معضلة القسم بعد الستين
حميد وشاني
كان من المَفروض أو من المُفترض أن تكون هذه السنة هي الأخيرة في مشواره المهني؛ ويكـــوننَّ من المتقـــــــــــاعدين. لقد اشتعل الرأس هَمّـــــا. بلغ أرذل العُمر التعليمي. ستون سنة مِمَّا تعُدُّون.
لكن شاءت إرادة رئيس حكومة سابق ومن والاه (عفوا هو في الحقيقة مسلوب الإرادة) مجرد تلميذ نجيب في تطبيق سياسة أسياده الإمبرياليـيـــــــن. فتمت إضافة 3 سنوات قسرا إلى رصيد نفذ. ثلاث سنوات لا يُدرك قساوتها إلا من اكتوى بنار القسم طويلا. لم يكن مسؤولا عن إفلاس صندوق التقاعد ولا عن فساده أو سوء تدبيره. لكنهم حمَّلوه وِزره وآخذوه بذنب هو منه بَراءٌ. بئس علوج الانتهازية.
في الصباح ينتشل نفسه من الفراش بمشقّة. يستيقظ متثاقلا عابسَ الوجه مُكفهرا. يلعن في نفسه من كان سببا في تمديد سن التقاعد. وبعد أن يُفرِغ قاموس السب في حق كل من ساهم في تمرير هذا المشروع أو صوَّت لصالحه يعود فيلوم كل من استنكف عن النضال عندما بدأ الهجوم على ما فَضُل من المكتسبات الاجتماعية على قِّلتها (طبعا لا يستثني نفسه الأمّارة بالتخاذل أحيانا)
آخر أسنانه تساقطت، فمه أصبح أدرد وحين يتحدث مع المتعلمين تصلهم كلماته وجمله مشوشة ومهشمة.. يجد تلاميذ القسم الأول صعوبة في تَبيُّن ما يَتفوه به. لم يعد نطقه سليما هو المُطالَب بتعليمهم مخارج الحروف والتمييز بينها وكتابتها. حاول تدارك الأمر بتركيب طاقم أسنان عند الطبيب لكن المشكل لا زال قائما. ربما يتطلب الممارسة والتمرن للاعتياد عليه! هذا ما قاله له أحد المجربين.
كتابته على السبورة البيضاء تبدو زائغة عن السطر. لم يعد قادرا على التحكم في القلم. وتقديم نموذج يُحتذى به كما في السنوات السابقة.
أحيانا يريد أن يقول شيئا فيتلفَّظ بغيره، شيء مختلف تماما أو نقيضه أحيانا. مثلا يأمر التلاميذ بتوزيع الدفاتر ويكون المقصود هو جمعها. الامر هنا لا علاقة له بدلالة نظرية أفعال الكلام كما طورها سيرل. بل بكل بساطة صعوبة في التركيز وتذكر الأشياء. وما خفي أقسى…. ! هنالك أعراض أخرى . لا أريد أن أعكر مزاجكم أكثر.
يقف امام الباب؛ أخ …تفووو. يبزق بكل ما تبقّى فَيه من قوة: الله ينعل بو جدها خد… كاد أن يقولها، لكنه التزم الصمت. قاوم ألماً داخليا.
قلت في نفسي « هذا ما جناه ……
حميد وشاني في 2022/3/6
Aucun commentaire