبل الوريد.
تسكن جيوب جلّنا و تجرّنا إلى عالمها العجيب. لم ينج من لجامها لا كهل و لا طفل ، و لا امرأة و لا رجل.
تعدّدت أشكالها و الأسماء لكنّها في إحكام سَبينا سواء. في حضرتها إرادتُنا مسلوبة معدومة, سواء كُنا أمام أقلّها سومة، أو امتلكْنا أشهرَها ، صاحب التفاحة المقضومة .
تُهدهِد الهاتفَ الكَفّان و تحرص على حمايته بكل تفاني. لا يغادرهما إلاّ إذا استبدّ النّوم بالجفون و لبّى الرأس نداء الوسادة أو إذا حان وقت العبادة أو إذا طالبت المثانة أو الأمعاء بحقّها الطبيعي في الخواء.
تحرسُه الأصابع الأربعةُ باهتمام و على الشاشة يتربّع الإبهام.
و أخيرا رفع الهاتف من شأن الإبهام : بعد أن اختصّ في القَصْع مُتقمّصا لوقت طويل دور المقصلة متصدّيا بظفره لغزو الصّئبان لرؤوس الصّبيان، و بعد أن ارتبطت بصماته بكل مُتهم مُدان، و بعدما شهد على أُمّية كل مُوَقِّع لا يعرف التوقيع بالقلم،ها هو يحظى بكل الإهتمام و يستحوذ على كل المهام: يفتح و يغلق،يجيب و يعلّق. و حده يكتب و يمسح، و حده يحجب أو يسمح. وحده يتصل و يصور و يسجّل.
لا أصبع يتحرك سواه، يتجول في ذاكرة الهاتف على هواه و لا تتدخّل السبابة إلاّ استجابة لطب المبتدئين و قليلي التجربة.
أمّا عِند اليافعين واليافعات فقد تزوج الهاتف بالسماعات زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه ولا فراق.
لا يتحركون إلاّ و السمّاعات مغروسات في الٱذان و هم على هذا الحال في كل وقت و حين حتى ليخيل إليك أنهم آلات و الموسيقى بنزين. الخيوط السوداء و البيضاء تلفّ القفا أو تتدلى على الأثداء حتى غدَت السمّاعات لأعناقهم وفيّة و فاء السُّبحة لعواتق أبناء الطّرق الصوفية.
لو يعلم جراهام بيل ما جرى وما صار عليه اختراعه لراعه ما آل إليه الحال في عهد بيل غيتس. بين البيلٓين حدثت تحولات عديدة و ما كان أداة بسيطة لنقل الكلام صار جهازا ذكيا متعدد المهام. صحيح أنه يقدم خدمات عديدة للناس لكن يحبسهم في عالمه ليحسب أنفاسهم.
كل شيء بالمقابل: يفتح لك العالم ليحبسك في عالمه. محركات البحث مكاتب أبحاث تسجل كل ميولاتك واهتماماتك، وفي كلّ مرّة يأتيك تذكير بتحركاتك في الشهر الأخير. و ما كنت تظنه مصدرا للمعرفة و التسلية و الخبر تكتشف أنه إضافة إلى ذلك مُخبر.
ماي 2022.
Aucun commentaire